يؤكد التحقيق الصحفي المتميز لليهودية الصهيونية من أصل أرجنتيني، إيلانا ديان، في القناة الـ12 أمس، ما أصبح نهجاً استراتيجياً مستمراً، ولا يبدو بأنه سيتغير في المستقبل القريب، لدى كتائب عز الدين القسام في سعيها لاستنقاذ أسرى الشعب الفلسطيني، وعلى رأسهم أسرى القسام، ومنهم مؤسسو الكتائب في الضفة الغربية كمعاذ وعثمان بلال، ومحمود وعبد الناصر عيسى، والمعتقلون في زنازين الاحتلال منذ بداية أواسط التسعينات من القرن الماضي.
ما هو هذا النهج؟ هو استخدام كتائب القسام -وتحديداً في قطاع غزة- لاستراتيجية الانتظار، أي انتظار فرصة دخول العدو لأراضي القطاع، أو بدأ العدو بتصعيد أمني وعدوان ضد القطاع من أجل محاولة أسر جنود، وهذا بخلاف استراتيجية الاقتحام و المبادأة "ادخلوا عليهم الباب".
أظهر تحقيق القناة الـ12 بأن كتائب القسام حاولت وفي العديد من المناسبات أثناء حرب 2014، القيام بما يمكن تسميته بمبادرات تكتيكية باسلة لأسر الجنود، وقد استطاعت قوات الاحتلال إحباط هذه المبادرات من خلال تشغيل "إجراءات هانيبعل" التدميرية والتي تقضي بتدمير الجندي أو الجنود الإسرائيليين ومعهم آسريهم من المقاومة "فالموت أرحم من أسر الجنود" لدى عقيدة قادة أمن الاحتلال، في تناقض واضح مع ادعاءات "قيمة الجندي" قيمة الإنسان في مجتمع الاحتلال المعسكر.
الأمر الذي أدى لطرح تساؤلات جدية حول مدى فعالية استراتيجية الانتظار القسامية لاستنقاذ الأسرى الذين أوشك بعضهم على الموت داخل السجن، وناصر أبو حميد مثال.
يمكن القول بأن استخدام تكتيكيات المبادرة ضمن استراتيجية الانتظار ودون تناقض أو تعارض هو استخدام غير مجدي في ظل استراتيجية الاقتحام الصهيوني، وهذا ما أظهرته تجربة حرب 2014 على الأقل وفقاً لتحقيق القناة الـ 12، ووفقًا لما توفر من معلومات وتصريحات لقادة في المقاومة، وهذا يعني بالضرورة، ووفقاً لمفهوم المخالفة بأنه لا يمكن تحقيق أهداف المقاومة بإطلاق الأسرى دون مبادأة واقتحام الاستراتيجي، أضف لهذا بعداً إنسانياً مهماً وهو أن الانتظار بالنسبة للأسرى منذ عقود هو الموت بعينه.
لماذا تصر كتائب القسام على هذه الاستراتيجية غير الفعّالة؟ إجابات محتملة ومتعددة على هذا التساؤل، ومن أهمها بأن استراتيجية الانتظار هي الاستراتيجية الوحيدة المتوفرة حالياً ومنذ سنوات، وقد تستمر لدى كتائب القسام وذلك في ظل حسابات غير دقيقة، والوقوع في أسر أفكار ورؤى خاطئة رغم مضي السنوات وحصول العديد من التطورات، قد يتعلق هذا أيضاً لحالة أو وضع "رادع و مردوع" السائد حالياً بين الاحتلال والمقاومة ولكن حدثت تطورات.
وإن التطور الأبرز في الأشهر والأسابيع الأخيرة هو تنامي قوة وتماسك محور المقاومة كما برز جلياً في وحدة الساحات للدفاع عن الأقصى في رمضان؛ فمظاهرات الداخل وعمليات الضفة القاتلة، إضافة لصواريخ غزة وسوريا ولبنان المرعبة أظهرت تآكلًا في قوة الردع الإسرائيلي، وتزايدًا في ثقة المقاومة وتوجهها نحو المبادأة والاقتحام الاستراتيجي، فهل يصح هذا أيضاً بالنسبة لموضوع الأسرى؟ أي اقتحام بدلاً من الانتظار لزيادة الغلة وامتلاك أوارق لتحرير الأسرى؟
على كل حال وإن تغيرت الاستراتيجيات والتكتيكات، فإن هذا مفيد وضروري لأجيال الأسرى القادمة، أو التي بدأت حديثاً، أما الأسرى منذ العام 85 و95 فقد وقع بحقهم "ظلم استراتيجي" إن صح التعبير، أو ما يمكن تسميته بإهمال وطني صارخ، لا يمكن تعويضه إلا بفضل الله وأحكام الآخرة.