بقلم:
أحمد عبد الرحمن
في معظم دول العالم، يُنظر إلى المناورات العسكرية التي تجريها الجيوش في أوقات السّلم، أنها عبارة عن تدريبات عسكرية يقوم بها أحد أذرع الجيش، او تشترك فيها عدة أذرع مختلفة، للوقوف على الجاهزية القتالية للجنود، وتطوير أدائهم القتالي، وتعزيز مهاراتهم العملياتية، وكذلك للاطمئنان على نجاعة الخطط، وسلامة التكتيكات، واختبار الأسلحة الجديدة، إضافة لفحص مستوى التنسيق بين الوحدات القتالية المختلفة.
أما في أوقات الحرب فالمناورة العسكرية هي عبارة عن إجراء عملياتي ميداني دون معلومات مسبّقة، يعتمد على تحرك مباغت وسريع تقوم به القوات العسكرية، أو أحد مفارزها الخاصة، ويحمل في طيّاته مفاجأة لقوات العدو، سواء من ناحية الزمان، أو المكان، وهو الأمر الذي يؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة وجسيمة في صفوف القوات المستهدَفة، يمكن أن ينتج عنها خسارة جزء من مسرح عمليات المعركة، أو سقوط عدد كبير من الجنود والمقاتلين، بما يشكل ضربة مؤلمة لتلك القوات.
في "إسرائيل " يُنظر للمناورات العسكرية بشكل مختلف نوعا ما، إذ انها كدولة تعتبر نفسها في حالة حرب على مدار الساعة، سواء أكان هناك إطلاق نار، أو لم يكن، فهي تتحرك من منطلق تعرضّها لتهديد دائم، يشكل خطر وجودي على مستقبل الدولة، كما كان يقول "ديفيد بن غوريون " أول رئيس وزراء، ووزير حرب في دولة الكيان، وبناءً عليه فهي تجد نفسها مضطرة للبقاء في حالة جهوزية عالية، على كافة الصعد والمستويات، لا سيما العسكرية والامنية منها، خشية تعرضها لضربة مفاجئة، تزلزل اركانها، وتهدد استقرارها، في ظل معاناتها من عدم وجود عمق استراتيجي يمكن أن يحميها من خطر السقوط، في حال تعرضها لهجوم واسع.
وعليه فإن القيام بالمناورات العسكرية في الكيان الصهيوني، يُعتبر إجراء روتيني، وشبه مُستدام، يسعى العدو من وراءه لتحقيق نتائج عملياتية، تنعكس إيجابًا على حالة الامن المراد تحقيقها في دولة الكيان، إضافة إلى أهداف أخرى بالغة الأهمية، لا سيما في ظل الظروف الحالية الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، وحالة اللا استقرار والتوتر الدائمين اللتان يشعر بهما الجميع، وتكاد تأثيراتهما تشمل كل نواحي الحياة المختلفة.
وبناءً عليه يمكن لنا أن نشير لاثنين فقط من تلك الأهداف التي يسعى العدو لتحقيقها منعا للإطالة، ولاعتقادنا بأنهما أهم من غيرهما من الأهداف الاخرى.
اولهما هو إرساء وتثبيت حالة من الردع مع أعداء "الدولة "،دون الحاجة إلى الدخول في معركة عسكرية، اما الثاني وهو الأقرب من وجهة نظرنا، فهو الاستعداد لعمل عسكري كبير، قد يصل إلى حرب واسعة، وهذا الأمر يبدو جليا في السنوات الأخيرة، التي شهدت زيادة ملحوظة في المناورات العسكرية الإسرائيلية كمّا ونوعًا، بما يشي بأن "إسرائيل " قد أعدّت العُدّة لمغامرة واسعة تتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي لا تحتاج العمليات العسكرية فيها لمناورات من هذا الحجم.
مناورات بوتيرة متسارعة:
منذ العام الماضي 2022، اخذت وتيرة المناورات العسكرية الإسرائيلية، لا سيما تلك المتعلّقة بسلاح الجو في الارتفاع بشكل ملحوظ، وقد أُعلن في اكثر من مناسبة ان تلك المناورات تُحاكي حربا ضد إيران، لاستهداف منشئاتها النووية، خصوصا بعد توقف المحادثات المتعلقة بالعودة "لخطة العمل المشتركة "، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني، وفي أحيان أخرى أُعلن ان المناورات تُحاكي حربًا على حزب الله في لبنان. ففي بداية شهر يونيو/حزيران من العام الماضي، أجرت القوات الجوية والبحرية في الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع الجيش القبرصي، مناورات واسعة أطلقت عليها اسم " مركبات النار "، حاكت فيها هجوما جويا، وآخر بحريًا، تُستخدم فيه السفن والغواصات، ضد المنشئات النووية الإيرانية.
تبع ذلك في الرابع والعشرين من يوليو/ تموز من العام نفسه، مناورات عسكرية جوية أُطلق عليها " درع البرق "، والتي أُجريت بالتعاون مع سلاح الجو الإيطالي، في قاعدة "نفاطيم " شمال فلسطين المحتلة، واُستخدمت فيها طائرات من طراز" F35 "، وطائرات أخرى من طراز "نحشون "، بعد هاتين المناورتين بأقل من أربعين يوما تقريبا، وفي الرابع من أيلول/سبتمبر 2022، أجري "الجيش" الإسرائيلي مناورة برية لسلاح المدرعات بالقرب من الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، غير بعيد عن الأراضي اللبنانية، فيما عده جزءً من التدريبات السنوية المعتادة، تلا ذلك بأسبوعين مناورة أخرى في خليج حيفا، والتي تُعتبر من أهم المناطق الاستراتيجية في إسرائيل، إذ يتواجد فيها أهم ميناء بحري في الكيان الصهيوني، والذي يحوي قاعدة سلاح البحرية الرئيسية، وقاعدة الغواصات من طراز "دولفين "، إضافة لقسم تصميم الأسلحة النووية، وقسم تصميم الصواريخ بعيدة المدى.
في آخر المناورات العسكرية التي شهدها العام المنصرم، أجرى سلاح الجو الصهيوني مناورة مشتركة مع سلاح الجو الفرنسي في الأسبوع الأول من كانون أول/ديسمبر 2022، شاركت فيها طائرات فرنسية من طراز "رافال "، إلى جوار طائرات إسرائيلية من طراز F-16.
وكما أنهت "إسرائيل" العام الماضي بمناورات عسكرية، افتتحت هذا العام أيضا بمناورات أخرى، لكنها على مستوى أشمل وأوسع، حيث أجرت في الفترة ما بين 23 و 26 كانون الثاني/يناير، واحدة من أكبر مناوراتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شارك حوالي 1500جندي إسرائيلي، إلى جانب 6400 جندي أمريكي، في مناورة "جونيبر اوك " أو "سنديان البازلت "، والتي اُستخدم فيها 142 طائرة مقاتلة، "100 منها أمريكية، و42 إسرائيلية "،من بينها طائرات إنقاذ، واخرى لإعادة تزويد الوقود في الجو، إضافة لطائرات من طراز ( B-52، وF-35، و F-15، و F-16، و FA-18، وAC-130، وAH-64 )، إضافة إلى12 سفينة حربية من مجموعة حاملات الطائرات الضاربة "جورج دبليو بوش"، و6 سفن إسرائيلية، إضافة إلى غواصة، وتخللتها تمارين في جميع المجالات "البحر- الجو- البر- الفضاء- والإنترنت".
وفي الثامن من أيار/مايو الحالي اجرت القوات الجوية الإسرائيلية مناورة جوية مع سلاح الجو القبرصي، تحوّلت في يومها الثاني لهجوم مباغت على قطاع غزة استهدف قادة بارزين في سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الاسلامي.
المناورة الاخيرة التي بدأ تنفيذها منذ يوم الثلاثاء الماضي ،والتي تستمر لمدة أسبوعين، وأُطلق عليها اسم " اللكمة الساحقة "،قال عنها المتحدث باسم جيش الاحتلال أنها تحاكي حرباً على عدة جبهات، في لبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، وتشارك فيها أذرع الجيش كافة، البرية والجوية والبحرية، وعبر "السبكتروم"، والفضاء الإلكتروني "السايبر"، وستختبر جاهزية "الجيش" لخوض معركة طويلة الأمد على عدة جبهات.
كل ما تقدم من مناورات يعطي انطباع واضح، بأن هناك شيء ما يُدبّر في الخفاء، بعيدًا عما يتم الإعلان عنه في وسائل الإعلام، وأن هذا الشيء من الأهمية بمكان بحيث تُجرى من أجله كل هذه النشاطات العسكرية المحمومة، ويُنفق في سبيله ملايين الدولارات، وتُسخّر له كل الإمكانيات المادية والبشرية والتكنولوجية، في سبيل الوصول لأعلى جهوزية للقيام به.
الخيارات الإسرائيلية المُتوقعة:
يوجد لدى إسرائيل العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، والتي كانت وما زالت تشكّل صداعا مزمنا لأصحاب القرار في الدولة العبرية، وهي بحاجة ماسة للتخلّص منها، أو على أقل تقدير من جزء منها، ويأتي على رأس تلك الملفات ما يُسمى إسرائيليًا بالخطر الإيراني، يليه من حيث الأهمية خطر حزب الله في لبنان، إضافة للتحدّي الفلسطيني سواء في الضفة والقدس، أو في قطاع غزة الذي يُعتبر من وجهة نظر إسرائيلية معضلة لا بد من التخلّص منها، يضاف إلى كل ذلك التحدّي السوري واليمني والعراقي، والتي تشترك مع الأطراف سابقة الذكر في حلف أوسع وأشمل يُطلق عليه "محور المقاومة ".
ولأن "إسرائيل " تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن خوض حرب متعددة الجبهات، لأسباب عديدة وكثيرة، فإنها يمكن ان تركّز جهودها في المرحلة القادمة لاستهداف جبهة معينة من المُشار إليها أعلاه، خصوصا إحدى الجبهتين الإيرانية، أو اللبنانية، في حين تنظر لباقي الجبهات بأنها أقل خطورة على الامن الإسرائيلي من جهة، ومن جهة اخرى فالهجوم عليها لا يحتاج كل هذه الاستعدادات والمناورات الواسعة والكبيرة.
1/الجبهة الإيرانية:
بالنظر إلى ما يتم الحديث عنه في كل وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل شبه يومي، وقياسا على التصريحات التي لا تتوقف من كل السياسيين والعسكريين والأمنيين في الكيان الصهيوني، يمكن لنا أن نكتشف ان الهدف الأساسي لإسرائيل، وحليفها الأمريكي بدرجة أولى، هو القدرات العسكرية الإيرانية، والتي يأتي في مقدمتها البرنامج النووي الإيراني، مضافا إليه مشروع الصواريخ الباليستية، والذي شهد نقلة نوعية هائلة خلال السنوات الأخيرة، وفشلت كل الجهود المبذولة لإيقافه، او حتى تقليل وتيرة تقدمه المتسارعة، هذا بالإضافة للتموضع الإيراني الملحوظ في المنطقة، والذي أصبح جزءً منه قريبا جدا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبات يشكل خطرا داهما على الامن القومي الإسرائيلي.
وبناءً عليه يمكن لنا ان نفترض أن كل ما تقوم به إسرائيل من مناورات عسكرية، واستعدادات تشمل كل أذرع الجيش، واختبارات الجبهة الداخلية، هو في الأساس للقيام بهجوم جوي وبحري مكثّف، تشارك فيه طائراتها الحديثة، إضافة لسفنها الحربية، وغواصاتها القادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوس نووية، باتجاه قلب المدن الإيرانية، التي تحوي درة تاج الصناعات العسكرية للجمهورية الإسلامية، وهذا الهجوم في حال القيام به يمكن أن يشارك فيه اطراف أخرى، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحظى بوجود عسكري واسع في المنطقة.
2/ الجبهة اللبنانية "حزب الله":
يُنظر إلى حزب الله في" إسرائيل "بأنه الخطر الأكبر على امنها القومي، من بين كل أعدائها القريبين، وتصنّفه دوائر الاستخبارات الإسرائيلية بأنه القوة الأكثر تنظيما وتسليحا وخبرة قتالية، خصوصًا وأن الحزب سبق له وأن خاض معارك عسكرية عديدة ضد العدو الإسرائيلي، وخرج منها منتصرا، على غرار حرب تموز 2006، وقد راكم الحزب حسب المصادر الإسرائيلية، خبرات هائلة في السنوات الأخيرة نتيجة مشاركته في التصدي للحرب على سوريا، إلى جانب تطوير وتحديث ترسانته العسكرية لا سيما الصاروخية منها، والتي يقدرها بعض الخبراء العسكريين بـ 200 ألف صاروخ، عدد كبير منها يُصنّف بأنه من الصواريخ الدقيقة، إضافة للطائرات المسيّرة التي يملكها الحزب، والتي تعتبر من اهم التهديدات التي تواجه المؤسسة العسكرية في الكيان الصهيوني، وتشكّل له معضلة حقيقية فشل حتى الآن في إيجاد الحلول المناسبة لها؛ لذلك من الوارد أن تذهب "إسرائيل " باتجاه عملية عسكرية واسعة ضد الحزب اللبناني، كما هددت أكثر من مرة، في محاولة للتخلص من ذلك التهديد الرابض قرب حدودها، والذي يُعتبر أحد أهم اجنحة محور المقاومة في الإقليم، ورأس الحربة المباشر في حال اندلاع حرب متعددة الجبهات يبادر إليها محور المقاومة.
3/هجوم متزامن على اكثر من جبهة :
رغم أن العدو الصهيوني يخشى كثيرا من حرب متعددة الجبهات، ويعتبر ذلك الامر السيناريو الأسوأ الذي قد يواجهه في المرحلة القادمة، إلا أنه من غير المستبعد ان يبادر هو بشن هجوم واسع يستهدف اكثر من جبهة في وقت واحد، لا سيما الجبهتين الإيرانية واللبنانية، مع فرضية ان يستخدم أسلحة غير تقليدية في حال اللجوء إلى هذا الخيار، تفاديا للرد الهائل الذي يمكن أن يلتقاه في حال لم يتم تدمير الأسلحة الاستراتيجية التي يملكها الطرفان، وقياسًا على معرفة العدو بقدرات وإمكانيات الجانبين الإيراني واللبناني "حزب الله "، وإمكانية مشاركة باقي أطراف محور المقاومة إلى جانبهما في حال تعرضهما لهجوم إسرائيلي، فهناك احتمال باستخدام الجيش الإسرائيلي لصواريخ وقنابل نووية تكتيكية، يمكن لها ان تُحدث خرابا هائلا، وتدميرا واسعا، وتساهم في شل القدرات العسكرية للأطراف المستهدفة، إضافة لتشكيلها رادعًا لباقي الأطراف، التي يمكن ان تكون لديها الرغبة أو القدرة للمشاركة في المعركة.
كل ما سبق من سيناريوهات يتطلّب أن يكون لدى "إسرائيل " قدرات وإمكانيات عسكرية كبيرة ونوعية، تمكّنها من تنفيذ مخططها بنجاح، وبأقل قدر ممكن من الخسائر، سواء أثناء الهجوم، أو عندما يبدأ الرد من قِبل الجهات المستهدفة.
القدرات العسكرية الإسرائيلية:
يُنظر للجيش الإسرائيلي بأنه واحد من أقوى جيوش العالم وأحدثها، إذ يتوفّر له من الإمكانيات العسكرية ما لا يتوفر لغيره، وذلك نتاج الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود الذي يحصل عليه، والذي يشمل إمكانية حصوله على جزء من الأسلحة الفتّاكة، الموجودة في المخازن الأمريكية في فلسطين المحتلة، لا سيما في أوقات الطوارئ والأزمات.
وبحسب آخر معطيات موقع "غلوبال فاير باور"، فإن "إسرائيل" تحتل المركز الخامس عشر بين أقوى جيوش العالم، سواء من ناحية عدد الجنود، أو العتاد الحربي والعسكري الذي تملكه، إضافة إلى امتلاكها قوة برية ضاربة، تعد من بين الأفضل والأكفأ على مستوى العالم.
وبحسب الموقع المتخصّص برصد القوة العسكرية لجيوش العالم، يبلغ تعداد "الجيش" الإسرائيلي نحو 185 ألف جندي نظامي، إضافة إلى أكثر من نصف مليون جندي احتياط. وعلى صعيد سلاح الدبابات، فهو يملك 1600 دبابة، معظمها حديث الصنع، وتُعد من أفضل الدبابات على مستوى العالم، إضافة إلى حوالي 7500 آلية مدرعة، و700 مدفع ذاتي الحركة، و300 مدفع ميداني، وأكثر من 120 راجمة صواريخ متعددة الفوّهات.
أما على صعيد سلاح الجو، تملك "إسرائيل" اكثر من 600 طائرة حربية مقاتلة، من بينها طائرات" F-15 – F-16 - F-35"، وطائرات شحن عسكري، وأخرى لتزويد الوقود في الجو، إضافة إلى نحو 140 مروحية عسكرية، معظمها من النوع الهجومي.
أما سلاح البحرية الإسرائيلي، فيتكوّن من 65 قطعة عسكرية، منها 48 سفينة دورية، و25 زورقاً لخفر السواحل، إضافة إلى 5 غواصات، و10 زوارق مجهّزة للمواجهات الحربية، و حوالي 19500 جندي مدرّبين على القتال في عرض البحر.
وقد بلغت موازنة وزارة الحرب الإسرائيلية، بحسب تقرير للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، نحو 18 مليار دولار. يُضاف إلى كل ما سبق القوة النووية الإسرائيلية، التي قدرتها بعض المراكز المختصة بحوالي 200 قنبلة نووية.
الخاتمة:
قياسا على العرض السابق، والذي استعرضنا من خلاله الاستعدادات الإسرائيلية لعمل عسكري كبير في المنطقة، وهو الأمر الذي تطلّب منها إجراء كل هذا الكم الهائل من المناورات العسكرية خلال السنوات الاخيرة تحديدًا، والتي أُجري بعضها بمشاركة حلفاء لها من عدد من دول العالم، لا سيما مع الحليف الأمريكي الوثيق، ومع جيوش مثل فرنسا وإيطاليا وقبرص، إضافة لمشاركتها في مناورات دولية بمشاركة بعض الدول العربية والإقليمية.
ولأن مثل هكذا تحركات عسكرية واسعة، تكلّف خزينة الدولة مليارات الدولارات، في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها كل دول العالم بما فيها "إسرائيل "، لا يمكن ان تكون بلا هدف عملياتي، وليس من الطبيعي إجراءها لمجرد توجيه رسائل ردع للأعداء، فنحن نتوقع كما الكثيرين من المتابعين والمحللين أن يكون ما يجرى مقدمة لعملية عسكرية كبيرة، قد تصل إلى حد حرب إقليمية، وستكون تداعياتها على المنطقة برمتها هائلة، لا سيما وأن الأطراف التي يمكن أن تُستهدف تملك أيضا إمكانيات كبيرة، ولديها عمق استراتيجي مهم للغاية، وهو ما يجعل فرضية انكسارها، أو انهيار منظومتها العسكرية شبه مستحيلة بغض النظر عن حجم الضربة، أو نوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
ولكن في ظل أزمات عالمية تلقي بظلالها على مجريات الأوضاع في العالم، وفي ظل انشغال الجانب الأمريكي بما يعتقد أنها الملفات الأكثر أهمية في الوقت الحالي، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والتحدّي الصيني الذي يشغل بال كل المؤسسات الأمريكية، فنحن نعتقد أن الهجوم الإسرائيلي المتوقع سيتأخر لبعض الوقت، لأن عملية من هذا النوع ستحتاج بلا ريب لتدخل أمريكي مباشر، وهو الأمر الذي لا تفضله أمريكا في الوقت الحالي، وهذا التأخير الذي يمكن أن تضطر إسرائيل للتعامل معه رغما عن أنفها، يمكن أن تعوضّه بعمليات أخرى، أقل تكلفة، وضد جبهات تُعتبر من وجهة نظر إسرائيلية أضعف وأسهل؛ لذلك من المتوقع أن تستمر الهجمات الإسرائيلية في المدى المنظور ضد جبهتين أساسيتين، هما قطاع غزة والجبهة السورية، والتي وحسب النظرة الإسرائيلية يمكن لها أن تحقق فيهما بعض أهدافها العسكرية والسياسية، في مقابل رد فعل يمكن لجبهتها الداخلية امتصاصه وتحمّله، إلا في حال أرادت "إسرائيل " توريط الحليف الأمريكي في حرب طاحنة، وقررت الذهاب إلى الخطوة الأكثر خطورة، والتي كما أشرنا آنفًا ستكون ذات تداعيات واسعة، حيث ستجد المنطقة نفسها في اتون مواجهة من العيار الثقيل، لم تشهد لها مثيلًا من قبل، حيث التغيّرات الاستراتيجية، والتحوّلات الجيوسياسية، وغير ذلك مما لا يخطر على بال أحد !