المؤرخ محمد إلهامي
منا من يموت باسلا مجاهدا يقظا واعيا يذيق عدوه بعض ما يذوق، فأولئك هم أهل غزة وأشباههم..
ومنا من يموت من العجز والشلل والكمد في كل لحظة ألف مرة، ثم هو يساق إلى الموت أو الاعتقال لا يملك دفعا ولا ردا.. وأولئك من كان لهم حظ من الوعي في بلاد العرب!
وأما أكثرهم فيموتون وهم مخدرون مسلوبٌ وعيهم، يحسبون سجونهم أوطانا، وحكامهم الخونة العملاء وطنيين، لا يعرفون عدوا من صديقا، لا يعرفون سبب النكبة ولا طريق الحل فيها.. مأساة مضاعفة متكاملة متراكمة متراكبة!!
هذه مأساة غزة.. نفد فيها الكلام قبل أن ينفد الرصاص والصواريخ، وتوقف فيها الحس قبل أن يتوقف القتل، كما قال الشاعر قديما:
ما أرانا نقول إلا .. مُعادا من قولنا مكرورا
ولو تأمل كل واحدٍ منا في حاله وحال بلده، لأيقن بعين البصر والبصيرة، أنه قد يكون مكان أهل غزة غدا.. فما في أرض المسلمين بقعة محصنة أن تندلع فيها حرب..
ويخبرنا حالنا من العجز في حالة غزة، بأننا نسير إلى المصير نفسه.. بل أسوأ منه، فلئن كانوا قد دخلوا حربهم متسلحين بما عندهم من إيمان واستعداد.. فإن بقية هذه الشعوب ستسقط في الحرب كما يسقط الثور في الحفرة؛ فجأة، على حين غفلة، دون استعداد ولا قدرة!!
وحينها يعلم الجميع، أن أهل غزة كانوا كراما، أحياء وأمواتا.. وأن مأساتهم ليست إلا ذروة الأمل والرجاء إذا قورنت بمأساة الشعوب العاجزة المكبلة الغافلة!!
وإنا لله وإنا إليه راجعون!
تلك مأساة لا ينجو منها، بحياة كريمة أو بموت عزيز، إلا العاملون المجاهدون!