بقلم/ محمود شريتح
ركزت الصحافة الإسرائيلية والمحللون العسكريون الذين كانت تستضيفهم القنوات الإسرائيلية، على ما أسمته "محدودية المواجهة" من قبل المقاومة الفلسطينية لقواتها التي اجتاحت مخيم جنين، ووضعت الفرضيات المفسرة والشارحة.
أحد التفسيرات اعتبر أن ذلك كان بتأثير الصدمة، فالمقاومون الفلسطينيون أصابتهم الصدمة نتيجة "المفاجأة الإسرائيلية".
تفسير آخر: المفاجئ للفلسطينيين كان المهنية العالية "للجيش الإسرائيلي"، وحجم القوات المشاركة في العملية ونوعيتها، المهم بحسبهم المقاومون هربوا، المقاومون اختبؤوا، ثم يبدأ بعد ذلك كيل المديح والإطراء على مهنية الجيش الإسرائيلي! وعلى بسالة جنوده! وعلى إمكانياته العظيمة! وعلى إنجازاته الكبيرة!.
على مدار اليومين للعملية كنت استمع إلى تلك التحليلات، ولم تفارقني حالة استغراب ممن اعتبروا أنفسهم "خبراء" و"مختصين" و"محللين أمنيين واستراتيجيين" و"ضباط سابقين".. إلخ، هل غاب عن هؤلاء أن المواجهة الدائرة في جنين ليست مواجهة بين جيشين في حرب كلاسيكية؟! هل غاب عنهم أن ما يجري هو حرب عصابات؟ هل غاب عنهم أن "جيشهم العظيم" يواجه أفراداً؟! هل غاب عنهم ألف باء حرب العصابات؟! هل غابت عنهم أبجديات الجاريلا" وحرب العصابات؟!.
إن غاب عنهم فعلينا أن نعيد تعريف "الخبراء" و"المختصين" و"المحللين الأمنيين والاستراتيجيين"، وإن لم تغب عنهم وتعمدوا ذلك فلا بد أن وراء ذلك رسائل معنية.
ربما تكون رسائلهم لاستفزاز المقاومين كي يندفعوا ويسهل صيدهم، وهم يعلمون أنهم أهل نخوة وحمية وشجاعة، فكيف يقال أنهم قد هربوا أو اختبؤوا؟ وإن كان الأمر كذلك فهو لا يضير المجاهدين المقاومين، بل عليهم أن يلتزموا أبجديات المواجهة في "الجاريلا" وحرب العصابات، ثم إن الله تعالى قد خفف عن المجاهدين، ولم يكلفهم بالثبات لأكثر من ضعفهم {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن مائة صابرة يغلبوا ألفين بإذن الله ،والله مع الصابرين}، فليس على المجاهدين المقاومين حرج ألا يواجهوا الآلاف المباشرة، وغير المباشرة من طيران ومراقبة وجيش كامل يستعد للخطة التي يمكن أن ينخرط فيها في المعركة، إذا لزم الأمر، إذاً كان من الحكمة تجنب هذه المواجهة بالرغم من أن ذلك لم يحدث كما زعم أولئك "الخبراء"، إن لم تكن الرسائل للمقاومين فقد تكون تغذية راجعة للجيش المشارك في العملية أولاً، ولبقية المجتمع ثانياً، فإن كانت رسائل "الخبراء" و"المختصين" و"المحللين" والقادة السياسية والعسكريين هذا هدفها، فعلى المراقبين قراءة المعنى الحقيقي لتلك الرسائل، فمن هو الذي يكون بحاجة إلى إظهار البطولات؟ ولماذا؟ وكيف إذا كانت تلك البطولات مُتوهَمة؟! هل تهدف إلى رفع معنويات أحد؟ هل من المكن أن تكون تلك الرسائل جزء من عملية علاج تدني الروح المعنوية والعزوف عن التجند للوحدات القتالية؟!، ربما تكون هذه بعض الرسائل وربما غيرها.
وفي الختام لا بد من الانتظار حتى المحاولة القادمة لجيش الاحتلال للعمل داخل جنين ومخيمها، للتأكد من إدّعاء المستوى السياسي والعسكري أن العملية في جنين قد حققت أهدافها، وأهمها إعادة ما أسموه "حرية العمل" أي: اعتقال أو اغتيال أو ما شابه ذلك، دون أن تكون مضطرة إلى خوض معركة حقيقية.
لماذا علينا أن ننتظر حتى ذلك الوقت؟ لأن سكاكين الانتقاد ستعمل عملها على كافة المستويات عندما تضطر قواتهم إلى خوض معركة حقيقية، وسنراقب عندها هؤلاء "الخبراء" و"المختصين" و"المحللين العسكريين" هل سيحافظون على ذات المواقف والتحليلات والتفسيرات، أم سنسمع كلاماً آخر؟.
الردع بكافه أنواعه لم يبقى منه فى رأس الفلسطيني شيئ، سوى الرغبة بالمواصلة والانتقام.
كل تلك النظريات سقطت خلال 48 ساعة وسقط معها مرة أخرى أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والذي قُهر مرتين عندما جعل في مقدمة عمليته جنود النخبة، والذين يعتبر كل جندي منهم عبارة عن ناقله جند مدرعة، ورغم ذلك خرجوا ويجروا معهم آلياتهم العسكرية المدمَرة وقتلاهم، وبعض العبوات الناسفة التي ستبقى تذكار خاص من المخيم إلى هؤلاء.
أما على الجانب الآخر جانب المخيم، فقد أثبتت جنين:
1. أن كل جيل يأتي، يحضر طاقته معه، والتي تكفيه للبدء والمواصلة.
2. مقاومو جنين والذين تدربوا في أزقة المخيم هزموا (1000) من جنود النخبة، والذين تدربوا في أفضل الظروف والقواعد ليس ليوم واحد بل على مدار السنوات الماضية، لذا دخلوا جنين تسبقتهم الأسطورة والخرافة المصاحبة لهم فسقطت.
3. لقد هزمت إرادة القتال في جنين لواء الكوماندوز رقم 98، ولم تعطي لهم حتى ممراً آمنا للدخول والانسحاب، فقد استقبلتهم وودعتهم بالعبوات وإطلاق النار.
4. بنت جنين جدارها الحديدي المضاد في عقول الصهاينة، وأن الفلسطيني الجديد مختلف عن السابق، فهو مقاتل لا يعرف الخوف ومصر على استعادة أرضه وحقوقه، وهو دليل حي على أن الشعوب لا تردع، بل الذين يردعوا هم القيادات والزعماء.
5. فشل كي الوعي وانتصرت استراتيجية تقوية الوعي المقاوم، وأنه من هنا تبدأ معركة وعد الآخرة وقد بدأت.
6. الجيش الصهيوني هرب من جنين ولم ينسحب.
في النهاية انتصرت جنين في كل شيء وانتصر العدو في شيء واحد، وهو تفتيت وحده الساحات وأن ذاك الشعار هو مجرد فقاعة إعلامية وكلامية، لا رصيد لها على الأرض.
كل عام وجنين بخير.. والآن يمكن الإعلان عن البداية الحقيقية والمتواضعة لوعد الآخرة.