اليوم (الثلاثاء ٢٠/١٢ / ٢٠٢٢) بدأ بشكل غير اعتيادي، وإن كان التنبؤ به ممكناً، حضر أحد ضباط مصلحة السجون باكراً؛ بينما كنا نتحضر للخروج إلى ساعة الرياضة، استدعى ممثل الأسرى وأبلغه بأن الأسير ناصر أبو حميد قد استشهد.
فضائية فلسطين -الفضائية الرسمية- وفضائية الأقصى وغيرها من محطات التلفزة والإذاعة، فتحت موجات بث متواصل لتغطية الحدث، تلاوين الطيف الفلسطيني كافة أسمعت الجماهير صوتها، وعبرت عن موقفها، حمّلت الاحتلال مسؤولية استشهاد الأسير أبو حميد.
كل أولئك المتحدثين كانوا محتدين، متفاعلين مع الحدث -أو على الأقل هكذا ظهروا- الكل يحمّل الكل مسؤولية التقصير بحق أبو حميد وغيره من الأسرى.
أنا شخصياً كنت متفاجئاً، ليس من استشهاد ناصر، ولا من حضور الضابط باكراً ليخبرنا بالنبأ، ولا من الموجات المفتوحة في الفضائيات والإذاعات، ولا من المتحدثين ومواقفهم، كل هذا لم يفاجئني؛ ما فاجأني هو شعور المتحدثين -على اختلاف مشاربهم- بالمفاجأة!! لقد فاجأهم نبأ استشهاد ناصر -رحمه الله-!!.
نعم، معهم حق، فماذا يتوقع لشخص يعاني مرحلة متقدمة من سرطان الرئة، وبدأ الورم ينتشر في جسده؟!، ماذا يتوقع لهذا الشخص وهو يعاني فوق مرضه الأسر؟! ماذا يُتوقع له وهو يعاني فوق المرض والأسر إهمال طبي؟! هل يمكن لهذا المريض الأسير المُهمَل أن يستشهد؟!
بحق هذا الأمر مفاجئ لدرجة الصدمة التي بدأت في حديث المتحدثين طيلة هذا اليوم! وبالمناسبة معظم المتحدثين قد خبروا الأسر جيداً، وذاقوا آلامه وعذاباته، ويعلمون جيداً ما هو الدواء.
أيها السادة، أعذروا سلاطة لساني، وحدَّة لغتي، ولكنكم وللأسف أصبحتم ظواهر صوتية، أدركتم أن الكلام سلاح لا يستجلب دفع الثمن فأكثرتم منه، أرحتم ضمائركم، أو ما تبقى منها، وأقنعتم أنفسكم أنكم تفعلون الصواب، وتقدمون ما استطعتم.
أسمعكم في كثير من الليالي وأنتم تتلون على ضمائركم -أو ما تبقى منها- قوله الله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم" ثم تتساءلون ماذا نستطيع؟؟
هل نملك سلاحاً غير الكلمة؟! وتقنعوا أنفسكم ستقع هذه الكلمة على أذن مصغية وتحولها إلى فعل!!.
الكل يحاول أن يتهرب من المسؤولية، هذا يتساءل ماذا قدمت السلطة لإنهاء معاناة ناصر وإخوانه الأسرى؟! وذاك يرى أن المقاومة مقصرة ولا تقوم بواجبها اتجاه جنودها الذين تركوا لمصيرهم!!
وأنت سيدي؟! ماذا فعلت؟! هل ستزلزل الأرض بتغريدة؟! أو بوست يحرق الأخضر واليابس؟! أو تصريح أو تحليل يقلب الدنيا؟!.
أيها السادة أعذرونا، لم نعد نحب سماعكم، ولا نحب لكم أن تستمروا في إراقة ماء وجوهكم عبر الشاشات وأمواج الإذاعات، وننصحكم عندما تسمعون نبأ استشهاد أحدنا -وهذا لن يكون بعيداً على ما يبدو- أن تلزموا الصمت، وأبقوا على ما تبقى لكم من احترام والتزموا الصمت، ولا تعلقوا، ولا تتهربوا، ولا تحرضوا، ولا تتساءلوا ماذا فعلت هذه الجهة أو تلك؟!
فقط لوذوا بصمتكم، لا تعبروا عن ألمكم، ولا تعبروا عن غضبكم لاتدّعوا التوجع، فقط لوذوا بصمتكم!
ختاماً، عندما تستعيدون ذاكرتكم، تتفطنون لهدفكم، وتثورون على أنفسكم عندما تقررون أنكم قد شبعتم من هذه الدنيا، وتكتشفون كم أخرتم، عندها ستدركون مسؤولياتكم، عندما تشعرون أن الداعي قد عناكم عندما قال:
إذا قيل من فتىً؟ خلت أنني دعيت فلم أقعد ولم أَتبلدِ.
عندما يصبح هم تحريرنا هو همكم الشخصي، تنامون معه، وتشعرون به، ويصبح همكم الأول، عندها؛ ستجدون قلوبنا مفتوحة من جديد، تستعيدون فيها مكانتكم بل وستتبوؤن فيها مكاناً عالياً.