تمكنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس من اخضاع دولة الاحتلال لمعادلات متنوعة خلال العامين السابقين، مما أشعر حكومة الاحتلال بالانكسار أمام شعبهم، لذلك تحاول باستمرار تغيير هذه المعادلات بفرض وقائع جديدة، لكن كتائب القسام تفاجئها بما هو جديد في قدراتها العسكرية رغم الإعلان المستمر لرؤساء وزراء الاحتلال بتقويض قدرات حماس العسكرية، لكن صباح يوم السبت السابع من أكتوبر وما بعده يختلف عما سبقه، فأظهرت كتائب القسام ما كانت تخفيه عن عيون العدو وجعلته يتجرأ بالإعلام ليتفوه بهذه الكلمات، ليشاهد العالم بأم عينيه كيف استطاعت أن تجعل من أجهزة الاستخبارات الصهيونية دمية تتلاعب بها حركة حماس، فنال عنصر المفاجأة واقتحام خطوط العدو للغلاف الزخم الأكبر من نجاح عملية طوفان الأقصى، بمشهد لم تتخيله أجهز الأمن الصهيونية بأسوأ كوابيسها، مروراً بجانب الاستعداد والتجهيز والقدرات والتكتيك المستخدم في عملية الهجوم حتى أن وسائل اعلام دول كبرى لم تستطع اخفاء دهشتها لهذا المشهد، مما جعل دولة الاحتلال تصرح عبر وسائل الاعلام بأن هذا اليوم الأسوأ لدولة الاحتلال، لتسطر هذه الكلمات منعطفاً جديداً في الصراع، مثلما شكلت كلمات "نأسف لقد قصفت تل أبيب" في حرب 2012 والتي قلبت المعادلة وغيرت قواعد اللعبة.
المتابع لجميع الحروب والمعارك لدولة الاحتلال يعلم أنها دائما ما تلتف في معاركها بتغولٍ في دماء المدنيين بعد تكبد جيشها لخسائر في المعركة ممكن أن تودي به للهزيمة أو الفضيحة العسكرية، مستغلاً التفوق الجوي لديها لقصف المدنيين لإحداث حالة من الارباك والتغلب على الخصم، وعادةً لا ينظر للخسائر البشرية في الجانب الفلسطيني خلال معارك دولة الاحتلال مع فصائل المقاومة، في ميزان النصر والهزيمة، نظرا لعدم تكافؤ القوى والتجهيزات، حيث أن المقاومة الفلسطينية تعتمد غالبا على التصنيع الذاتي بقدرات محدودة، بالمقابل يُنظر لحجم الخسائر البشرية لدى دولة الاحتلال والتي دائما ما تخفى الأرقام الحقيقية لقتلاها، ومن هنا كان اعتماد كتائب القسام الأول في معركة طوفان الأقصى على إيقاع أكبر قدر ممكن من القتلى والأسرى لجنود الاحتلال ومستوطنيه ونقل ذلك من خلال صور مباشرة للإعلام، ليظهر صورة الجيش الذي لا يقهر كيف تم هزيمته وسحله وأسره من فئة قليلة من كتائب القسام، وبحسب اعلام العدو تجاوز عدد القتلى ال 1000 قتيل ومئات الجرحى والأسرى في ضربة هي الأعنف والأسوأ لدولة الاحتلال منذ قيام دولتهم المزيفة على أرض فسطين.
*لكن يبقى السؤال الأبرز هل لدى كتائب القسام القدرة على ردع دولة الاحتلال ضد جرائمه بحق المدنيين؟*
ومنذ اللحظة الأولى بدء جيش الاحتلال بقصف المدنيين والأبراج والشقق السكنية على رؤوس ساكنيها في كل أنحاء قطاع غزة، محاولا امتصاص فشله بمواجهة كتائب القسام بقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين مع تدميره للبنية التحتية والجامعة الإسلامية، متجاهلا وجود المئات من الأسرى الصهاينة والذين قد يتعرضوا للقصف كما صرح أبو عبيدة الناطق الإعلامي لكتائب القسام، ولا زال العدو يتوعد بتغيير خارطة قطاع غزة، ومما ما يميز هذه المعركة أن كتائب القسام استعدت للعملية وهي تضع كل احتمالات ردة الفعل نصب أعينها وخيارات لجم العدو من خلال:
أولاً: قصف تل أبيب والقدس بعدد كبير من الصواريخ ذات القدرات العالية، واحتمالية ادخال أهداف حيوية جديدة أو مناطق أخرى لدائرة الاستهداف يخضع للتقييم المستمر، حيث أن لدى كتائب القسام صواريخ تصل مداها لأكبر من ذلك كما صرحت من قبل وقد استخدمت صاروخ العياش ذو المدى 250 كيلو في معركة سيف القدس 2021، وقد كشفت كتائب القسام امن خلال المناورة الصاروخية لكتائب في ال 20 من أغسطس بأن لديها صواريخ جديدة لم تفصح عن طبيعتها بعد.
ثانياً: التلويح بقتل عدد من الأسرى لدى كتائب القسام مقابل أي استهداف للمدنيين والشقق السكنية وقد صرح أبو عبيدة الناطق الإعلامي بإمكانية حدوث ذلك، حيث يقول تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال-67).
ثالثاُ: ضرب قلب العدو -رغم أنه بعد اقتحام الغلاف لم يبقى لديه قلب- من خلال مقاومي الضفة الغربية وتحريك الداخل المحتل بعمليات مكثفة وقوية تربك حسابات العدو، أو دخول جبهات أخرى مثل حزب الله للمعركة، وقد بات واضحا تأثير حركة حماس على خلايا المقاومة في الضفة الغربية، وأعتقد أن فلسطينيي ال 48 سيكون لهم دور خلال الأيام القادمة في المعركة الحالية.
رابعاً: لا زال لدى كتائب القسام سلاحا مهما لم يستخدم بعد، وقد طورت به كثيرا خلال الأعوام السابقة والمعروف بسلاح الأنفاق، وهو الهاجس الأكبر لدى جيش الاحتلال وقد استنفذ الجيش طاقات كبيرة لتجنبه وافشاله، وأعتقد أن لدى الكتائب الكثير مما تخفيه بهذا الجانب.
خامساً: تثوير الشعوب العربية لنصرة الأقصى ضمن معركة طوفان الأقصى، وقد بات واضحا لها مدى هشاشة هذا الكيان، وقد بدأت بعملية قتل السياح في محافظة الإسكندرية بجمهورية مصر.
ولذلك مطلوب من أهل قطاع غزة الصبر على جرائم العدو، والبقاء على الثقة العالية بجيش القسام المظفر، وبما أعد لهذه المعركة من مفاجآت والتي ستجعل العدو الصهيوني ينصاع لشروط المقاومة في انهاء هذه المعركة، وما النصر الا صبر ساعة، فلم يبقى لدىن جيش الاحتلال أيٍ من الأوراق لاستخدامها في معاركه، وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: «سنكون يومًا ما نريد، لا الرحلة ابتدأت ولا الدرب انتهى».