بقلم الأسير:
ياسين البكري
أنا لا أكره الناس ولا أعتدي على أحد، ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي... حذاري... حذاري ... حذاري من جوعي ومن غضبي
(الشاعر محمود درويش)
خرج بن غفير بتصريحه قبل يومين مهددًا بوقف الخبز عن الأسرى السياسيين (الأمنيين) بحجة أن الأسرى يخبزون بشكل ذاتي الخبز الطازج وبشكل يومي، هذا ما اعتبره امتياز وترفيه لا يستحقونه بدون أن يقترح البديل.
تغذت الحملة الانتخابية لليمين المتطرف على عداء العرب وضمن برنامجها الانتخابي، وعدت جماهيرها بفرض الحوكمة على كافة فلسطين التاريخية والتضييق الأسرى وغيرها من الشعارات... وقد أفرزت الانتخابات ما أفرزت من حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخها في مركباتها من العقائديين، الذين من الصعب عليهم تكرار ما حصل مع من سبقهم، كأمثال: نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان، والمعضلة تكمن عندما يصطدم الخطاب الشعبوي في الواقع الحقيقي، عندها يكون أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول:
التراجع عن تنفيذ ما وعدوا به جمهور ناخبيهم، وبالتالي فهو الانتحار السياسي حالهم كحال من سبقهم، وهذا بتقديري غير وارد.
الثاني:
المضي قدمًا في الخطة، لعل وعسى يستطيع تطبيق طموحاته، فبحال نجاحه تتضاعف شعبيته، وبحال فشله؛ تفقده كل شيء، وبعبارة أخرى "الكل أو لا شيء".
المنطقة كلها ترزخ على صفيح ساخن ينذر بالانفجار في أي لحظة، لا يدري أحد أين ستكون، هل تكون في الخان الأحمر أم الشيخ جراح أم بغير مكان؟ لا يهم ما دامت من شأنها أن تشعل المنطقة برمتها، بحيث لو قورنت كأحداث سيف القدس قبل سنتين؛ ستكون عبارة عن نزهة بجانبها.
مطالبة الحكومة من محكمة العدل العليا تأجيل تنفيذ قرار إخلاء الخان الأحمر لأربع شهور قادمة مؤشر قوي على تخوف السلطات من الانفجار الوشيك وخصوصًا أن هنالك مخاطر أخرى تلوح في الأفق: كالملف الإيراني، والضغوطات الهائلة التي يمارسها البيت الأبيض وحلفاؤه في المنطقة على الكيان؛ لعدم انجراره لمعارك جانبية، ويظهر أن الواقعية السياسية لم تقفز حتى عن بن غفير وسموتريتش وحتمت عليهم بالتعامل ببعض المرونة، وتأجيل الملفات الساخنة لصالح الملفات الأكثر سخونة، واعتقد –بن غفير- واهمًا أن الأسرى هم الحلقة الأضعف في المعادلة، ومن الممكن الاستفراد بهم، غير منصت لتوصيات الأجهزة الأمنية، ومتناسيًا أن غالبية المعارك التي اندلعت خلال العقدين الأخيرين كانت بسبب الأسرى أو لأجلهم، ونداء (وا مقاومتاه) من إحدى الأسيرات، والرد السريع على إثرها؛ جاء ليؤكد بأن الأسرى ليسوا باللقمة السائغة.
القضية ليست قضية خبز على الرغم من أهميته، وكما قال السيد المسيح: (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) فالأسرى لن يسمحوا بالمساس بإنجازاتهم بأي شكل من الأشكال، كما لن يتخلوا عن مسؤوليتهم وطليعة العمل الوطني حتى لو شعروا بالخُذلان من أبناء شعبهم وفصائله على تركهم لعشرات السنوات داخل غياهب السجون، وهي أيضًا فحوى (صرخة الأسيرة التي ربما من المريح للجميع تجاهلها) لا لمكاسب شخصية، وإنما لانتزاع الحرية وتحقيق الكرامة لكافة أبناء شعبنا.
أما بن غفير وأمثاله، ممن أصابهم جنون العظمة والمعزولين عن الواقع، تمتلئ بهم صفحات التاريخ.
يروى عن مارية أنطوانيت التي حكمت فرنسا لفترة من الزمن أنها بطشت بشعبها وجوّعته من على قصرها العاجي، جاءها في أحد الأيام أحد مستشاريها يحذرها من أن الشعب ليس لديه الخبز للأكل، وكان ردها: إن لم يكن لديهم الخبز؛ فليأكلوا البسكوت، وكانت النتيجة أن هبّت الثورة الفرنسية 1789، ولكنها لم تأكل الخبز ولا البسكوت؛ بل أكلت الأخضر واليابس، ولم ترض بأقل من (الحرية).