الأسئلة الموجعة: إلى ما تبقى من فتح

وليد صادق

أسير وباحث في مركز حضارات

بقلم/ وليد صادق


مؤسف ما حدث للمناضل القديم محمود العالول (والد الشهيد جهاد)، في جنين في جنازة شهدائها بعد معركة (بأس جنين)!! ولكن: أليس العقل والمنطق يقضيان أن تسأل فتح نفسها: لم حدث هذا؟ أليس هذا ما يفعله الأشخاص والحركات والدول عند كل محطة إخفاق أو فشل؟ حيث يقفون مع أنفسهم ويسألونها بصدق: لم حدث معنا هذا؟، وفي حادثة جنين يكون السؤال الموجع الذي لا بد منه، إن بقي هناك من يريد بفتح ولها خيرا ونهوضًا، يكون السؤال: لم بات يكرهنا الناس كل هذا الكره؟!

لكن کاتب هذه السطور يسأل بطريقة معكوسة: بل لم لا يحدث معكم ما حدث؟ بل الغريب أن يكون هناك مشهد آخر غير الذي حصل؟... ودعونا نذكركم والناس لا ينسون: أليس محافظكم الموقر في جنين هو الذي تولى كبر إثم الحرب على كتيبة جنين، ولا زال؟ هذه الكتيبة التي ركع فتيانها على مدار 48 ساعة جيشًا بأكمله (بمئات نخبة وعتاده وطائراته)، فأخرجوه مذمومًا مدحورًا يجر أذيال الخيبة.

هذه الكتيبة التي دافعت عن شرف المخيم، وشرف جنين، وشرف وكرامة الشعب الفلسطيني كله.. نذكركم (والناس لا ينسون) أن محافظكم كان في صف العداء لهم، كما عاداهم المحتل تمامًا.

ثم أليست أجهزتكم الموقرة هي من اعتقل قبل يومين المجاهد المطارد ملايشة أثناء توجهه للدفاع عن جنين ؟! ولا زال مضرباً في زنازينكم الموقرة؟!.

ثم أليست أجهزتكم الموقرة هي من اعتقل مناضلي العرين، أثناء عودتهم من نصرة إخوانهم في جنين!!

ثم تسألون: لم حدث معنا هذا!! ماذا تريدون من أهالي الشهداء الذين تآمرت عليهم أجهزتكم –وما زالت- على دمائهم، ولاحقت وما زالت المجاهدين الذين يثأرون لهم ولأبنائهم ويدافعون عن عزتهم وكرامتهم؟ هل تريدون أن يستقبلوكم بالورود وأيدي أجهزتكم ملطخة بدماء أبنائهم؟!.

وماذا تریدون من أهالي يرون أكثر من 70 ألف قطعة سلاح في أيدي أجهزتكم، تختبئ عندما يعربد المستوطنون والمحتلون، ولا يرون سلاحهم إلا حين يشهر في صدورهم وأبنائهم ومجاهديهم؟ هل تريدون أن يفرشوا لكم الورود في يوم جنائز أبنائهم؟!

يقولون: إن أغبى الغباء أن يسلك المرء ذات الطريق كل مرة تم يتوقع الوصول إلى مكان آخر؟! ما أحمق من يمارس ذات السلوك كل مرة ثم يتوقع نتائج مغايرة!!.

بعد كل انتخابات تخسرونها في الجامعات، تعاود أجهزتكم ممارسة السلوك الذي أوصلكم لتلك النتيجة فتبدأ في اليوم التالي، حملة اعتقالات وسجن لأبناء الكتلة ومجلس الطلبة المنتخب، ثم تستغرب فتح في العام اللاحق لم يصفعها الطلبة صفعة موجعة! ويركلونها بأقدام أقلامهم عند التصويت!!.

وتظن أنه يكفي أن يقوم مناظرها المنتمي لهذه الأجهزة يوم الانتخابات بتجميد المقاومة، فيما جهازه قبل وبعد ذلك جزء من الحرب عليها واستئصالها.. تمارسون ذات السلوك الأمني البوليسي على الطلبة ابتزارا وعربدة ثم تسألون: لماذا نخسر الانتخابات؟ فعلًا، سؤال ذكي!!!!

وها أنتم تمارسون المنبح ذاته: فبعد حدث جنين المؤسف، خرج غربانكم لترديد الكلمات الممجوجة والمستهلكة، والتي بات لا يلتفت إليها أحد من الناس: (حماس، الانقسام، الانقلاب... إلخ)، من هذه السمفونية المهترئة التي لا تزيد على أن تسقطكم أكثر من ضمير الناس، مقابل تخدیرکم و إعماء عيونكم وقلوبكم عن رؤية واكتشاف الداء الحقيقي الذي يفتك بجسدكم؟؟ ولا أدري كيف سيشفى أحد من علل لا يرى ولا يريد أن يرى سببها؟ ولكن:

إذا كان الغراب دليل قوم يمر بهم على جيف الكلاب،

واصلوا التصرف بنفس الطريقة، والسير وراء غربانكم الناعقين، وكلما صفعكم شعبكم بجرم أجهزتكم الأمنية، وعقم خياراتكم السياسية، قلتم: حماس، وانقلاب، و.... لتبقى علتكم الحقيقية وتكبر حتى تسقطكم السقوط الذي لا قيامة بعده.. أو أنه كما نحب ونرجو يقف المخلصون والشرفاء منكم وقفة صادقة مع النفس، ليشيروا إلى العلة الحقيقة، والداء القاتل: ألا وهو التنسيق الأمني،، وطعن المجاهدين في ظهرهم، مقابل ذل الراتب، واللقمة المغمسة بعار الخيانة؟

ثم إنه ليس من نافلة القول أن نلفت انتباهكم إلى هذا الجيل الذي تواجهون في 2023؟!

يا هؤلاء: إنه الجيل الذي ولد في انتفاضة الأقصى أيام الاجتياحات، ثم لما بات يعي ويدرك حدثتهم أمهاتهم عن آبائهم الشهداء والمؤبدين فترة الاجتياحات، وعن منازلهم التي هدمها الاحتلال.

هذا الجيل لم يشهد أحداث الانقسام 2007م حيث كان صغيرًا، ومن ثم فإن روايتكم عن الانقسام لا يلقي لها بال، ولا تحدث في نفسه أي وقع.

وهذا الجيل ليس جيل البنوك والقروض الذي دمره رجلكم (سلام فياض)، فلیس متعلقاً براتب لا يكفيه إلا أيامًا وقد أكلت القروض نصفه أو أقل أو أكثر.

هذا الجيل لا يرى غزة الانقسام التي تروجون .. بل رآها: غزة الفرقان ، والسجيل، والعصف المأكول، وسيف القدس وثأر الأحرار. ولا يرى إلا وجهها المشرق في الملثم وإخوانه، ولا يسمع إلا صوت صواريخها، فروايتكم له عن الانقسام لا تزيده لكم إلا بغضًا.

ثم إن هذا الجيل يرى منطق (الصاروخ) والالتحام من نقطة صفر مقابل منطق (احمونا) فماذا سيختار؟! ثم إن هذا الجيل لا يرى إلا حكومة مستوطنين تصادر الأراضي، وتهود القدس وتطلق العنان لعربدة المستوطنين الذين تحميم بسلاح جيشها، مقابل 70 ألف قطعة لأجهزتكم تتخاذل عن حمايته!!

هذا الجيل لا يعرف عيلبون، ولا العاصفة، ولا بيروت، ولا يأبه لهذا التاريخ، لأنه يرى: خيانة التنسيق والفساد المالي والسياسي والأخلاقي لمن اختطفوا حركتكم فاختطفوا بذلك قرار الشعب ومصیرہ،... فهل تنتظرون منه أن يستقبلكم بالورود؟.

ألا إن الإجابة الموجعة على الأسئلة الموجعة إنما تبدأ بالأفعال، كما فعل الشهيد الراحل أبو عمار يوم أدرك أن العدو يخدعه في أوسلو، ولا يريد أن يعطيه حقوق شعبه، فأطلق سراح المقاومين من سجونه ليصنعوا ملحمة انتفاضة الأقصى العظيمة.

فعندما تبدؤون بإطلاق سراح (ملايشة، واشتية، والقوقا..) وإخوانهم من خيرة أبناء الشعب في سجونكم، وتتوقفوا عن ملاحقة المقاومين وطعنهم في ظهورهم، فعندئذ يمكن أن يبدأ الناس في تصديقكم، وإلا فانتظروا من هذا الجيل مزيدا من الصفعات والركلات، حتى تجيء لحظة الحقيقة المرة التي ستضطرون للإجابة فيها على الأسئلة الموجعة؛ فتقدموا كشف حسابكم لهذا الجيل.

المنتصر، وتقدموا أجوبتكم للتاريخ المنتصر الذي سيصوغه المجاهدون بعد التحرير، ثم تحضروا أجوبتكم لأبنائكم  وهم يشار إليهم بالبنان من زملائهم، أن آباءهم کانوا يطعنون المجاهدين في ظهرهم يوم كانوا يخوضون معركة التحرير، فيخفض آبناؤکم رؤوسهم عاراً من تاريخ آبائهم، مقابل رؤوس أبناء الشهداء والأسرى المرفوعة والشامخة.

ثم في النهاية حضروا أجوبتكم لله، يوم يقوم الناس لرب العالمين.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023