غال بيرجر
شبكة كان
ترجمة حضارات
بعد أسبوع آخر من قيام المبعوث القطري بجلب الهدوء للجنوب على شكل حقائب من الدولارات، يُطرح السؤال حول سبب الاهتمام القطري بهذا الاستثمار.
تواجه قطر دعاوى قضائية في الولايات المتحدة بشأن تورطها في الإرهاب وسوء العلاقات مع جيرانها، وتأمل أن تتوسط إسرائيل بينها وبين واشنطن وحتى أبو ظبي .
منذ ما يقارب من عقد من الزمان، وقطر تواصل ضخ الأموال في قطاع غزة. تدفقت الأموال بكثافة أكبر بعد عملية "عمود السحاب" في عام 2012 عندما جاء أمير قطر السابق لزيارة القطاع مع زوجته الشيخة موزة. لقد بدأ باستثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية والإسكان، وعلى مدى العامين الماضيين، وغزة لها نصيبها في كشوفات رواتب الامارة الخليجية.
كل شهر تقوم قطر بإرسال الأموال، لشراء الوقود الإسرائيلي الذي يتم نقله إلى غزة لتغذية محطة توليد الكهرباء في القطاع، وكذلك لدعم أجهزة حماس الحكومية والمدنية.
قطر التي تدعم حركة الإخوان المسلمين العالمية، جعلت لنفسها مستوطنة في قطاع غزة التي يسيطر عليها ممثلو الإخوان المسلمون في الساحة الفلسطينية ألا وهي حماس. جعلت قطر لنفسها مكانة ونفوذ. لقد أصبحت رافعة ضغط على حماس وجسرا ذا اتجاهين لنقل الرسائل بين إسرائيل والمنظمة. وبذلك اكتسبت مكانة وتأثير .
في نوفمبر 2018، وبعد ثمانية أشهر من انطلاق مظاهرات الجدار (مسيرات العودة) والتي نظمتها حماس في غزة، أحضر المبعوث القطري معه لأول مرة حقائب الملايين إلى القطاع ثم تم تصويره أمام الكاميرا وهو يهمس في أذن نائب زعيم حماس هناك: "نريد الهدوء".
صاحب المئة هو صاحب الرأي
تشير التقديرات إلى أن قطر تستثمر قرابة 1.5مليار دولار في القطاع. وهذا ليس استثمارًا يتم التخلي عنه بهذه السرعة، وبالتأكيد ليس بدون مقابل، وهو ما لم يتحقق بعد، لذلك لا تزال تحافظ على تدفق الأموال إلى غزة.
إن دخول قطر إلى الساحة الفلسطينية بالأموال التي تنفقها على القطاع حولها الى لاعب أساسي في المنطقة. فبمجرد أن يتم تصويرك على أنك قادر على تحقيق الهدوء مقابل المال وتهدئة حماس والجبهة الجنوبية، فإن هذا الموقف بحد ذاته يمنحك القوة والسلطة: فجأة تتوسع دائرة الاهتمام ويتم استشارتك و الأخذ برأيك ويشتاقون إلى وجودك وتمويلك ، ليست حماس وحدها التي تريد أن تكون قريبةً من قطر، بل إسرائيل أيضاً، كونها مهتمة بالهدوء في الجنوب. انتهزت قطر الفرصة: كانت بحاجة إلى الدفء والقرب على أي حال، لا سيما في السنوات الست الماضية عندما قطعت دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية ومصر العلاقات معها. إسرائيل، في الواقع، من خلال السماح لقطر بتعزيز موقعها من خلال تمويل قطاع غزة ، قد ألقت لها نوع من حبل النجاة. إنه الكسب مقابل الكسب. أنقذت إسرائيل قطر من عزلتها، وأنقذت الأخيرة إسرائيل من اندلاع حربٍ في الجنوب. لكن توطيد العلاقات بين إسرائيل وقطر لم يكن المحور الرئيسي الذي تسعى اليه قطر ، الهدف هو واشنطن.
أدرك القطريون بذكائهم أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر إسرائيل، والطريق إلى إسرائيل يمر عبر غزة. الأموال التي دفعوها إلى قطاع غزة في السنوات الأخيرة لم تكن بسبب عيون إسرائيل الجميلة. لقد أرادوا لهذه الأموال في نهاية المطاف أن تفتح لهم الأبواب أمام الأمريكان.
هكذا فجأة، تستغل قطر، المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، هذه العلاقات لخلق واقع إيجابي: تحقيق الهدوء لإسرائيل في الجنوب، واسترضاء حماس. لقد أحب الأمريكان هذا المنعطف، وقد نجح هذا بالفعل وجعل قطر مفضلة لإدارة ترامب في الخليج العربي.
هذا الطريق خدم قطر أيضًا في جعلها تستفز الدول التي تخلت عنها وأدارت لها ظهرها، لا سيما دول الخليج. لطالما كان المبعوث القطري محمد العمادي ورئيسه وزير الخارجية صديقين مقربين لمستشار ترامب الشخصي والخاص، صهره جاريد كوشنير. يضحكون عبر الهاتف، ويديرون العالم. يجب أن تكون إما مجنونًا أو أبو مازن حتى تفقد توجه مثل هذا. لكن هذه ليست سوى مقابل جزئي. أو على الأقل أحد الاعتبارات التي يجب الحفاظ عليها، وإلا فقد تختفي. بمجرد أن تتوقف قطر عن إرسال الأموال إلى غزة، فإنها تخاطر بفقدان هذه المكانة التي اكتسبتها بجهد كبير، أو بالأحرى: بالكثير من المال والحكمة ، المهمة أيضًا لم تكتمل بعد بالنسبة لهم: لا يزالون بحاجة إلى تبرئتهم من الدعاوى القضائية المعلقة ضدهم في المحاكم الأمريكية بشأن علاقتهم بالإرهاب. لذلك أنت بحاجة إلى أصدقاء جيدين سيكونون في المكان المناسب وفي الوقت المناسب وسيكونون مدافعين صادقين عنك، وهناك أشخاص طيبون من إسرائيل واللوبي اليهودي والبيت الأبيض والكونغرس لمثل هذه المهمة .
قطر لا تحب أن يكون لإسرائيل صديقة جديدة في الخليج
منذ الاتفاق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة قبل بضعة أسابيع، لم تعد قطر الإمارة الخليجية الوحيدة التي لها علاقات ظاهرة مع إسرائيل. كانت هناك مخاوف في البداية من أن ذلك قد يؤثر على دوافعها لمواصلة ضخ الأموال في غزة، حيث تقول مثلاً: " لقد ذهبتم مع أبو ظبي (والتي تعد خصم لقطر في الخليج العربي)، إذاً فلتذهب أبو ظبي وتحل مشاكلكم مع غزة. ولكن هنا يجب أن نتذكر أن قطر ستخسر أيضًا إذا اتبعت هذا النهج، فهي أسيرة الطريق الذي خطته لنفسها. على الرغم من أن أموالها تصب في غزة، إلا أنها تجني الثمار في واشنطن. هذا الأسبوع أيضًا، أدخلت إلى غزة 34 مليون دولار أخرى لدعم أجهزة حماس. وهذا لا يشمل العشرة ملايين دولار للوقود الإسرائيلي لمحطة الكهرباء، وفجأة: هناك هدوء في قطاع غزة.
ربما تتوقع قطر في هذه المرحلة مقابل من إسرائيل، فكما كانت قطر جسراً بين إسرائيل وحماس طوال هذه السنوات، فهي تتوقع أن تقوم إسرائيل بنفس الدور بينها و بين منافسيها من الخليج والعالم العربي، وبالذات بعد العلاقات التي ظهرت الى العلن واتفاق التطبيع بين اسرائيل والامارات.
إذا نجحت - فستكون لعبة بنغو من قبل قطر، هم ليسوا هنا فقط لتوزيع الشيكات، إنهم يريدون الأرباح لأنفسهم وقد جاء يوم الاسترداد.