بقلم الأسير الباحث/ محمود شريتح
اليوم ( الثلاثاء ٢٠/١٢ / ٢٠٢٢) بدأ بشكل غير اعتيادي.. وإن كان التنبؤ به ممكناً.. حضر أحد ضباط مصلحة السجون باكراً... بينما كنا نحتضر للخروج إلى ساعة الرياضة... استدعى ممثل الأسرى وأبلغه بأن الأسير ناصر أبو حميد قد استشهد..
فضائية فلسطين -الفضائية الرسمية - وفضائية الأقصى وغيرها من محطات التلفزة والإذاعة فتحت موجات بث متواصل لتغطية الحدث ... تلاوين الطيف الفلسطيني كافة أسمعت الجماهير صوتها ... وعبرت عن موقفها... حّملت الاحتلال مسؤولية استشهاد الأسير أبو حميد..
كثيرٌ اولئك المتحدثين كان متحداً... متفاعلاً مع الحدث -أوعلى الأقل هكذا يظهر- الكل يحمل الكل مسؤولية التقصير بحق أبو حميد وغيره من الأسرى...
أنا شخصياً كنت متفاجئاً.. ليس من استشهاد ناصر... ولا من حضور الضابط باكراً ليخبرنا بالنبأ ...ولا من الموجات المفتوحة في الفضائيات والإذاعات... ولا من المتحدثين ومواقفهم... كل هذا لم يفاجئني... فاجأني هو شعور المتحدثين -على اختلاف مشاربهم– بالمفاجأة!! لقد فاجأهم نبؤ استشهاد ناصر- رحمه الله- !!
نعم... معهم حق ...فماذا يتوقع لشخص يعاني مرحلة متقدمة من سرطان الرئة، وبدأ الورم ينتشر في جسده؟!.. ماذا يتوقع لهذا الشخص وهو يعاني فوق مرضه الأسر؟! ماذا يُتوقع له وهو يعاني فوق المرض والأسر إهمال طبي؟! هل يمكن لهذا المريض الأسير المهمل أن يستشهد؟!..
بحق هذا الأمر مفاجئ لدرجة الصدمة التي بدأت في حديث المتحدثين طيلة هذا اليوم!!! وبالمناسبة معظم المتحدثين قد خبروا الأسر جيداً... وذاقوا آلامه وعذاباته... ويعلمون جيداً ما هو الدواء...
أيها السادة... أعذروا سلاطة لساني ...وحَّدة لغتي... ولكنكم وللأسف أصبحتم ظواهر صوتية ...أدركتم أن الكلام سلاح لا يستجلب دفع الثمن فأكثرتم منه ...أرحتم ضمائركم...أو ما تبقى منها... وأقنعتهم أنفسكم أنكم تفعلون الصواب ...وتقدمون ما استطعتم!!
أسمعكم في كثير من الليالي وأنتم تتلون على ضمائركم أو ما تبقى منها قوله الله تعالى "واعدوا لهم ما استطعتم" ثم تتسائلون ماذا نستطيع؟؟ هل نملك سلاحاً غير الكلمة؟! وتقنعون أنفسكم ستقع هذه الكلمة على آذن مصغية وتحولها إلى فعل!!.
الكل يحاول أن يهرب من المسؤولية... هذا يتسائل ماذا قدمت السلطة لإنهاء معاناة ناصر وإخوانه الأسرى؟! وذاك يرى أن المقاومة مقصرة ولا تقوم بواجبها اتجاه جنودها الذين تركوا لمصيرهم!! وأنت سيدي؟! ماذا فعلت؟! هل ستزلزل الأرض بتغريدة؟! أو بوست يحرق الأخضر واليابس ؟! أو تصريح أوتحليل يقلب الدنيا؟!
أيها السادة اعذرونا... لم نعد نحب سماعكم ... ولا نحب بكم أن تستمروا في إراقة ماء وجوهكم عبر الشاشات وأمواج الإذاعات ... وننصحكم عندما تسمعون نبأ استشهاد أحدنا وهذا لن يكون بعيداً على ما يبدوا أن تلتزموا الصمت... وأبقوا على ما تبقى لكم من احترام والتزموا الصمت ...ولا تعلقوا... ولا تتهربوا... ولا تحرضوا... ولا تتسائلوا ماذا فعلت هذه الجهة أو تلك... فقد لوذوا بصمتكم ... لا تعبروا عن المكم ...ولا تعبروا عن غضبكم لاتدّعوا التوجع ... فقد لوذوا بصمتكم...
ختاماً... عندما تستعيدون ذاكرتكم ...تتفطنون لهدفكم ... وتثورون على أنفسكم عندما تقررون أنكم قد شبعتم من هذه الدنيا ... وتكتشفون كم أخرتم... عندها ستدركون مسؤولياتكم ...عندما تشعرون أن الداعي قد عناكم عندما قال:
ماذا قيل من فتىً؟ خلت أنني دعيت فلم أقعد ولم أَتبلدِ.
عندما يصبح هم و تحريرنا هو همكم الشخصي... تنامون معه وتضيقون عليه... عندها ... ستجدون قلوبنا مفتوحة من جديد... تستعيدون فيها مكانتكم بل وستنبؤون فيها مكاناً عالياً.