إغلاق معبر رفح أمام أهالي قطاع غزة لفترات تتباين مدتها ليس بالأمر الجديد، ولكن عاد للواجهة وبقوة أثناء حرب طوفان الأقصى وعدوان الاحتلال على قطاع غزة وارتكاب مجازر تطهير عرقي، وظهور الحاجة الملحة لتحويل الجرحى والمصابين إلى مصر للعلاج، ودخول المواد الغذائية والطبية والوقود إلى قطاع غزة الذي شددت دولة الاحتلال من الحصار عليه.
خلال مؤتمر "تحيا مصر لدعم فلسطين" الذي عُقد في مصر في 23 نوفمبر 2023، وقف السيسي يدَّعي البطولة وينسب لنفسه الفضل في الهدنة التي بدأت في قطاع غزة، ويبذل جهده للظهور بمظهر الحريص على إنهاء الحرب على غزة، وهو يقول موجهاً خطابه لأهالي مصر:" لازم تعرفوا يا مصريين إنو معبر رفح، لم يُغلق أبداً! (وكررها مرة أُخرى) لم يُغلق أبداً".
خطاب السيسي يكشف سعيه المحموم لقطف ثمار جهود وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة، رغم أن القاصي والداني يدرك تماماً أن السيسي ليس هو من غرس ولا من روى ورعى حتى يحصد الثمار!
وقال السيسي في المؤتمر نفسه:" وإنسانياً كان القرار باستمرار فتح معبر رفح البري لتدفق المساعدات الغذائية والطبية والوقود كذا استقبال الجرحى والمصابين"..
رغم أن الوقائع على الأرض والكاميرات وشهادات المصريين أنفسهم العالقين على معبر رفح طوال فترة الحرب والقصف والحصار وثقت نقيض ذلك تماماً، وحتى بعد تدخل دول أجنبية يحمل غزيين جنسياتها لإجلائهم عن قطاع غزة، سمح الجانب المصري بخروج جزء من الغزيين مزدوجي الجنسية، بينما رفض السماح للمصريين العالقين من جهة غزة بالمرور نحو مصر، كما منع كُثر من مزدوجي الجنسية من الخروج تحت ذرائع شتى.
طوال فترة الحرب التي استمرت 48 يوماً على قطاع غزة.. قُصف القطاع بشكل جنوني، طيران حربي، زوارق بحرية، دبابات ومدفعية تقصف ليل نهار دون توقف ودون استثناء لأي مكان، حتى المشافي والمدارس والمؤسسات والجمعيات.. كلها قُصفت، وقُطع الماء والكهرباء والوقود منذ بداية الحرب عن كامل قطاع غزة، وتوقف إدخال المواد الغذائية والأدوات الطبية عن معبر رفح الذي أُغلق تماماً.
وفي 14/10/2023 تم تداول صور على وسائل التواصل الاجتماعي ومنابر إعلامية أن السلطات المصرية أغلقت معبر رفح بشكل نهائي، بواسطة جدار أسمنتي لا يمكن تجاوزه.
وتحت إلحاح الجهات الرسمية في غزة ومؤسسات حقوقية عالمية ووكالات إعلام عالمية ونشطاء ودعاة ورجال عشائر في العالم العربي والإسلامي، ومؤسسات وروابط ومجامع فقهية وعلماء وغيرهم وضغطهم على السلطات المصرية لفتح معبر رفح لإدخال الجرحى والمصابين من غزة إلى مصر للعلاج لإنقاذ حياتهم، أكد وزير الصحة المصري في لقاء صحفي أن قرار فتح المعبر ليس قراراً مصرياً بالأساس.. ورفض الإجابة عن صاحب القرار بإغلاق المعبر، رغم أن معبر رفح يفصل مصر عن غزة.. ما معناه بالمنطق أن صاحبا السلطة والقرار في فتحه أو إغلاقه هما السلطات المصرية والجهات المسؤولة في قطاع غزة.. ولا يوجد سلطة عليه لأي جهة أخرى!
وتحدثت وسائل إعلامية أنه ضمن الجهود المبذولة لفتح المعبر قاد شيخ الأزهر مبادرة لفتح المعبر، رُفضت جملة وتفصيلا من القيادة المصرية.
لم يقف الحال عند إغلاق القيادة المصرية للمعبر، بل تصدى السيسي للضغط الذي يطالب بفتح المعبر، وأخذ يتذرع بإطباق حصاره على القطاع بمعبر رفح بأنه يرفض مخطط تهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء الذي تطرحه حكومة الاحتلال، وبدلاً من تهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء، اقترح على سلطات الاحتلال أن يتم تهجيرهم إلى صحراء النقب حتى الانتهاء من تحقيق الأهداف التي وضعها دولة الاحتلال من وراء عدوانها على غزة!
وقد قال السيسي بحضور المستشار الألماني لدى زيارة الأخير للمنطقة، والتي بدأها بزبارة داعمة ومساندة للكيان المحتل في حربه الوحشية على غزة:" إذا كان هناك فكرة للتهجير، توجد صحراء النقب في إسرائيل، ممكن (أوي) يتم نقل الفلسطينيين لحتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة، حماس والجهاد وغيرها في قطاع غزة، ثم ترجعهم (بعد كده) إذا شاءت"، وهو تصريح فاضح وصريح للسيسي على موافقته على أهداف إسرائيل المعلنة، وموافقته أيضاً على تنفيذ هذه الأهداف بتصفية المقاومة المسلحة في غزة والقضاء عليها.. برر نية الاحتلال بتهجير أهالي قطاع غزة دون أن يرفق ذلك بإدانة أو حتى تذكير بالهولوكوست ومجازر التطهير العرقي التي يرتكبها الكيان المحتل في قطاع غزة.
ومع بدء الهدنة في قطاع غزى، ظهر السيسي بمظهر الكاسب الذي استطاع تحقيق إنجازات ضخمة، وكما يقولون( يركب الموجة) وكأنه هو صاحب الفضل في التوصل الهدنة وإيقاف المجازر والنزيف في غزة.. فوقف أمام الإعلام في مؤتمر صحفي مشترك بالقاهرة مع رئيس الوزراء الإسباني ورئيس الوزراء البلجيكي يقدم لدولة الاحتلال مقترحات رفضتها دولة الاحتلال منذ أمد بعيد عندما تقدم بها محمود عباس سابقاً.. وهو يقول:" "قلنا إننا مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وأيضا هناك ضمانات بقوات سواء هذه القوات من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية مثلما تروه مناسبا، حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية.. فالحل السياسي الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ما زال بعيد المنال"
ويبدو من كل ذُكر سابقاً أن عبد الفتاح السيسي يمنح جيش الاحتلال فرصاً ذهبية ويهبه الخيارات ليظهر بمظهر المنتصر أمام العالم وأمام جبهته الداخلية، رغم فشله المدوي، وهزيمته المخزية أمام المقاومة في غزة.
د. زهرة خدرج
كاتبة وناشطة فلسطينية