مع استمرار أزمة الدولار في العراق وتراجع سعر العملة المحلية، تظاهر مئات العراقيين، الأربعاء، أمام مقر البنك المركزي في بغداد، التي يرون أنها مسؤولة عما حدث، مطالبين بخفض سعر الدولار.
وتداول الدولار الأمريكي عند مستويات سعرية تصل إلى 1600 دينار، رغم أن البنك المركزي حدد سعره في حدود 1460 دينارا.
وتزامن تراجع قيمة العملة العراقية مع فرض ضوابط جديدة على التحويلات المالية، ومنع بعض البنوك من المشاركة في مزادات العملة.
وافق بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك على ضوابط أكثر صرامة، على المعاملات الدولية بالدولار للبنوك التجارية العراقية في تشرين الثاني (نوفمبر).
وقالت رويترز في تقرير يوم الأربعاء: إن "مجمل الإجراءات المتخذة المتعلقة بالدولار، تهدف إلى وقف تهريب العملات الأجنبية إلى إيران".
كيف يتم تهريب الدولار من العراق؟
شرح أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية عبد الرحمن نجم المشهداني، في مقابلة مع موقع "الحرة" الإخباري أساليب "تهريب العملات الأجنبية من العراق"، موضخا أن أكثرها شيوعاً السيناريو مرتبط بـ "استيراد البضائع من إيران والدول المجاورة، بفواتير معاملات مقابل سلع وهمية، أو بفواتير مزيفة يتم فيها تضخيم الأسعار بشكل كبير".
وأضاف:"بعض التجار والمستوردين يخفون أسمائهم في تعاملاتهم التجارية، حتى لا تظهر في قوائم "البنك المركزي أو الضرائب والجمارك"، وبعضهم ليس لديه شهادة مستورد تسمح لهم بالتبادلات التجارية.
وأشار المشهداني إلى أنه بعد الإجراءات التي فرضها البنك المركزي لمراقبة مصادر الحوالات سواء المورد أو العميل، والتحقق من "شحن البضائع ووصولها إلى العراق"، دفع التجار والناشطون إلى تهريب العملات المعدنية، أو اللجوء إلى سوق المال لتهريب "الدولارات النقدية" لهم، وهذا هو السيناريو الأكثر نشاطا هذه الأيام.
وأوضح المشهداني أن هناك من يشترون "الدولارات نقدا" من السوق العراقية، "بحيث يمكن نقلها عبر المعابر الحدودية لتهريبها إلى دول الجوار مثل إيران وتركيا وسوريا".
تحتاج إيران إلى عملة الدولار من أجل استقرار اقتصادها المتدهور، الذي تأثر بشدة بالعقوبات الأمريكية المفروضة منذ عام 2018، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من اتفاق طهران النووي، مع القوى الست في العالم.
فقدت العملة الإيرانية المتقلبة نحو 30٪ من قيمتها، منذ الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد في أعقاب وفاة الكردية الإيرانية، محساء أميني، البالغة من العمر 22 عامًا، في 16 سبتمبر، مما زاد من عزلة البلاد.
استخدمت المؤسسة البيروقراطية الإيرانية لسنوات شركات "واجهة" من العراق إلى تركيا، للحصول على الدولارات التي تحتاجها للمعاملات الدولية، وتمويل ممثليها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأوضح عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي جمال كوجار، أن تهريب العملات الأجنبية من العراق لا يقتصر فقط على نقلها إلى إيران، حيث يتم تهريبها إلى "سوريا ولبنان وتركيا واليمن وأحياناً إلى بعض دول أوروبية"، مؤكدا أن ذلك يعتمد على التاجر الذي يقوم بعملية التهرب.
وشرح كوجار آليات تهريب الدولار، الذي يتم بثلاث طرق:
الأول: من خلال "التحويلات التي تتم عن طريق البنوك، وبعضها يتم من خلال فواتير مزورة وبتكاليف باهظة لأسعار السلع".
أما الطريقة الثانية: فتتمحور حول ما وصفه بـ "الحوالات السوداء" التي تتم على غرار الطريقة الأولى، ولكن تتم عملية التحويل من خلال محلات الصرافة المنتشرة في عدة مناطق.
والطريقة الثالثة: هي التهريب النقدي المباشر، بحيث يتم تحويل الأموال مباشرة عبر المنافذ العراقية، مما يشير إلى أن بعض المعابر الحدودية تخضع لسيطرة جهات وقوى سياسية، تسمح بمرور السيارات الخاصة التي قد تحمل "أموالاً"، يتجاوز ما هو مسموح وفق الأنظمة العراقية التي تمنع حمل أكثر من عشرة آلاف دولار مع الناس عند عبور الحدود، أو تحويل النقود مباشرة عبر الطائرات التي تهبط في بغداد، ثم التوجه إلى دول الجوار دون فحص".
ويؤكد كوجار، أنه "لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الأموال المهربة خارج العراق"، مبينا أن هناك "حلقة مفقودة داخل المؤسسات الرسمية" تحتاج إلى تتبع التحويلات المالية.
وأضاف: "البنك المركزي استلم فواتير الاستيراد دون تدقيقها، وكان المعبر الحدودي يستقبل البضائع دون تدقيقها"، بينما كان من الأجدى أن يكون هناك قسم خاص في وزارة الداخلية، "يقوم بتصفية هذه الفواتير، وأوقفوا المزيفة".
ويقدر أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية المشهداني، حجم تهريب العملات الدولارية بـ "10 إلى 15 مليار دولار سنويا"، بحسب قيمة مزادات العملة التي بلغت نحو 45 مليار دولار في عام 2021، في حين أن العراق بلغ متوسط الواردات 35 مليار دولار.
وذكّر بما كشفت عنه البيانات الرسمية، مشيرة إلى أن العراق استورد "طماطم بقيمة نحو 4.25 مليار دولار، وبطيخ بقيمة نحو 1.78 مليار دولار من إيران، خلال العام الذي سبق وباء كورونا".