ما بعد الخاشقجي : اسرائيل بين تراجع ابن سلمان و تقدم اردوغان
بقلم عبدالناصر عيسى
صمتت اسرائيل الثرثارة و المدعية في كل ما يتعلق بمزاعم الديموقراطية و حقوق الانسان ، ( و حق لها ان تصمت ) و ذلك صدمة مما تخشى ان يكون تراجعا خطيرا أو حتى سقوط و تهاوي أحد أعمدة خيمتها في المنطقة و حليفها الأهم فيها ، أو من وصفه الرئيس ترامب ( our boy ) بسبب تداعيات جريمة اغتيال الصحفي السعودي المظلوم جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول .
فاسرائيل تخشى ان تتراجع رؤيتها و مكانتها و قدرتها على صياغة سياسات المنطقة و على رأسها محاربة قوى التحرر و المقاومة ، أو قوى التطور و الديموقراطية ، و تعزيز بعض الانظمة الديكتاتورية ، و على الرغم من هذا الصمت فإنها تستعد و على ما يبدو لمرحلة ما بعد جريمة اغتيال خاشقجي أي تقليل خسائرها قدر الامكان ، و ليس شرطا ان تنجح في ذلك .
يعتقد الكثير من الاسرائيليين بان صمت حكومتهم وإن بدا في البداية كصدمة المتفاجىء من هول الموقف إلا انه تحول بعد ذلك لدهاء و مكر الجاهلية القديمة في دعم الشريك وقت محنته حتى لو كان مذنبا أو مداناً ، أو بشكل أدق ( انصر فتاك ظالما أو مظلوما ) ، فان فشل الامر فقد حاولت و إن نجح ( فتاك ) من الخروج من ورطته حتى و ان كان جريحا ضعيفا فقد يحفظ لك الود و العهد ، و قد يكون أكثر تعلقا بك و حاجة لك ، وقد أشارت الى هذه الاستراتيجية الاسرائيلية في التعامل مع الاتباع و الحلفاء محللة الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرنوت مستشهدة بالحالة المصرية ، إضافة الى فقدان اسرائيل لأي بديل آخر عن ولي عهد مؤتمن .
أشار بعض خبراء الأمن في اسرائيل بصورة واضحة و إن كانت غير مباشرة الى حجم الخسارة الاسرائيلية من تداعيات قضية خاشقجي في المجال الاستخباراتي أيضا ، و تحديدا بعد التأكد من تورط شخصيات سعودية رفيعة المستوى كمستشار الملك الجنرال محمد العسيري و المعتبر على نطاق واسع في اسرائيل انه رجل الاستخبارات و الاتصال الاول بين المملكة و اسرائيل ، و بذا تكون الاخيرة قد فقدت - و بطريقة مدوية و ضمن سيناريو يخجل منه حتى أسوأ المحتلين- احد أهم رموز التنسيق الامني و الاستخباراتي الفعال معها ، وهو أمر لا يمكن تعويضه بسهولة .
من جهة أخرى لم يستطع الكثير من الاسرائيليين إخفاء غيظهم من تألق الاتراك و على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان في تعاملهم المهني و الراقي مع قضية اغتيال خاشقجي الامر الذي جعلهم نجوم العالم رغم كل الجهود السابقة في طمسهم و التآمر عليهم ، و من هذا الغيظ - من فيض - الكتابات و التصريحات الاسرائيلية ما ذكره البرفسور الاسرائيلي تسفي بار ايل في هآرتس 24-10 من ان اردوغان يقوم بوظيفة المحقق و القاضي و الجلاد ، و في نفس الوقت أقر و اعترف بنجاح الاخير في إدارة الازمة ، و ترك الحقائق تتحدث عن نفسها دون الحاجة لمؤثرات سياسية أو لغوية أخرى .
إضافة الى ذلك فقد أخفت كلمات التمني لمسؤول الاستخبارات الاسرائيلية و الواردة في يديعوت أحرنوت 24-10 التي قال فيها بالنص " ليت تركيا كانت قد أظهرت نفس الاصرار في التحقيق و جمع المعلومات ضد حماس و كبار مسؤوليها في تركيا ، كما أظهرت في حالة ملاحقة الخاشفجي " لقد أخفت هذه الكلمات حسرة و غيظا اسرائيليا على و من تركيا ، كما أشارت الى اعتراف المستوى المهني في اسرائيل بالنجاح و القدرة المهنية العالية من قبل سلطات الامن و الاستخبارات التركية في متابعتها و فكها لرموز قضية اغتيال الخاشقجي ، و هي صفات لا يحب الاسرائيليون ان يتصف بها أحد ، عوضا عن ان يصفوا بها هم بأنفسهم احدا غيرهم .
و قد أوضح هذه الحسرة الاسرائيلية ما نقل في وسائل الاعلام من شكوى أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية من قيام الرئيس أردوغان بتوجيه ضربة صعبة لما تبقى من علاقات تركية-اسرائيلية ، و ذلك من خلال دعم الرئيس أردوغان لهاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية ، و الذي يرى به الاسرائيليون عدواً لدوداً لهم و متعاطفا مع حماس و حزب الله و ايران .
و هكذا وجدت اسرائيل نفسها و رغما عنها أحد اهم الخاسرين من تداعيات قضية لم تخطر على بالها أو بال أحد و هي قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول ، فمن جهة فقد سقطت أو تراجعت على الاقل قوة أحد أهم حلفائها في منطقة الشرق الاوسط ، و في المقابل ارتفعت أسهم أحد أهم خصومها الذي ما فتئت تحاربه بسرية مكشوفة لا تخفى على عاقل ، و هو الرئيس أردوغان ، فلرب ضارة نافعة أو ( وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ).