تتحكم حسابات المصالح والمفاسد وفقه الموازنات والأولويات بعلاقات حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين مع الدول المختلفة، وذلك دون المساس بالمبادئ الأخلاقية والعقائدية المتفق عليها في الإسلام أو في الاجتهاد السياسي للحركة، وهذا لا يمنع وجود أو وقوع اختلافات في تقدير المصالح والمفاسد أو حتى خلافات في تقدير ما هي المبادئ الأخلاقية والعقائدية المتعلقة بتوجيه السياسات الخارجية للحركة الإسلامية؛ لذا فإن من يحسم مثل هكذا أمور، هو مجلس الشورى والخبراء الموثوقين والمؤتمنين والمجربين على مدار سنوات طوال.
ومع أن الغالبية الساحقة من أبناء وأنصار المقاومة يؤمنون بالقاعدة السياسية الشرعية السابقة؛ إلا أن خلافات وقعت وتقع وستقع عند الحديث عن حالات بعينها، أو عند التطبيق على أرض الواقع، وأبرز تلك الحالات هي علاقة حركة المقاومة الإسلامية حماس مع إيران ومع حزب الله، وتحديدًا على خلفية الموقف من ثورة الشعب السوري، وأشدّ من ذلك الخلاف حول إعادة علاقات المقاومة مع نظام بشار الأسد.
إن التناقض الواضح في حالة العلاقة مع نظام بشار الأسد، قد تسبب بإشكالية حقيقية لدى قيادة وأنصار المقاومة الإسلامية في فلسطين، حيث ظهر التناقض بين المشاعر والعواطف المتضامنة مع الإخوة السوريين الذي حاولوا أن يغيروا واقعهم نحو الحرية والكرامة والديموقراطية، ولكن تكالبت عليهم قوى دولية وإقليمية وموقف حاد وقمعي من النظام، فأحبط ثورتهم الصادقة، وبين مصالح حقيقية لمقاومة الشعب الفلسطيني المحاصرة والملاحقة على نطاق واسع، مما عرّض هذه المقاومة لمخاطر كبيرة جدًا على وجودها وقدرتها على مواجهة عدوان الاحتلال وممارساته الحاقدة ضد الأقصى والقدس والأرض والإنسان في فلسطين، الأمر الذي استدعى في نهاية المطاف لاتخاذ قيادة المقاومة قرارًا بإعادة وتعزيز العلاقات مع نظام بشار الأسد، كجزء من استراتيجية وحدة الساحات، ومحور المقاومة ضد الاحتلال، كما ظهر في صد العدوان في عيد الفصح في رمضان.
هل تقدير قيادة الحركة الإسلامية المقاومة في فلسطين لمدى الخطر الذي تتعرض له لو لم تعزز علاقاتها مع محور القدس/المقاومة، بما فيه نظام بشار الأسد، هو تقدير معقول أم مبالغ فيه، أو غير ذلك؟
وهل تقدير قيادة المقاومة لمدى المصالح المتحققة من عودة العلاقات مع النظام السوري، هو تقدير واقعي أم غير ذلك؟
الإجابات على هذه الأسئلة هي أيضًا اجتهادية وتقديرية وتحتمل الوجهين، ولكن ما يحسم أو ما حسم، أو ما يجب أن يحسم فهو قرار الشورى المحترم في كل الأحوال، حيث العلاقة مع نظام بشار الأسد لا تدخل -وعلى الأقل وفقًا لجمهور العلماء- في باب العقيدة؛ بل تحت باب السياسة الشرعية، وهذا هو المنطق والمعقول، وليس بالضرورة المقبول من الناحية العاطفية وناحية المشاعر.
هل من الممكن أن يقوم بعض قادة المقاومة بالمبالغة او حتى التجاوز في خطابهم السياسي والإعلامي المؤيد والمعزِزِ لمحور المقاومة/القدس، وذلك من خلال كيل المدائح لرموز من هذا المحور، كانت قد حفرت في الذاكرة الجماعية لجماهير الأمة وجماهير المقاومة، على أنها شخصيات قمعية وإجرامية ضد شعوبها أو شعوب المنطقة؟
هل المبالغة والتجاوز ممكن؟
للأسف هذا ممكن ،خاصة بأن قادة المقاومة هم في الغالب أناس مجاهدون ينظرون للعالم أحيانًا من فوهة البندقية، أو وفقًا لبوصلة المسجد الأقصى، أو لأسباب أخرى، فهم ليسوا دهاة في السياسة والدبلوماسية، على كل ما يعنيه هذا الأمر من إيجابيات وسلبيات، ولكن ميزتهم أنهم مخلصون صادقون وهم يتعلمون أيضًا، ويتقدمون ويقودون الدفة عمومًا بالاتجاه الصحيح.
هل من المعقول أن يتعرض مثل هؤلاء القادة لسيل من الانتقادات الجارحة والمسيئة؟ خاصة من قبل نخب إسلامية من هنا أو هناك؟
بالطبع ليس معقولًا ولا مقبولًا، ولكن هل ممكن أن يتعرضوا لمثل هذه الهجمات من قبل السفهاء ومرضى النفوس أو ( ممن في قلوبهم مرض) أو حتى من بعض جنود الأجهزة الأمنية المشبوهة بالمنطقة؟ بالتأكيد هذا ممكن، والمؤمن والعاقل يستطيع التمييز بين الأمور.
فماذا يفعل عقلاء الناقدين؟ هل يسكتوا؟ أم يبرروا كل ما تفعله القيادة؟
الجواب واضح، فالنصيحة واجبة وضرورية ولكن على أصولها، ومثل هكذا سقطات أو اخطاء لا تفسد للود والمواثيق العادلة قضية، ولكن إن تكرر الخطأ أو لم يتم الاستماع للنصيحة أو النقد الداخلي الذي يعتبره صاحبه حقًا لا محالة، فما العمل؟ عليه أن يكرر النقد والنصيحة وبأساليب أخرى أشد ولكن في إطار المقبول شرعًا وعقلًا، ووفقاً لأصول النقد الهادىء والبناء دونما تجريح أو تشويه ويشمل ذلك النقد العلني الجاد ولا ينبغي لصاحب الرأي أن ييأس إلا بالحوار والقناعة.\
وفي كل الأحوال فإن من الطبيعي أن يتعرض الخطاب السياسي للمقاومة أو خطابات وسلوكيات قادة المقاومة للنقد العلني والبناء، وإن أخطأوا بالتأكيد وحتى إن اجتهدوا بما لا يمكن الإجماع عليه، فالانتقادات العلنية مرتبطة عضوياً بالعمل السياسي العام، والمطالبة هنا في هذا المقال هي أن بكون النقد جدياً وملتزماً بأصول وآداب النقد، بحيث لا يتم السماح لأعداء الحق والحقيقة، أو على الأقل لأعداء المقاومة باختراق صفوف الصالحين المتماسكة رغم الحصار والملاحقة.
ومن جهة أخرى فإن من المهم والضروري أن يتمتع قادة المقاومة الشرفاء بأكبر قدر من من الوعي والحساسية، خاصة في مواضيع شائكة ومعقدة وحساسة لدى جماهير المقاومة بشكل خاص وجماهير الأمة بشكل عام، ويشمل ذلك وضع محددات مناسبة، وخاصة في قضية العلاقة مع النظام السوري وأجزاء مهمة من المحور الإيراني.
ختامًا، من المناسب الإشارة إلى أن كاتب هذه السطور يعلم بالمعلومات، قبل أن يدرك بالمقدمات والتجربة والاستنتاجات بأن كل ما تم ذكره في هذا المقال، هو أمر مقبول ويتبناه قادة المقاومة، والمدافعين عن شرف الأمة، وعن أقدس مقدساتها وهو المسجد الأقصى المبارك، ومنهم وعلى رأسهم القائد الكبير أبو إبراهيم السنوار.