هل ساهمت اسرائيل في نجاح عملية السابع من أكتوبر من حيث لا تدري؟


ثمة عوامل كثيرة ساهمت في نجاح عملية السابع من أكتوبر والثبات العظيم للشعب الفلسطيني لما يقارب السبعة أشهر في وجهة الاجرام الصهيوني، وبرغم جسامة التضحيات التي يُقدمها الشعب الفلسطيني، الا انه من غير المُتوقع أن يتراجع او يستسلم. بل ان المُتتبع للأحداث والتحليلات لكل خُبراء الاستراتيجية في العالم ومن بينهم الاسرائيليون يُدرك أن الشعب الفلسطيني في طريقه لتحقيق الانتصار خلال سنوات قليلة يُتوج بها تضحياته بانهيار المشروع الصهيوني. 

يُمكن تقسيم العوامل التي ساهمت في نجاح الفلسطينيين في تنفيذ عملية السابع من أكتوبر والوقوف في مواجهة جيش الاحتلال حتى اللحظة إلى أربعة أقسام أساسية:- 
- عومامل ذاتية
- عوامل داخلية 
- عوامل خارجية 
-عوامل اسرائيلية 

في هذا التقدير سنتحدث عن العوامل الاسرائيلية التي ساهمت في نجاح الفلسطينيون في تنفيذ عملية السابع من أكتوبر وما يُقدمونه من ثباتٍ عظيم في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تُمارسها اسرائيل بحقهم في غزة.

ارتكبت اسرائيل ستة أخطاء استراتيجية كانت بمثابة العوامل المساعدة في نجاح عملية السابع من أكتوبر والتي تحتاج الى مزيد من القراءة والتحليل وفي تقديري أن هذا ما ستستخلصه وتقوم بعمله المؤسسة السياسية والعسكرية الاسرائيلية، ويمكن رصد تلك الأخطاء على النحو التالي:- 

١. حصارها لغزة على مدار ١٧ عام مما جعل الناس يعتادون ويتأقلمون على اقتصاد الحرب وقلة الامكانيات وبالتالي ابتداع بدائل للمواد الممنوع إدخالها عليهم مما خلق أمام الغزين حالة إبداع عجيبة ساعدتهم في تحمل ويلات الحرب الحالية 

٢. قيام اسرائيل بشن اعتداءات قوية ومُتكررة على قطاع غزة على مدار ١٧ عام من بينها ٤ حروب طاحنة، الامر الذي جعل الغزيين يعتادون على حياة الحروب التي تُقربهم من الله وبالتالي تُؤهلهم نفسيا وروحانيا لتلقي نبأ الشهادة وهدم البيوت برضا وتسليم بقضاء الله دون ضجر.

٣. ساعدت تلك الحروب والاعتداءات المق..او..مة الفلسطينية على تدريب مقاتليها وتأهيلهم بشكل عملي وسد الثغرات وتصحيح الأخطاء وتطوير امكانياتها العسكرية وكأنها تقدم لها برنامج مناورات حية لتطوير قدراتها بشريا ولوجستيا، كما وساهمت في كسرت حاجز الخوف لدى مقاتليها في مواجهة الجندي الاسرائيلي الذي تبين لها أنه أقل من عادي.

٤. حالة الغطرسة والعربدة غير المنطقية التي مارستها القيادتين السياسية والعسكرية في اسرائيل على مدار ١٧ عشر عاما في حصارها لغزة، والتي أعمت عيونها عن رؤية الحقيقة، فسيناريو ٧ أكتوبر كانت المق..او..مة قد طبقته في ثلاث مناورات مكشوفة رصدتها كاميرات المراقبة الاسرائيلية عبر طائراتها وأقمارها الصناعية، ولكنه لم يكن في مُخيلة القيادة الاسرائيلية أن تمتلك المق..او..مة الجرأة والشجاعة لتنفيذ ذلك السيناريو لما تمتلكه اسرائيل من تحصينات هائلة على حدود قطاع غزة تجاوزت إمكانيات وقدرات خط بارليف الذي بنته على قناة السويس عقب احتلالها لسيناء عام ١٩٦٧. 
وهو ما أكده الجنرال الصهيوني غسان عليان الذي قال في حديثٍ له على التفلزة الاسرائيلية: نحن لا نستطيع أن نفسر كيف فعلت ح..م..ا..س ذلك، نحن نرصد الطيور عندما تجتاز حدود قطاع غزة، فيكف تمكنوا من تنفيذ عملية العبور هذه.

٥. حصر خيارات الفلسطينيين في خيار المقاومة المسلحة فقط بعد ان أجهزت الحكومات الاسرائيلية المُتعاقبة على كل خيارات السلام وإمكانية إيجاد حل سلمي عادل لقضيتهم بل وأفقدتهم الثقة بكل هذا المسار والقائمين عليه وعززت ثقتهم بالمق..او..مة التي كانت قريبة منهم وكونها من يتولى الدفاع عنهم.

٦. سماحها لغُلاة المستوطنين باستباحة المسجد الأقصى بشكل شبه يومي في محاولة جادة للسيطرة عليه بشكل كامل وتقسيمه زمانيا ومكانيا والتنكيل بسكان القدس الفلسطينيين في حي الشيخ جراح مما أثار حفيظة الفلسطينيين وحميتهم وجعلهم يتقبلون أي ثمن يُمكن أن يدفعونه مقابل ردع اسرائيل 

يبدو إن تصميم إسرائيل والولايات المتحدة على استمرار الحرب في غزة لن يفت في عضُد الغزيين بل سيزيدهم صلابة وعداوة لإسرائيل وحُلفائها وتصميماً على مواجهتها لا التعايش معها في ظل المتغيرات العالمية الجارية في النظام الدولي لغير صالح الغرب، والتي قد تؤثر على المشروع الصهيوني بشكل سلبي اذا ما انفجرت شعوب الإقليم في وجهة أنظمتها المُتخاذلة كما يتوقع غالبية خبراء الاستراتيجية في العالم. عندها سيدفع كل اسرائيلي ثمن الخطايا التي ارتكبتها قيادته ضد الفلسطينيين. 
فهل من عاقل في اسرائيل يتدارك الموقف؟ 

كمعايش للحرب في شمال غزة أرى أن الغزيين لديهم ارادة عجيبة على الحياة وخلق الامل من بين الموت والدمار، فلم يعّد الناس يكترثون بأعداد الشهداء أو القتل او التدمير تسليما بقضاء الله وقدره.

فترى القذائف و الصواريخ تضرب الناس في الأسواق. يستشهد من يستشهد، تهرب الناس قليلا ولكنها سرعان ما تعود، يعود الباعة والحركة كما كانت في اليوم التالي ورُبما في نفس اليوم.

أتسائل في نفسي؟
ما هذا الاصرار العجيب على الحياة؟

رُبما يقول البعض أنهم مضطرون ولا خيار أمامهم، 
هذا صحيح ولا جدال فيه، ولكن الذي لا يمكن فهمه بطريقة منطقية هو القدرة العجيبة لهذا الشعب على الصبر والتحّمل. ومع تسليمي بايمان الناس بالله وبقضائه وقدره، إلا أن الأمر يحتاج إلى عملية تأهيل مستمرة حتى يصل الناس إلى هذا المستوى من الصبر والاحتمال.

وهذا  ما أفسره كخبير في ادارة الحكم والسياسة من خلال قرائتي لمشهد الدولة في فرض قوانينها على شعبها بالقوة والاجبار حتى يتقبلها الشعب بعد سنوات وتُصبح عادة لديه، وهذا ما فعلته إسرائيل بالغزيين على مدار ١٧ عام من الحصار والحروب والقتل والتدمير.

فقد ساهمت اسرائيل من حيث لا تدري في بناء جيل صلب قوي اعتاد على التحدي والثبات بسبب ممارساتها الاجرامية ضده (فالقط الاليف يُصبحُ نمراً مُفترساً اذا ما حبسته في غرفة مُغلقة) 

وكأنني أرى أن اسرائيل ربت موسها (موسى) بيدها ليقتل فرعونها بيده عندما يأذن الله بذلك ولا أظنه بعيدا كما كل الخبراء في التاريخ والسياسة. والله غالبٌ على أمره

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023