نقلًا عن القدس العربي
تقر ضمناً المؤسسات العميقة في الأردن مع أغلبية نخب المملكة بأن حركة حماس “كبرت ونضجت وأصبح لديها دور أكبر” وإن كان الأمر لم يعد يعتمد على “الدور والبصمة” بقدر ما يعكس مشروعاً منظماً بذراعين، الأول سياسياً بامتياز وينشط في الحراك بالخارج مبادراً، والثاني “عسكري” ارتبط اليوم بفكرة “القدرة على الاستجابة المسلحة” وتجربة “توحيد الساحات”.
رغم أن السلطات العميقة بدأت تقر بصورة غير مباشرة بذلك في عمان، فإن أسباباً مطروحة ويمكن مناقشتها بل وتفكيكها تطرح هنا وهناك على صعيد “تبرير” عدم تحقيق “استجابة أردنية تكتيكية وسياسية” لتعاظم دور وهوامش حركة حماس، ليس في عمق وبنية وهوية المشهد الفلسطيني لكن في الإقليم أيضاً وفي بعض الساحات الدولية عبر نجاح ملموس في تكريس فكرة “الشتات الفلسطيني”.
عملياً، بدلاً من فتح البيكار السياسي ولو قليلاً أردنياً على حركة حماس، لجأ العمق الأردني منذ أشهر للاستثمار في مساحتين لا يمكن الاستثمار المنتج فيهما بصورة عملية، وهما “توحيد أقطاب حركة فتح” قدر الإمكان أولاً، وثانياً إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة وأهمية وجدوى التمهيد لخلافته عبر الشرعية الفلسطينية.
تأثير الأردن لمنع الانزلاق
كلاهما خياران يخفقان يومياً؛ فحركة فتح من الصعب توحيدها ما لم يحسم موضوع “خلافة عباس” خصوصاً في ظل حكومة إسرائيلية يمينية ترفع شعار “حسم القضية” لا بل تصفيتها وعلى حساب المصالح الأردنية، كما يصر السياسي البارز طاهر المصري حتى في آخر لقاء جمع “القدس العربي” به بحضور بعض الشخصيات.
وخلافة عباس في المقابل ليس ملفاً يمكن أن تسمح إسرائيل للأردن بالتأثير فيه أو هندسته، لأن عباس نفسه “لا يستجيب” للأردن ولا لمصر ولا حتى للسعودية التي تحاورت معه خلف الستائر مؤخراً.
ويعني ذلك أن ساحات التأثير الأردنية في سيناريوهات انزلاق المشهد في فلسطين المحتلة هامشية أو محدودة جداً وللغاية، ومن الصعب الرهان على نجاحات فيها، خصوصاً أن رئيس الوزراء بشر الخصاونة سمعته “القدس العربي” وهو يردد بأن الممكن لدولة مثل مصر قد لا يتاح للأردن، وهي مقولة تحتاج لاختبار حقيقي، برأي السياسي الناشط مروان الفاعوري؛ لأن “المملكة تمتنع” ولسبب غامض حتى اليوم عن استخدام أوراق قوتها العميقة الفاعلة مع الضفة الغربية وفي المعادلة الفلسطينية.
بالضرورة، لن تحصل عمان على هامش مريح في إطار مشروعي “الخلافة وتوحيد حركة فتح”.
وبالضرورة، سياسياً، أن هامش المناورة الأفضل مرحلياً هو “ورقة المقاومة الفلسطينية” التي وضع الاستثمار فيها بثلاجة غامضة حتى الآن وبقي بالحد الأدنى، لأن الجميع يلاحظ أن عمان “لا تريد صلات رسمية” مع حركة حماس ولا مع بقية فصائل المقاومة، ولا تحاور فلسطينياً من يمكنهم مساندة “الوصاية” في القدس؛ لأسباب بيروقراطية سطحية، وتتمسك – بدون مبرر منطقي – بربط حماس بملف الإخوان المسلمين محلياً، رغم أن الدنيا كلها في المسألة هنا تبدلت وتغيرت.
علاقة بناءة وإيجابية
وعليه، يبرز التناقض غير المحمود وغير المفهوم؛ فمن يتحدث لسياسيي ومسؤولي عمان اليوم يتلمس ذلك الاستنتاج الذي يوافق على أن حركة مثل حماس تتحول إلى “قوة على الأرض لا يستهان بها، وناضجة ومستحكمة”، لكن عندما يتعلق الأمر بالاستجابة لمثل هذه القناعات، تبرز على السطح لأسباب غير مفهومة بعدُ تلك الاستجابات البطيئة التي يرى كثيرون اليوم، بينهم الفاعوري وغيره، بأنها على حساب المصالح الحيوية للأردن والأردنيين، خصوصاً في ظل يمين إسرائيلي واضح أنه “لا يرحم” الفلسطينيين ولا الدولة الأردنية، بدلالة خارطة بتسليئيل سموتريتش الشهيرة وما حصل من إبتزاز في قضية النائب السابق والسجين حالياً عماد العدوان.
عضو البرلمان البارز خليل عطية، يكرر أمام “القدس العربي” قناعته بأن الحكومة الأردنية وفي منظومة الموقف والاتصالات والمشاورات والتواصل، عليها أن تتوقف عن تلك الاجتهادات التي لا تحترم مشاعر الشعب الأردني نفسه بخصوص الشوق لمشاهدة علاقة بناءة وإيجابية بين الأردن وفصائل المقاومة، لأن الهموم اليوم مشتركة والسيناريو الإسرائيلي خطر على الجميع.
يحاجج أنصار فكرة “تنويع الخيارات الأردنية” بالملف الفلسطيني والمسار الإقليمي بأن المتاح لدولة مثل مصر، إسرائيلياً وأمريكياً، بخصوص الاستثمار في توظيف ورقة المقاومة الفلسطينية يمكنه بالقليل من المناورة والجرأة أن يتاح للأردن.
وما يتاح لدول مثل قطر بمسار المقاومة يمكنه أن يتاح لعمان أيضاً. ولا مبرر للقول بأن “المساعدات الأمريكية” للأردن يمكنها أن تتأثر سلباً في حال أي ارتباط مع حركة حماس التي تصنفها الخارجية الأمريكية بالإرهاب؛ لأن ذلك التصنيف في واقعه القانوني “غير ملزم” لأي دولة، ولأنه لا يشمل دولاً عربية أخرى مثل مصر والكويت.
الذرائع والمسوغات
وثالثاً، لأن الإدارة الأمريكية نفسها “تتواصل مع ممثلين لحماس” الآن بين الحين والآخر، وترسل وتستقبل الرسائل عبر وسيط في مسألة “قد تتطور في أي لحظة”. وأيضاً لأن الأردن برأي السياسي والبرلماني الخبير ممدوح العبادي، يقدم للأمريكيين في المنطقة ولمصالحهم “خدمات تحالف وصداقة عميقة وجليلة وكثيرة” مقابل تلك المساعدات التي تنطوي رقمياً على تقصير عميق بحق الأردن والتعامل معه بصداقة تحالفية، لأن العبادي أصر في ندوة نقاشية عامة على أن الأمريكي يستعيد عملياً نصف مساعداته بالرقم.
والخلاصة، أن تلك الذرائع والمسوغات التي تسوق لتبرير عدم وجود تواصل مع المقاومة وحماس وغيرها لا تبدو “منطقية أو حقيقية”. وتصبح غير منطقية أكثر وتدخل في منطقة “مخاطر الإنكار” كما يسميها المصري، لأن حماس اليوم فعلاً أكبر وأنضج ولديها حضور ومشروع سياسي، وجالسة على طاولة القرار والإقليم.
ومن الأفضل لعمان أن تفتح لها الباب اليوم باستجابة محسوبة سيقدرها الشارع الأردني نفسه بدلاً من الاضطرار للحاق ولاستدارة غداً.