بقلم المستشار/
أسامة سعد
الإصرار الصـهـيوني للجماعات اليهودية المتطرفة لذبح قرابين حيوانية في المسجد الأقـصى أخذ في الآونة الأخيرة بعداً إعلامياً متصاعداً، وكان هناك مبالغة في تسليط الضوء على هذا الطقس اليهودي البائد الذي أصدر عددًا من الحاخامات اليهودية فتوى بأن هذا الطقس لم يعد مطلوباً من اليهود بعد اندثار الهيكل، ولكن إصرار الجماعات اليهودية المتطرفة على إحيائه والعمل به على اعتبار أن إعادة العمل بهذا الطقس اليهودي يعد إحياءً معنوياً للهيكل باعتبار المكان الذي سيذبح فيه القربان وهو قبة "باب السلسلة" هو ذاته المكان الذي كان يوجد فيه المذبح اليهودي في الهيكل المندثر.
الحالة التي تجري في المسجد الأöـصى اليوم يتجلى فيها الصراع الديني في أبشع صوره خصوصاً مع إقدام الجيش الصـهـيوني المتكرر على عمليات القمع الوحشي ضد المعتكفين الأمنيين ومنعهم من ممارسة هذه الشعيرة الدينية العظيمة التي تؤدى في المسجد الأقـصى منذ أن فتح المسلمون فلسطين، في اعتقادي أن التعامل مع الممارسات اليهودية المتطرفة بالطريقة الحالية فيها انجرار خلف السياقات الدينية لهذه الجماعات لدرجة وصلت إلى الإعلان بأن النقطة الحاسمة في هذا الصراع الديني هي تمكن الجماعات المتطرفة من ذبح القرابين في الأöـصى بعدِّها الخط الأحمر، وكأن القرابين لو ذبحت فإن المسجد الأقـصى قد ضاع من يد المسلمين وتم تهويده، وهذا هو الخطأ الذي يمكن أن نقع فيه نحن الفلسطينيين، وأقصد هنا أن مسألة الاعتياد على وضع خطوط حمراء يسهل انتهاكها لكونها ليست إعجازية بل ليست صعبة بالنسبة للعـ.ـدو، وفي السياق ذاته يصور الأمر منا على أنه أمر جلل عظيم، فإذا ما انتهك "هذا الخط الأحمر" أسقط في يد شعبنا وبدا الأمر أنه انتصار للعـ.ـدو وتحقيق إنجاز للجماعات الصـهـيونية المتطرفة، أقصد من ذلك القول بأن التعامل بهذه الطريقة مع قضية مقدسة مثل المسجد الأقـصى ليست هي الطريقة الأصح أو الأسلم، فعملية ذبح القرابين التي عددناها خطًّا أحمر قد تتم في لحظة إذا ما قرر شرطي صـهـيوني بضوء أخضر من قادته السماح لأحد أعضاء هذه الجماعات أن يمارس طقسه بالذبح، وعندها سيشعر شعبنا أن الجماعات المتطرفة قد حققت مرادها، وأن المسجد هُوِّد وخسرنا معركتنا في الأقـصى، وهذا هو عين الخطأ، والأصل أن تكون المعركة معركة على الأصل وليس الفرع.
ليست قضيتنا قضية ذبح قرابين، ولكنها إسـ،ـلامية المسجد الأöـصى الخالصة، فلو تمكنوا من ذبح ألف قربان فلن يغير ذلك من حقيقة أو بقاء المسجد الأöـصى إسـ،ـلامياً خالصاً، ولا يعني ذلك أبداً أن نغض الطرف أو نسمح لهم بأن يذبحوا قرابينهم، لكن من الخطأ أن نعد أن ذبح القرابين هو الخط الأحمر ونقطة الحسم من قبلهم التي سيضخمونها إذا تمت -معاذ الله- رغم أنها ممكن أن تحدث -ببساطة- وتصويرها على أنها النقطة الحاسمة في المعركة على إسـ،ـلامية المسجد الأقـصى.
الأمر الآخر الذي لا أفهم مغزاه هو استمرار البعض في ترديد عبارة الوصاية الهاشمية على المسجد الأقـصى، تلك الوصاية التي أنا شخصياً لا أعرف كيف وجدت، ومن الذي فوض بهذه الوصاية، وما هي آثارها على المسجد الأقـصى، وهل المسجد الأقـصى بحاجة إلى وصاية في ظل الرباط والاعتكاف من قبل المصلين الفلسطينيين الذين يدافعون على الأöـصى بالدم والجهد والعرق والمال ويقدمون كل ما يمكن أن يقدم في سبيل قضية عقائدية وطنية؟ في ظل هذه التضحية العظيمة من أجل الأöـصى لا يمكن أن نسلم بوصاية إلا لمن يدفع دمه من أجل الحفاظ على إسـ،ـلامية الأöـصى فأوصياء المسجد الأقـصى هم حراسه الحقيقيون المرابطون والمرابطات الذين لا يزالون على عهدهم مع الأقـصى برغم الدم والقيد والسجن والترهيب.
أوصياء الأöـصى هم الشـهــداء أمثال التميمي وعلقم والنابلسي وغيرهم.. ولا حاجة لنا بوصاية تفرض على الأقـصى وتفرض على شعبنا وتكتب عناوينها في قمم أمنية مثل النقب وشرم الشيخ، شعبنا هو الوصي الأول والأخير على المسجد الأöـصى والشعوب العربية والإسـ،ـلامية من بعد ذلك ظهيراً أميناً إلى أن يحرر الأقـصى من دنس الاحتلال.
لن أستغرب أن تكون اقتحامات المتطرفين للمسجد الأöـصى لفرض التقسيم الزماني والمكاني تتم "بتفهم" من بعض القيادات العربية، خصوصاً تلك التي تؤمن بالديانة الإبراهيمية التي تجمع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسـ،ـلامية، فكيف لمن آمن بهذه الديانة أن يرفض صلاة المتطرفين اليهود في الأقـصى وهو يدعو لذلك أصلاً ويمارسه عملياً بإقامة مجمعات دينية تضم الديانات الثلاث؟.
ولذلك ستبقى معركة الأقـصى هي معركة عقائدية وطنية للشعب الفلسطيني، ولن يغير حقيقة إسـ،ـلامية وعروبة الأقـصى ممارسة طقوس خرافية أو ذبح قرابين أو حتى صمت وإن شئت تواطؤ عربي.
غزة في 6/4/2023م