قضية الخاشقجي :
النظام السعودي في قبضة الاتراك
لا يبدو سؤال تجنب الاضرار واردا بالنسبة للقيادة السعودية في قضية ما أصبح يعرف باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في اسطنبول ، انما السؤال المتعلق هو سؤال الثمن أو مدى قدرة القيادة السعودية على تخفيف الاضرار ، و تقليل الاثمان و تجنب الأسوأ قدر الإمكان ، فما هي العوامل التي تتحكم في تخفيف أو زيادة أضرار قضية الخاشقجي على النظام في السعودية ؟
قد يكون العامل التركي هو الأكثر قدرة في الضبط و التحكم في الاضرار ، نظرا لامتلاكه و على الأرجح القدرة العالية على السيطرة على معلومات و تفاصيل القضية و تحديدا من حيث ماذا ينشر ؟ متى ؟ و كيف ؟ ومن هو المتورط ؟ و بأي مستوى من القيادة كان القرار ؟ و من الواضح ان لنشر مثل هذه المعلومات وزنا هائلا في تطور تداعيات و مسارات القضية بالنسبة للسعودية ، وهنا قد يقف الاتراك موقفا صعبا بين الاخلاق و المبادئ ، و التي تبوأت مكانة عالية في السياسة التركية و بين تحقيق المصالح المشروعة للشعب و القيادة التركية ، علما ان التجربة السابقة قد أظهرت حكمة تركية في الخروج المعقول و المشرف من مثل هذه المواقف و القرارات الصعبة .
لا يقل العامل السعودي و كيفية تعامله مع الازمة أهمية عن العامل التركي ، بمعنى مدى ذكاء و مرونة القيادة السعودية في التعامل مع المشكلة و التعاون مع السلطات التركية ليس فقط على مستوى لجنة التحقيق المشتركة فحسب بل على مستوى القيادة العليا و ذلك للخروج من المأزق من خلال دفع ثمن سياسي و أخلاقي مرضٍ لكافة أطراف القضية ، و تحديدا الاتراك ، و الذي يرى الكثيرون ضرورة اصرارهم على مطالبة السعودية بتغييرات جوهرية في سياساتها الخارجية و الداخلية ، و تحديدا في مجال الديموقراطية و حقوق الانسان ، و خاصة في كل ما يتعلق بمعاداة قوى الربيع العربي و على رأسها حركات الإسلام السياسي .
قد يسعى الرئيس ترامب وهو العامل الثالث و الراغب باستمرار عقود بمئات المليارات من الدولارات من السعودية ، لعدم السماح للاتراك في الدخول الى دائرة ( التأثير الواضح ) على السعودية ، ليس حرصا على مصلحتها و إنما لضمان بل وزيادة احتكاره لدائرة الضغط و التأثير على القرارات السعودية في مختلف القضايا ، و لكن ظروف قضية الخاشقجي لن تعطي ترامب على الأرجح هامشا كبيرا بهذا الصدد .
فمن جهة واحدة يعاني ترامب الذي يعيش خطر فقدانه الأغلبية في الكونغرس في انتخابات المنتصف أواخر نوفمبر الحالي من ضغوطات داخلية واضحة من قبل وسائل اعلام و ديموقراطيون في الكونغرس ، و من جهة أخرى فان الاتراك يمتلكون أوراقا قوية قد تضطره هو أيضا ان يدفع أثمانا لتركيا ان أصر على محاولته اليائسة لحماية احتكاره التأثير الأكبر على قرارات النظام في السعودية .
و هكذا تبدو قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على كل ما فيها من الم و اسف لكل الحريصين على حقوق الانسان فرصة امام الاتراك للضغط باتجاه سياساتهم الانسانية و الأخلاقية و على رأسها القضية التي يبدو ان الخاشقجي قد ذهب ضحية الدفاع عنها ، وهي الديموقراطية و حقوق الانسان في العالم العربي .