الكاتب: إسلام عزيز
تتداول حسابات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو من لقاء صحفي مع ضابط في الجيش الإسرائيلي ادعى خلاله أنه رأى "مشاهد مروعة"، منها "صفًّا من الأطفال الإسرائيليين المقتولين، معلقين على حبل غسيل"، يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، بعد الهجوم الذي نفذته كتائب القسام، الذراع السياسي لحركة حماس على مستوطنات إسرائيلية حينها.
ويقول الضابط الإسرائيلي في اللقاء "علاوة على قتلهم لليهود، فقد قتلوهم بهدف التنكيل بهم بصورة بشعة جدًا بالإضافة للتمثيل بالجثث والنساء اللواتي اغتصبن، هناك أولاد وأطفال عُلّقوا في صف واحد على حبل غسيل"، مضيفًا "كان مشهدًا صعبًا، وصدمني بشكل كبير، أنت لا تفهم ما تراه أمام عينيك، هل هذه صورة أم واقع حقيقي، من الصعب جدًا استيعاب ذلك ولكنك ترى شيئًا بشعًا، ومن ثم ترى واقع أكثر بشاعة".
تحقق مسبار من القصة وتبين أن المراسل الإسرائيلي يشاي كوهين، هو من أجرى اللقاء مع ضابط الجيش الإسرائيلي، وكان أول ما نشره قبل أن يحذفه لاحقًا.
وقال يشاي كوهين في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة إكس "لقد نشرت مقتطفًا من مقابلة أجريتها مع ضابط في الجيش الإسرائيلي. وفي التعليقات كانت هناك مزاعم بأن قصته كانت غير دقيقة. وكما أكدت، فقد عرُض عليّ إجراء المقابلة مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الذي كان ممثله حاضرًا أيضًا في الصورة"، مضيفًا "لقد حذفتها بسبب الخوف (ولو البسيط) من أن رواية الضابط قد لا تكون دقيقة وأن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمعلومات".
وبعد حذف يشاي المقابلة، قال حساب لناشطة إسرائيلية على إكس، إن "يشاي كوهين نشر مقابلة مرعبة مع ضابط وصف شيئًا صادمًا لا يتطابق تمامًا مع المعطيات على الأرض. في النهاية حذف يشاي الفيديو، ولكن في الوقت الحالي قام حساب مشهور (تقصد حساب Mossad Commentary الذي يروج لادعاءات الخارجية الإسرائيلية) بتحميل الفيديو مرة أخرى، وفي غضون 8 ساعات من نشره عُرض على مئات الآلاف"، مستغربة "كيف يمكنك تحميل مثل هذا الفيديو عبر الإنترنت دون التأكد بنسبة 100 في المئة؟".
وشارك يشاي منشور هذه الناشطة، وعلق عليه بالقول "كما أكدت بالأمس. لقد عرض عليّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إجراء المقابلة. ولم أكن أعرف الشخص الذي أجريت معه المقابلة من قبل. وكان ممثل وزارة الاتصالات حاضرًا في كل فترة التصوير ووافق على البث وفي لقطات أخرى، عندما كانت هناك تعليقات، طلبوا تعديلها أو تجنبها".
وأضاف "بعد نشر الإعلان الترويجي، كانت هناك شكاوى، لذا حذفته على الفور خلال دقائق. ومع ذلك، حتى هذا الصباح، امتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن الادعاء بأن هذه قصة كاذبة. وبالمناسبة، فإن الشخص الذي تمت مقابلته يصر على أن القصة دقيقة، بل وكان هناك شاهد آخر على ذلك".
وقال حساب آخر في التعليقات ردًّا على منشور يشاي، إنه كان يمكنه التحقق بسهولة من هذه المعلومة قبل نشر المقابلة، التي تُعد وصمة لأن هذا الحديث يأتي ضمن الدعاية التي يتم حشدها لدعم رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو ).
ليرد عليه يشاي، قائلًا "أعترف أنني لم أعتقد أنه من الضروري التحقق من صحة القصة التي قدمها ضابط برتبة مقدم، وهو ضابط عام في فرقة غزة، وبرفقته أيضًا ممثل عن الاتصالات". مشيرًا "لماذا يختلق ضابط في الجيش مثل هذه القصة المروعة؟ لقد أخطأت".
وبمزيد من التحقق، وجد "مسبار" أن الشخص الذي ظهر مع المراسل يشاي كوهين في المقابلة هو يارون بوسكيلا، مقدم اسرائيلي متقاعد، ولا يزال يخدم في الخدمة الاحتياطية، وخدم في مناصب قيادية في الجيش الإسرائيلي بدءًا من مقاتل حتى نائب قائد اللواء.
ويشغل يارون حاليًا منصب نائب رئيس حركة (IDSF)، وهي منظمة صهيونية مكونة من آلاف الضباط والنشطاء من جميع فروع قوات الأمن الإسرائيلية، ومكرسة للدفاع عن الأمن القومي الإسرائيلي، وعمل سابقًا كمعلق عسكري في قناة 14 الإسرائيلية، ومستشارًا لغرفة التجارة الإسرائيلية الأفريقية.
وبالعثور على حساب يارون بوسكيلا عبر موقع إكس، تبين أنه يتواجد مع الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ويعمل كضابط في فرقة غزة، ويشارك مقاطع فيديو وصور له بالزي العسكري.
وأجرى يارون لقاءات مع القنوات الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة، ليُعلق على الأحداث واستعدادات الجيش الإسرائيلي للقتال.
بعد نشر مقابلة يشاي كوهين مع يارون بوسكيلا، أكدت العديد من الحسابات الإسرائيلية، أن يارون بشأن "رؤية أطفال معلقون على حبل الغسيل في صف واحد"، لم تحدث وأكدت على أنه لم يكن موجودًا أبدًا في المكان بعد هجوم القسام، ولا دليل على حدوث هذه الواقعة، ووصفها البعض بـ"الكذبة السخيفة بشكل درامي".
وردًا على منشور شكك في القصة، أكد يارون مرارًا أنه بالفعل رأي الأطفال معلقين يوم السابع من أكتوبر.
وبحث "مسبار" عن ادعاءات يارون بشأن قتل المقاومة الأطفال وتعليقهم على حبل غسيل خلال هجوم السابع من أكتوبر، ولم يُعثر على أي تقارير إسرائيلية تؤكد هذه المزاعم.
وتأتي هذه الادعاءات في سياق الدعاية الإسرائيلية المضللة المستمرة منذ بدء الحرب الأخيرة على قطاع غزة. إذ سبق أن انتشرت قصة مشابهة عن مراسلة في قناة i24 الإسرائيلية روجت لمزاعم بشأن "قطع رؤوس أطفال إسرائيليين والاعتداء الجنسي على رهائن من قبل عناصر حماس"، بعد هجوم الحركة على غلاف غزة خلال عملية طوفان الأقصى، ونشرت العديد من وسائل الإعلام القصة قبل أن تتراجع عنها بسبب عدم نشر ما يؤكد صحتها، ونشر "مسبار" حينها تقريرًا يفند هذه المزاعم.