بما أن الحديث في ذكرى مولده عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فإن الحديث عن شخصيّته الجامعة يطول ، فهو الاوّل لا يتقدمه أحد في الميادين كافّة: الشئون التربوية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والقيادية ... الخ وممكن أن يجري الحديث في الدروس اليومية كل يوم عن رسول الله في ميدان محدد وتتوّج في الخطبة تخصيص الحديث عن أهم ما نحتاجه من شخصية رسول الله وفق الظرف المحيط بنا: والذي أراه أن رسول الله جاء بأعظم ثورة عرفتها البشريّة ، غيّر منهجيّا الحياة كاملة وانقلب على الجاهليّة بكلّ تفاصيلها فكانت ثورة أنتجت سيادة حضاريّة بكل أبعادها، علّمنا كيف يواجه الحق الباطل وكيف ينتصر عليه ، وقبل ذلك كيف نغيّر ما بأنفسنا تغييرا كاملا فننتصر على جاهليتها لننتصر بعد ذلك على جاهلية المجتمع ثم جاهلية العالم بأسره، كيف تنتقل الامّة من ذيل الحضارة الانسانيّة إلى قيادتها والسيادة الكاملة عليها ، وهنا نشرح قليلا عن أوضاع العالم اليوم وجاهليته التي هيمنت فيها دول الاستكبار والاستعمار وجعلت من العالم غابة يحتكم الى شريعة الغاب وقد كشفت حرب الابادة الجماعية في غزة ظلم وجاهلية هذا العالم المستبدّ.
تماما كما كان العالم قبل مجيء الاسلام ، وهنا نؤكد ان الاحتفال برسول الله يعني الانحياز الكامل لنهجه والانتصار به على هذا الظلم، وغزّة الان تعلي راية الحق ومواجهة الظلم العالمي وتنتصر لرسول الله بدمها ومالها وأغلى ما تملك .
هذه الملحمة العظيمة مستوحاة تماما من شخصية رسول الله التي نجحت في أعظم ثورة حيث بنى الفرد والامّة على قاعدة التوحيد والتي تعني رفض الخضوع لغير الله وبناء أمّة حرّة مستقلّة وهذا حجر الاساس في الانتقال من حالة التبعية للاخرين إلى حالة السيادة الحضارية، ومن حالة الذلّ والخنوع والهزيمة إلى حالة العزّة والكرامة والانتصار، هذه هي معالم الثورة في بناء الذات الثورية وأمّة الثورة التي لا تذل ولا تنكسر .
وهنا من الضروري التطرّق للاهداف الاسرائيلية في هذه المرحلة وهي اخضاع الضفّة الغربية لسياسة التطرف التي تقودها هذه الحكومة المتطرفة والقائمة على الرفض المطلق للحقوق الفلسطينية والدفع باتجاه التهجير والخضوع والتحوّل إلى قطيع يسوقه سموتريتش إلى حيث يريد وفق معتقداته الفاشية النازية العنصرية. غزّة عرفت الطريق مهما كان الثمن مدمّرا فإنّه أهون من الاثمان الباهظة التي تنتظرنا إن رضخنا لسياساتهم التي لا ترى لنا وجودا في هذه البلاد.
محمد رسول الله والذين معه ، ونحن اليوم نعلنها مدوية أننا معك يا رسول الله وهذا يعني أن نكمل الطريق : أشداء على الكفار رحماء بينهم .. وهنا من الضروري التوقف عند هذه المعادلة: لا يمكن أن نحقق الوحدة والتآلف والرحمة إلّا إذا كنّا أشداء على أعداء الله ، أيّ على قاعدة الرفض المطلق للمشروع الصهيوني .
وممكن شرح بقية صفات الذين مع رسول الله ، ثم وعد الله لهم (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما .. ووعد التمكين في الارض .
هكذا نكون مع رسول الله وهكذا نحتفل بإحياء ذكرى ميلاد رسول الله فخير المحتفلين من يجسّدون هذه الاية الكريمة عملا وتضحية وفداء وثورة وهل هناك أعظم تجسيدا هذه الايام من غزّة ومن معهم في الضفة و لبنان واليمن..