أزمة ايل 20 و الحلول الاسرائيلية
بقلم عبدالناصر عيسى
فرضت الاجراءات الروسية الأخيرة واقعا صعبا و معقدا على متخذ القرار في دولة الاحتلال الصهيوني ، في كل ما يتعلق بسوريا : فرفض الروس للتوضيحات الاسرائيلية حول إسقاط طائرة التجسس ( ايل 20 ) ، و من ثم قرار الروس بتزويد نظام الاسد بمنظومة ( اس 300 ) و منظومة متطورة للتحكم المركزي بأنظمة الدفاع الجوي ، و الأخطر من ذلك – وقد يكون الأهم – هو ايقاف كل أجهزة الاتصالات و الرادار لأي قوة أجنبية في سماء سوريا . كل ذلك سينشىء واقعا استراتيجيا و سياسيا جديدا ، فماذا ستفعل اسرائيل ؟
على الصعيد الاعلامي تستمر اسرائيل في إظهار قدرتها على تجاوز الازمة رغم صعوبتها ، و بأنها ستمضي في السعي لتحقيق أهدافها المعلنة في سوري وهي : عدم تمكين ايران من تعزيز مكانتها العسكرية في سوريا ، و منعها من الاستمرار في تزويد حزب الله اللبناني بصواريخ دقيقة و أسلحة متطورة قادرة على كسر المعادلات ، و ذلك من خلال أدواتها المعروفة و تحديدا توجيه الضربات العسكرية لأهداف ايرانية و سورية ( بل و المبالغة في ذلك ) ، و من أجل ذلك تسعى اسرائيل و تظهر حرصها على استمرار التواصل السياسي و العسكري مع الروس ، و تعزيز آلية منع الاحتكاك المتفق عليها منذ العام 2015 .
من المرجح ان تقوم اسرائيل بالتوقف الكامل عن توجيه ضربات من أي نوع كان لأهداف في سوريا خلال أيام ستعمل ان تكون محدودة جدا ، تسعى من خلالها لتهدئة و امتصاص و من ثم تجديد التفاهمات مع الروس ، ليس لعدم قدرتها على توجيه ضربات بالمطلق ، و لكن لحرصها على العلاقة الاستراتيجية الضرورية مع الروس ، و من ثم ستعود لتوجيه ضربات لأهداف أكثر انتقاءا في سوريا ، ولكن بواسطة صواريخ موجهة عن بعد ، أو بواسطة طائرات الشبح من نوع ( اف 35 ) ، و من الواضح ان هذا يعقد و يقيد قدرات اسرائيل الجوية .
قد تعمل اسرائيل على زيادة مدة الانذار المسبق للقوات الروسية ، بحيث تصبح أطول مثل 10-15 دقيقة ، و ليس دقيقة كما تم في حادث ( ايل 20 ) ، كذلك الامر فقد تقوم اسرائيل و على الارجح بتزويد الروس بمعلومات أكثر دقة حول مكان المنطقة المستهدفة ، مع حرصها بطبيعة الحال ألا يسمح ذلك للروس بتحذير حلفائهم في الوقت و الزمن المناسب .
ستعمل اسرائيل على إدخال العامل الامريكي في معادلة حل أزمة ( ايل 20 ) مع الروس - و التي تعني استعادة اسرائيل قدرتها و إن جزئيا على الاستمرار بتوجيه الضربات لسوريا - ، و ذلك بأحد شكلين : الاول تدخل أمريكي مباشر مع الروس للحوار ، أو الضغط باتجاه الموقف الاسرائيلي ، و يبدو ان هذا الشكل لا يتمتع الا باحتماليات ضعيفة الى متوسطة بسبب ان العلاقة الروسية و الامريكية لا تمر بمرحلة تسمح بالضغط على روسيا في سوريا لأسباب أمريكية خاصة و لأسباب روسية أيضا .
أما الشكل الثاني فهو استخدام نتنياهو علاقاته المتميزة مع ترامب و متطرفي الحزب الجمهوري - كجون بولتن و غيره - من أجل تحقيق مصالح روسية معينة في المنطقة العربية أو خارجها كنوع من الثمن الذي تدفعه اسرائيل لمساهمتها في إسقاط الطائرة الروسية ، و من الواضح ان هذا الشكل من التدخل الأمريكي سيبقى سريا لمصلحة كافة الأطراف ، و احتمالية حصول هذا الشكل من التدخل أعلى من الشكل الأول .
و هكذا يمكن لاسرائيل تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية (ايل 20 ) ، و لكن بعد ان تكون قد دفعت ثمنا سياسيا و استراتيجيا للروس ، ومنه تقييد حرية (عدوانها) على الاراضي السورية بشكل واضح ، و من السابق لأوانه القول بان عهد العدوان الاسرائيلي على سوريا قد انتهى .