تبادل الأسرى والمنطلقات المتضاربة
بقلم ناصر ناصر
5-8-2020
عند قراءة تطورات وملابسات ملف تبادل الأسرى المتوقع بين المقاومة الفلسطينبية وبين حكومة الاحتلال ، ومحاولة الإجابة على أسئلته المتعددة والملتبسة في بعض الأحيان ومنها : لماذا اختلف سلوك المقاومة في هذه الحالة عن سلوكها في حالات سابقة أخرى كحالة صفقة وفاء الأحرار الأولى ، ولماذا تأخر إنجاز التبادل بعد دخول العام السابع لإعلان المقاومة أسر الجندي شاؤول ؟ أو على الأقل لماذا تأخرت تفاعلات ومقدمات التبادل كالنقاش العام في اسرائيل وما يصحبه من مظاهرات واحتجاجات .
عند قراءة هذا الملف بعيون فلسطينية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن تسميته بخمسة منطلقات رئيسية ان صح التعبير، المنطلق الأول -الخطاب الإعلامي للمقاومة وتحديدا الخطابات الرسمية للناطق باسمها ( ابو عبيدة ) حول التبادل وتحديداً حول ما تمتلكه المقاومة من أوراق ، وهي خطابات تكتب بعناية عالية وتمثل مصداقية المقاومة ، هذا الخطاب يفيد بوضوح أن ما تمتلكه المقاومة من أوراق يسمح بعقد صفقة تبادل كبيرة ، وفي الخطاب الأخير لأبو عبيدة : صفقة لم يسبق لها مثيل .
أما المنطلق الثاني فهو منطلق يتوافق وينسجم مع الأول حيث تلقى الأسرى الفلسطينيون رسائل خاصة وموثوقة " وفق رأيهم وما رشح من التواصل معهم أو ما ثبت من أخبار في أوساطهم " وعوداً وتأكيدات بأن الخطاب الاعلامي حقيقي ويتوافق مع الواقع ، وليس مجرد حرباً نفسيةً مشروعةً تشنها المقاومة على عدوها المتغطرس ،وقد يعتبر هذا معطاً ثانٍ يؤكد النتيجة الواحدة وهو حتمية إجراء صفقة تبادل كبيرة ، نتيجة الأوراق القوية التي بحوزة المقاومة منذ حرب 2014 .
أما المنطلق الثالث فهو ما وصل من معلومات لدى كثير من "ثقات" قطاع غزة لحظة الأحداث وفي خضم معركة العصف المأكول ،وتحديداً في تموز وآب 2014 ، من أن المقاومة قد تمكنت وبشهادة بعض الشهود من أسر جنود أحياء أو جندي حيٌّ يرزق . وهي غالباً ما تكون أخبار سليمة لم تخضع كالعادة لمقص الرقابة العسكرية الواجبة في مثل هذه الحالات ، وهو منطلق ينسجم ويتوافق مع الأول والثاني .
أما المنطلق الرابع فهو تحليل منطقي أكثر منه معطىً واضح كالمنطلقات الثلاثة السابقة ، والذي يبدو للكثيرين متناقضا معها ، حيث يحاول هذا التحليل حلّ إشكالية عدم الإنجاز رغم طول المدة بافتراض أن ما لدى المقاومة من أوراق هو ضعيف ، لذا فهي تستخدم طول الوقت عن نية وقصد لرفع ثمن ما لديها من أوراق " النبيذ المعتق " ،ويركّز من يتبنى هذا التحليل على تساؤلات مثل : كيف لمن يمتلك كنزاً ثميناً أن لا يعرضه كما حصل في كل أو معظم حالات أسر الجنود السابقة كي يشكّل ضغطاً على متخذ القرار في حكومة الاحتلال ليجبره على إجراء صفقة تبادل ، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأسرى ووقف معاناتهم وقهرهم اليوميّ والمستمر منذ عشرات السنين ؟
المنطلق الخامس- وهو أيضاً كالرابع تحليل منطقي لكنه لا يتناقض مع المنطلقات الثلاثة الأولى ، بل يتوجه لحل إشكالية عدم إنجاز الصفقة رغم مرور أكثر من ستة سنوات على الأسر اعتماداً عليها أي على المنطلقات الثلاثة الأولى بأن هناك خللاً او تقديراً غير واقعي لدى بعض قادة المقاومة، بمعنى آخر فإن هذا التحليل أو المنطلق الخامس يؤكد ويعتمد على المنطلقات الأولى ويبني عليها استنتاجاته .
بناء على تلك المنطلقات الخمسة يمكن القول أن من غلبت عليه عناصر الثقة في قيادة المقاومة تميل الى المنطلق الخامس ، ومن غلبت عليها عناصر المنطق ( البسيط ) قد تميل في غالبيتها الى المنطلق الرابع ، وفي كل الأحوال فان المقاومة مطالبة من شعبها وجماهير محبيها ومن أسراها على وجه التحديد بتقديم إجابات شافية بهذا الصدد ، وخير البر عاجله .