حذر خبير فلسطيني بارز في هندسة المياه، من التداعيات "الكارثية المرعبة" التي سيتسبب بها سد النهضة الإثيوبي، على شواطئ فلسطين المحتلة، والتي من المرجح أن تدمر خلال سنوات قليلة.
الجرف الساحلي..
ذكر البروفيسور زاهر كحيل، المختص في هندسة المياه البحرية والموانئ، أن "كميات هائلة من مياه نهر النيل وقت إنشاء السد العالي، كانت تأتي محملة بالطمي والرمال والرسوبيات من إثيوبيا وعبر السودان إلى مصر وتستقر في البحر المتوسط، ومن ثم تواصل سيرها إلى سيناء ومن ثم العريش وصولا إلى سواحل فلسطين ولبنان".
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21": "مع وجود السد العالي قل هذا الأمر، ولكن عند فتح بوابات السد العالي للمحافظة على تدفق نهر النيل حتى مصبه في المتوسط، فما زالت هناك تغذية ولو جزئية من كميات الطمي والرمال، التي تفي بالغرض وتحافظ على بقاء الجرف الساحلي على طول شواطئ فلسطين المحتلة، والذي يسير أسفل مياه الشاطئ؛ بعرض ما بين 150 و200 متر داخل البحر".
ونوه كحيل، إلى أن هناك "تيارا؛ هو كنهر من الرسوبيات والرمال وغيرها، يتحرك بشكل مواز لشاطئ البحر المتوسط؛ يبدأ من بور سعيد ويصل إلى حيقا ورأس الناقورة ومن ثم إلى لبنان".
ونبه إلى أنه "مع وجود سد النهضة، فإن مستوى المياه بدأ بالانخفاض، ما سيوقف سنويا على أقل التقديرات تدفق 25 مليار متر مكعب من المياه نحو البحر المتوسط، وسيؤثر ذلك على تخزين وارتفاع منسوب النيل خلف السد العالي، فلا تفيض المياه من البوابات المعدة، وعليه فلن يكون هناك مياه تضخ برسوبيات على طول نهر النيل من أسوان وحتى البحر المتوسط".
انحسار الرسوبيات..
وقال: "لعدم وجود بديل، فإنها ستصبح التيارات البحرية ذات المستويات الثلاثة؛ حيث تتشكل من الرياح فوق البحر؛ والتي تكون أمواجا على سطح البحر وتيارا في الأسفل وفي قاع البحر، وبسرعة تيار بحري سفلي بمتوسط 1- 2 في المئة من سرعة الرياح، وبناء على معلومات تجميعية وميدانية، فإن 50 في المئة من هذه التيارات تتجه من الجنوبي الغربي لغزة إلى الشمال حتى لبنان"، لافتا إلى أن ما ذكر من أرقام هي "خلاصة قراءات علمية استمرت مدة 60 عاما على بحر غزة وأسدود".
*وبين أستاذ هندسة المياه ومدرس مساق هندسة الموانئ، ورئيس الفريق الفني لميناء غزة عام 1999، أنه "بعد القيام بمجموعة من الحسابات الهندسية والقراءات الميدانية، أظهرت النتائج، أن هناك نحو نصف مليون متر مكعب سنويا من الرسوبيات، تأتي من النيل وتمر عبر شاطئ بور سعيد وحتى العريش ومن ثم غزة ومنها إلى حيفا".
*ولفت إلى أنه "مع وجود سد النهضة وما يسببه من مشكلة في تدفق مياه نهر النيل الذي يحرك الرسوبيات، فستنعدم تلك الرسوبيات، وفي المقابل فإن الرياح والتيارات البحرية لن تقف، وعليه فسيتم تآكل نحو نصف مليون متر مكعب سنويا دون تغذية تعوض انجراف الرسوبيات؛ تبدأ من بور سعيد وحتى حيفا والرمال نحو لبنان شمالا".
والنتيجة المتوقعة لهذا "الواقع الكارثي"، أنه "سيبدأ مستوى شاطئ البحر بالتقلص تدريجيا نتيجة النحر المستمر، وعليه فمن المتوقع أن يصل الجرف إلى قرب الشوارع الموازية للشاطئ البحري؛ وهذا أثر مباشر لانحسار الرسوبيات والطمي مما تحمله المياه القادمة من إثيوبيا؛ نتيجة سد النهضة".
التآكل والدمار..
وعن القترة الزمنية المتوقعة لتآكل شاطئ البحر المقدر حاليا بنحو 150 مترا داخل البحر من اليابسة، فقد قال الخبير الفلسطيني: "في حال أقدمت إثيوبيا على ملء خزان سد النهضة كما يجري الحديث خلال 3 سنوات بكمية تقدر بـ 74 مليار متر مكعب، فسيكون التآكل والدمار سريعا جدا، وفي حال استمر ملء السد 7 سنوات فستوزع الأضرار على هذه الفترة، ولكن الضرر سيكون أقل قليلا، ولكن في النهاية ستقع الكارثة التي قد تدمر شاطئ فلسطين خلال 5 أعوام".
وتابع: "هذه منظومة مياه متصلة، في حال أوقفت أو قلت حركتها، ستبقى الرسوبيات بلا حركة، ولن تصل الكميات المطلوبة سنويا للحفاظ على شاطئ فلسطين من التآكل والنحر".
وحذر كحيل في حديثه لـ"عربي21"، من "مستقبل مرعب" على السودان، ومصر وفلسطين بسبب سد النهضة، بسبب "الآثار الكارثية المتعددة لسد النهضة؛ فمن المؤكد أن كهرباء السد العالي بمصر ستتأثر سلبا لعدم تدفق المياه بالقدر الكافي، كما أنه سيؤثر على الحياة والتنوع الحيوي والتوازن البيئي المهم جدا، والثروة السمكية ويرفع معدلات التلوث بشكل خطير".
وعن تردد بعض الأنباء والتقارير التي تشي بوقوف ودعم الاحتلال الإسرائيلي لإقامة مشروع سد النهضة، والتداعيات الخطرة سابقة الذكر، فقد بين المختص في هندسة المياه البحرية والموانئ، أن "لدى إسرائيل موازنة خطيرة جدا؛ أيهما أكثر نفعا؛ المحافظة على شواطئ فلسطين المحتلة وحماية دخول المياه عبر (Seawall) وبالتالي إلغاء الشاطئ، أو أن تحقق إسرائيل تطلعاتها الاستعمارية في إذلال وتركيع مصر والسودان، وتتحكم في كميات كبيرة جدا من الكهرباء المنتجة عبر سد النهضة؟".
وعبر الموازنة بين الأمرين، قدر كحيل أن "الأفضل بالنسبة لإسرائيل، أن تدير سد النهضة وتسيطر على الكهرباء التي سينتجها، وتعمل على إتلاف وإفقار مصر والسودان".