للأسف لم يُجمع الفلسطينيون حتى اليوم على الخطوط العامة لعقيدتهم الأمنية، أو تصوراتهم لطبيعة مفهوم الأمن القومي، رغم المحاولات العديدة والتي بقيت في غالبيتها في إطار الاجتهادات والأفكار الخاصة أو الحبيسة في بعض الكتب أو في رؤوس أصحابها.
لكن ودون أن ينتبه أحد، وبسبب استمرار المقاومة الفلسطينية وخضوعها للتجربة والميدان فإن بعض الأعمدة والركائز الرئيسية لذلك المفهوم أصبحت واضحة وجلية أمامنا ويمكن البناء عليها والانطلاق بها لإكمال بقية أضلاع تلك العقيدة.
ونشير هنا بالتحديد إلى قناة الجزيرة التي أثبتت لنا ولأنصار القضية الفلسطينية أنها تأخرت لأكثر من نصف قرن في الظهور، لأنه لو قدر لنا ولها أن تكون موجودة في 1948م لما كانت فلسطين قد سقطت.
بالطبع هذا الكلام ليس من باب المبالغة، وإنما من باب إحقاق الحق، وتتبع مواضع القوة في قضيتنا ومقاومتنا، لأنه لولا الخطاب الإعلامي المجند والذي تتبعه وتعمل وفقه هذه القناة لما كان أحد سمع بنا و بمعاناتنا وبقدرة صمودنا وأداء مقاومتنا الإعجازي على الأرض، فكل صاروخ يطلق هو أعمى دونه بوصلة التوجيه الإعلامي لخلق الرعب والردع والإعجاب، وهذا ما فعلته الجزيرة والتي حولت أيضا كل شهيد إلى قصة كاملة الأركان وحية في الوجدان؛ فأعطته (القيمة الناقصة) له وللرواية الفلسطينية والتي انتصرت لأول مرة على العدو وروايته.
فقناة الجزيرة هي إذاً مثلث الردع والرعب لنا، وهي الحدود الآمنة لشعبنا الأعزل وعمقه الاستراتيجي وضربته الوقائية والاستباقية، وراية النصر التي يرفعها صوت مراسلي الجزيرة وأخبارهم العاجلة وتفاصيلهم الدقيقة.
لقد تمكنت الجزيرة من تعزيز قدرة الصمود لنا بإظهار قدرات المقاومة ومفاجآتها، وأن هناك للشعب الفلسطيني من يحميه ويدافع عنه، لذا لم يتأخر هذا الشعب من إظهار ثقته وتلاحمه والتصاقه بالمقاومة.
إضافة إلى ما سبق فإن تلك الإمبراطورية "الجزيرة" أعطت لشعبنا ما كان يبحث عنه منذ بداية قضيته وهو الحليف، فكانت خير حليف يدافع دفاعه الاستراتيجي عن هذا الحق ويوفر له الإنذار المبكر عبر طواقمه العاملة في الميدان، والذين يملكون بنك معلومات هائل ودليل إدانة للعدو إذا تجاوز الخطوط الحمراء.
لقد حسمت الإمبراطورية المعركة الإعلامية لصالحنا بعدما كانت حصرية بيد العدو وتحولت الرواية الفلسطينية إلى أساس خاص لتغذية الوعي بدل كي الوعي والذي دوّخ وخدّر شعبنا على مدار عقود من الزمن.
في النهاية لقد طبقت الجزيرة نظرية حرب المعلومات خير تطبيق بفعل تأثيرها الخاص على وعي الجماهير في فضاء المعلومات وحوّلت مصادرها إلى سلاح معلوماتيٍّ أقرب إلى أسلحة الدمار الشامل ،إذن فالجزيرة هي سلاح الردع الثوري الفلسطيني.