بعد ان قرر اغلاق ملف يوم الجمعة الاسود في رفح 2014 أمر المدعي العام العسكري الاسرائيلي شارون اوفك بفتح تحقيق لحالتين فقط من بين مئات حالات القتل والآف حالات الاصابة والجرح التي تسبب بها اطلاق النار المكثف بقناصة وجنود الاحتلال الاسرائيلي في اثناء مواجهتهم للمتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة منذ 30-3-2018 , والحالتين هما استشهاد عبد الفتاح عبد النبي , 30-3 , شرق جباليا , وحالة استشهاد الفتى عثمان حلس بالقرب من معبر كارني وفي كلتا الحالتين نفى الناطق باسم الجيش حدوث اي تجاوز لاوامر اطلاق النار رغم وضوحه في اشرطة الفيديو التي نشرت على نطاق واسع , مشيرا الى ان هذه الصور مفبركة وتأتي في اطار الحرب الاعلامية التي تشنها المقاومة ضد الاحتلال.
يشير توقيت قرار المدعي العسكري العام الى حرص متخدي القرار في اسرائيل تجنب اي انتقادات داخلية من قبل المجتمع الاسرائيلي المنحاز لجنوده حتى وان تجاوزو وقتلو ومن جهة اخرى تجنب ما يعتبرونه مسا خطيرا لدوافع الشباب الصهيوني لتجند صفوف الجيش الذي لا يدعم جنوده في خضم المعارك بل ويلاحقهم قضائيا مما يهدد قدرة الجنود و "فعاليتهم في القتل " , لذلك انتظروا حتى توقيع ما يبدو اتفاقا كاملا مما يسمح لهم بالتفرغ لمواجهة هذه الاشكالية.
لم يكن اختيار المدعي العام العسكري لهاتين الحالتين لاسباب او دوافع اخلاقية او انسانية بل كان لاسباب تكتيكية تهدف بالسماح للجيش واسرائيل المحتلة من تجاوز وتخطي عقبة الرأي العام الدولي وما يعنيه ذلك من تطور تقارير حقوقية دولية كتقرير غولدستون 2009 وتجنب أي ملاحقة من محاكم دولية بحجة أن اسرائيل تحقق مع نفسها وتعدل أخطائها الغير مقصودة والتي قد تحدث في العادة أثناء المواجهات والحروب.
من المرجح ان تنجو اسرائيل من أفعالها الاجرامية على صعيد الحكومات الرسمية , لكن الرأي العام العالمي الذي يميل بطبيعته الى التعاطف والتضامن مع الشعوب المستضعفة سيبقى يلاحق مؤسسات الاحتلال الفاسدة من جذورها والتي ستستمر في تزويد العالم بالمزيد من التجاوزات والاختراقات الاخلاقية والانسانية , ولن يسعف المحتل قرار المدعي العام الشكلي والتجميلي.