رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) العميد درور شالوم ": "القضية الفلسطينية موضوعة أمامنا كقنبلة موقوتة"
وقبيل تقاعده من جيش الدفاع الإسرائيلي، يُشعل رئيس قسم الأبحاث في العميد درور شالوم بعض أضواء التحذير، موضحاً لماذا ليس من المؤكد أن الخروج من الاتفاق النووي يخدم إسرائيل، ولماذا كان يعتقد أنه كان ينبغي الإطاحة بالأسد وما كان يُحتدم تحت أجراس السلام في العالم العربي.. الرجل الذي تعرض لجميع أسرار البلاد العميقة – مجرد مشاهدة نتفليكس تحقق من تفجير هيروشيما عام 1945، والتفكير في طهران من عام 2020، ويشعر بالضيق.. حتى بات مضطربا جداً.
حيث اعتبر رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، درور شالوم، أن هناك خطرين مركزيين على إسرائيل، "التهديد الإيراني، وخطر انهيار السلطة الفلسطينية".
وجاءت أقوال شالوم في مقابلة نشرتها صحيفة "يديعوت احرونوت" اليوم، الجمعة، وأنه يختلف مع نتنياهو حول تعامل إسرائيل مع السلطة الفلسطينية أيضا.. وبصفته ممن يعتبر من واضعي "التقييمات القومية لإسرائيل"، قدم شالوم أمام الحكومة الإسرائيلية، سنويا، تحذيرا من احتمال حدوث "انفجار مع السلطة الفلسطينية".. حيث اعتبر مجريات الأحداث مرتفعة على مستوى اعتبره من فئة "الإنذار الاستراتيجي".
فهو يرى أن "الجيل الشاب في مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والذي يبحث عن شق طريقه، ولكن بوجود كورونا والضائقة الاقتصادية، فالأمر مهيئة للانفجار، ولن نتجاوز الإرهاب من يهودا والسامرة وحسب.. وكلما تصاعد قمنا بخفضه.. ولكن هناك ثلاثة أمور الآن تحافظ على الهدوء النبي في الضفة الغربية : وجود الجيش الإسرائيلي، الوضع الاقتصادي شبه المستقر، ودور التنسيق الأمني".
مع الرغم من توقيع إسرائيل اتفاقيتي التحالف وتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، وما يزعم به نتنياهو بأن القضية الفلسطينية أصبحت شيئا من الماضي، وليست أولوية عربية، إلا أن شالوم حالفه في التقديرات وشدد على أن "القضية الفلسطينية موضوعة هنا أمامنا كقنبلة موقوتة. وهذا ليس شيئا سيحدث صباح غد.. لكن التفكك هناك محتمل في اليوم الذي يلي (أبو مازن) الرئيس الفلسطيني محمود عباس"، ومن الخطر والخطأ تجاهل هذا الأمر. فهذا تحدٍ اقتصادي، مدني، وقدرة على السيطرة على الحكم هناك.. وتقوية السلطة الفلسطينية هي مصلحة أمنية – إسرائيلية، وهذه ليست مقولة سياسية".
وأضاف أنه "مستحيل الاعتقاد أن العالم العربي قد يتجاهل القضية الفلسطينية فجأة.. فالقضية الفلسطينية هي القاسم المشترك الأدنى للعالم العربي كله، وفي نهاية الأمر، أما وقد جرى التوقيع على اتفاقيتي التطبيع ومشروع الضم قد تأجل.. وحالة الشرق الأوسط اليوم منقسم ومشتت، وارتفاع نسب البطالة عن العمل ويفتقد شبابه الأمل.. فلا توجد طبقة وسطى، كما لا توجد مكانة للمرأة.. وهذا (وضع المؤقت) سينفجر بين حين وآخر.. و اتفاقيات السلام والتعاون معنا إنما هي كقشرة رقيقة. وتغلي من تحتها كراهية تجاهنا.. وعلينا أن نعرف ونفكر كيف نجعل وضع منطقتنا أفضل، وإلا فإن هذا الوضع سيصل إلينا.. ولن نتمكن من السيطرة".
أما بالنسبة لقطاع غزة فيرى شالوم بأنه "جبهة ثانوية.. ورغم أنه ليس تحديا وجوديا، لكنه تحدٍ.. وقد بنينا قدرات كبيرة هناك". وأضاف مع أن "احتمالات التصعيد في غزة ارتفعت. وقبل أربع سنوات وضعنا إنذارا استراتيجيا بشأن غزة.. ورغم أن جهات قالت حينذاك إنه توجد وفرة هناك، لكن تحليلنا أظهر أن الضائقة المدنية – الاقتصادية هناك أكبر مما يمكن احتماله، الأمر الذي من شأنه أن يدفع حماس إلى تغيير سياستها".
وحين سؤال شالوم عن رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، أجاب أنه "زعيم من نوع آخر: إرهابي، لكن يهمه أن يظهر أنه ينجح في إعادة إعمار غزة.. ولذلك هو لا يسعى إلى حرب هناك.. كما أن حماس تدرك جيدا قوة الجيش الإسرائيلي.. وهي تعمل بطريقة.. "أقترب من السياج الأمني، وصعّد ضجيجا تحت سقف الحرب، وإسرائيل توفر لك الرد.. وهكذا نشأ وضع اشتباكات متقطعة لعدة أيام كل مرة في السنوات الأخيرة".
واعتبر شالوم أنه "لابد إيصال حماس إلى نقطة حضيض، وهذا صائب في استراتيجية طويلة الأمد بدون حرب.. وإذا قمنا احتللنا غزة فرضا، فمن سيحكم هناك؟ نحن؟ يريحني إبقاء غزة هكذا، لأنني أريد الآن أن أركز على إيران.. وحماس موجودة عند مفترق تغيير تاريخي.. وما زالت منظمة إرهابية بارزة، لكنها حركة وطنية – فلسطينية أيضا.. وهم ينصتون جيدا للجمهور الفلسطيني، وعلينا أن نحافظ هناك على استمرار المساعدات الاقتصادية – إنسانية تحت سقف الضغط والمطالبة بإعادة الأسرى والمفقودين".
وأضاف ما نريد اليوم في غزة "أن نرفع رأسهم فوق مستوى خط مياه الصرف الصحي، وأن أحافظ هناك على نسيج حياة اجتماعي معقول، ويبقى جيدا أقل بنسب متفاوتة مما هو في يهودا والسامرة، كي لا يفكروا في تفعيل أية أنشطة في مناطق يهودا والسامرة وإظهار بطريقة أن حماس نجحت.. ومع أن تعاظم القوة في غزة مستمر، حاليا، وكذلك تتعاظم الضائقة الاقتصادية، وحجم المنظمات ’المتمردة ومثل الجهاد الإسلامي فهي كذلك تحدٍ كبير جدا أيضا.. والوقت يداهمنا، وينبغي أن نعمل أكثر".
إيران ولبنان
يتوقع شالوم أن محادثات بين إسرائيل ولبنان حول حدود المياه الإقليمية بينهما، أدت إلى "ارتفاع احتمالات تطور الأمور باتجاه اتفاق سلام"، لكنه استدرك أن "بإمكان حزب الله إحباط ذلك، إذا اتخذ قرارات خاطئة".
وفيما يتعلق بإيران، قال شالوم إنه "لم يثبت حتى الآن أن الانسحاب من الاتفاق النووي خدم إسرائيل".. وأضاف أن "إيران بعيدة عن السقوط على ركبتيها.. وتستلم.. وهي لم تتراجع.. وثمة أهمية بالنسبة لي أن أوضح أنني أؤيد استراتيجية الضغط على إيران.. وإيران كدولة كبرى في المنطقة.. ضعفت.. لكن الاستراتيجية الأميركية المستقبلية هي رفع أقصى حد من الضغوط، وعقد صفقة.. والسؤال هو هل ستكون الصفقة جيدة لنا في نهاية الأمر؟".. إن الإجابة على هذا السؤال هي أنه "توجد لدي أيضا انتقادات على الاتفاق، وهو مليء بالعيوب.. وفي نهاية الأمر، توجد حاليا بسبب ذلك مراقبة أقل على البرنامج النووي في هذا الاتفاق.. وربما تكون إيران كدولة كبرى قد ضعفت، لكن هذا لا يعني أنه تم لجم طموحاتها في البرنامج النووي.. لكن كان في ذلك الاتفاق النووي رغم ثغراته ونواقصه، حيز من التأثير على مواضيع أخرى، وكان من الصواب العمل من أجل تصحيحها لا وقفها".
وأكد شالوم أنه يخيم على إسرائيل "خطر واحد.. لابد التفكير به.. وهو تعاظم قدرات حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله.. وجميعها (مستمدة) من إيران.. وعندما تمتلك سلاحا نوويا، ستصبح المعركة كلها أشد تجاهنا".
وتوقع شالوم أن "إيران ستصل إلى وضع تكون فيه بحوزتها قنبلة بعد سنتين من قرارها بهذا الخصوص.. وسنتين ليست فترة طويلة، وهذا يقلقني جدا.. فإذا كانت هناك قنبلة بحوزة إيران، فإن المعركة كلها ستتحرك في اتجاهان قطعا". وأضاف أن ثمة احتمالا كبيرا أن تعلم إسرائيل باتخاذ إيران قرار لصنع سلاح نووي، "لكن لا يمكنني أن أقول ذلك بشكل مؤكد".
وتطرق شالوم إلى فخره بخطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، وحديثه عن "مصنع صواريخ" في بيروت، قائلا "إنني فخور جدا بذلك.. فقد تسبب هذا بحرج بالغ لنصر الله.. ونحن نعلم ما الذي سارع إلى إخراجه من هناك.. حيث تصبب نصر الله عرقا في يوم الخطاب.. وهو في حالة منحرجة جدا.. وقد أدرك نصر الله مدى مستوى اختراقه استخباراتيا".
وتابع شالوم أن "مشروع دقة الصواريخ في لبنان متعرقل، بفضل عملياتنا فوق الأرض وتحتها.. وأن (قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني هو من دفع نصر الله إلى ذلك، وقد انجر وراءه مما شكل خطرا على نفسه.. ولن يستطيع نصر الله الآن أن يقول "أوقفوا هذا المشروع" ، لكنه سيدرك أن هذا المشروع المستمر قد يقود إلى حرب ويمكن أن يؤخرها كذلك.. وحاليا يدرك نصر الله أنه وضع لبنان على برميل مواد متفجرة.. وأنه أسير لدى السلطات الإيرانية.. ومع رغم ما يتعرض له الآن من ضغوط داخلية.. وتراجع مكانته، فسيدفعه حتما بأن تجعله يرتكب الأخطاء".