مقاومة الضفة الغربية :عوامل وأشكال
بقلم: ناصر ناصر
13/10/2022
يطرح تصعيد المقاومة الفلسطينية الأخير في الضفة الغربية العديد من التساؤلات ومن أهمها كيف تحولت مقاومة الضفة وهي الأكثر ملاحقة ومطاردة وحصارًا من قبل الاحتلال وبتدخل ودعم أمريكي وإقليمي ودولي واضح وبمشاركة فاعلة من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ،فكيف تحولت هذه المقاومة من جديد إلى تهديد حقيقي للاحتلال ومشروعه في فلسطين، وما هي أسباب ذلك؟
أهي أسباب تتعلق بتراجع قبضة العدو، أم بقدرة الشباب الفلسطيني على التأقلم وبالتالي مواجهة حصار الاحتلال؟ وهذا يشمل أيضًا قدرات قيادة المقاومة الميدانية، أو تلك المُبعدة قسرًا عن بحرها الطبيعي إلى شتات الأرض، أم أنها تتعلق بأسباب أخرى؟
لقد شقت مقاومة الضفة الغربية والقدس طريقها عبر صخور جبال حصار الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه، بإمكاناتها البسيطة أو عبر الحفر بالأظافر كما يقال، استطاعت أن تنجز أشكالًا متنوعة ومناسبة للتحديات والتهديدات، ومنها:
.أولًا: تعزيز استجابة الجماهير الفلسطينية للتصدي لعدوان الاحتلال، ومستوطنيه المستمر وتحديدًا في منطقة القدس، ثم أبرزت نموذج المقاتل المنفرد المبدع، وثالثًا تجربة مخيم جنين الرائدة ورابعًا وليس أخيرًا تجربة مجموعات عرين الأسود المنطلقة بقوة من جبل النار في نابلس.
ولكلٍ من هذه النماذج والتجارب ميزاتها ومواصفاتها الخاصة والتي تطورت في الغالب دون تخطيط مسبق؛ بل من خلال الضرورة والاستجابة لتهديدات الاحتلال ومستوطنيه ضد أبناء شعبنا الفلسطيني المضطهد.
من أهم العوامل الثلاثة التي سمحت لهذه المقاومة أن تصمد وتتصاعد هو إرادة الحرية والاستقلال الانسانية المزروعة عميقًا في قلوب ونفوس شبان الشعب الفلسطيني الثائر، والذي لم ترهبه إجراءات الاحتلال وشراسته، ولم تخضعه مغريات السلطة ومناصبها ورواتبها، بل إن جزءًا منهم عاش وجرّب مدى هزلية هذه الرواتب والرتب الوهمية، حيث كان من عائلات معروفة بانتمائها للسلطة، ولكنه قرر أن يمضي ويواجه؛ لينال جزءًا من حريته وكرامته ،على الأقل، من خلال التعبير الإنساني بالمقاومة حتى وإن لم تكن هناك نتائج مرجوة في القريب العاجل .
أما العامل الثاني فهو فشل القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني في إقناعه أنها تعمل وفقًا لمصالحه وأهدافه بلا خنوع لمطالب الاحتلال الذي أغرقها بالتعاون مع دول وازنة بمعادلة السلطة الشكلية دون أي سيادة مقابل امتيازات ومصالح ضيقة لفئة من قياداتها.
لقد أصبحت السلطة عبئًا ثقيلًا على المشروع الوطني الفلسطيني منذ مدة، ولكن هؤلاء الشبان كباقي أبناء الشعب الفلسطيني أعطوا الفرصة تلو الفرصة، ثم قرروا تجاوزها دون مواجهتها عسكريًا، وما فعله الأسير المظلوم في سجون السلطة، وأحد أهم قادة عرين الأسود مصعب اشتيه خير دليل على ذلك، عندما رفض أن يواجه عساكر السلطة، مع قدرته على ذلك الأمر الذي زاد من تقدير هؤلاء الشبان لأنفسهم ومن ثم ثقة شعبهم بهم وتردد السلطة المحدود في مواجهتهم، فليس لديها أي مبرر، فماكنة دعايتها الإعلامية السوداء، لا تجري عليهم فلا هم إنقلابيون ولا حمساويون ولاما شابه ذلك.
أما العامل الثالث في نجاح تصعيد الضفة، فهو ثبات ومصداقية وصوابية منهج المقاومة في مواجهة الاحتلال، وقناعة الشبان به، ففي غزة ما زالت المقاومة ثابتة وتواجه بجدارة ونجحت في تثبيت معادلة رعب متبادل، أما قيادة المقاومة في الضفة وغالبًا ما تكون مبعدة قسرًا إلى شتات الأرض، أو في السجون أو ما يشبه الإقامة الجبرية، فقد نجحت هي الأخرى وخاصة المبعدين قسرًا في إبقاء راية المقاومة مرفوعة، وكان لها تأثيرًا واضحًا اعترفت به قيادة الشاباك واستخبارات الجيش وذلك وفقًا على سبيل المثال لمراسل شبكة كان روعي شارون 12/10، وصحيفة هآرتس بنفس التاريخ، بأن أسرى حماس المبعدين إلى غزة وتركيا قد تبنوا ظاهرة مخيم جنين وعرين الأسود بصورة كبيرة، حيث يزودونهم بالمال والسلاح والدعم المعنوي عبر ما يسمونه بالتحريض في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كما أكدوا بأن تحركات القدس الجماهيرية تتأثر أيضاً بصورة واضحة من الدعم المعنوي والإعلامي والمالي، والتوجيهات الإدارية أحياناً من قيادة أسرى حماس المبعدين قسراً عن الوطن والقدس وهكذا من المحتمل أن تستمر وتحقق نتائج رغم تزايد التحديات والتهديدات ضدها، وهي موضوع المقال القادم إن شاء الله.