تسفي برئيل
هآرتس
إن المحادثات المباشرة بين الموفد الخاص للرئيس دونالد ترامب آدم بوهلر مع زعيم "حماس" في غزة خليل الحية، بشأن قضية المخطوفين، أقلقت صنّاع القرار في القدس. وخصوصاً رون ديرمر وبنيامين نتنياهو. لكن ينبغي ألّا تفاجىء أحداً. لقد وصف بوهلر المحادثات بـ"المفيدة جداً"، وأبدى تفهُّمه لموقف إسرائيل الرافض للمحادثات، وشدد في مقابلة أجرتها معه شبكة "السي أن أن" على أن "الولايات المتحدة لن تعرّض إسرائيل للخطر". ويمكن أن نفهم من كلامه "أن شيئاً ما قد يحدث خلال أسابيع"، والمقصود تحرير كلّ المخطوفين، وليس فقط الذين يحملون الجنسية الأميركية. ويمكن الافتراض أن يُجدَّد مثل هذه المحادثات، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وسواء أثمرت المحادثات نتائج، أم لم تثمر، فإنها فُسّرت في إسرائيل بأنها انحراف خطِر عن السياسة الأميركية التقليدية التي تدعو إلى عدم إجراء مفاوضات مع تنظيم "إرهابي". لكن هذا الانحراف غير موجود فعلاً. ففي الماضي، تفاوضت الولايات المتحدة مع منظمة التحرير الفلسطينية عندما كانت تُعتبر تنظيماً "إرهابياً"، وقبل زمن طويل من اتفاق أوسلو؛ كذلك، شارك موفدو ترامب في المفاوضات المباشرة مع زعماء طالبان، ووقّعوا اتفاقاً في شباط/فبراير 2020، يقضي بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، والرئيس بايدن احترم الاتفاق. أيضاً التقى موفدون أميركيون الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، قبل توقُّفهم عن اعتباره "إرهابياً"، وألغوا جائزة العشرة ملايين دولار في مقابل رأسه. وطوال سنوات، امتنعت الولايات المتحدة من إجراء محادثات مباشرة مع حزب الله، لكن مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، بينهم رئيس الاستخبارات الفرنسية، التقوا كبار مسؤولي الحزب من أجل الدفع قدماً بوقف إطلاق النار. ولم تحتج واشنطن، أو إسرائيل، على ذلك.
فالسذاجة والتزمُّت، وأيضاً الخوف من "الشرعية" التي تسعى "حماس" لتحقيقها من خلال المحادثات المباشرة مع المندوبين الأميركيين غير مبرّرة. المفاوضات غير المباشرة مع "حماس" من خلال "وسطاء"، مثل قطر ومصر، هي فعلياً مفاوضات مباشرة بكلّ معنى الكلمة. إن "غير المباشر" ظاهري، ولا يمكنه إخفاء جوهر العملية الدبلوماسية. وأكثر من ذلك، تتحدث إسرائيل مباشرةً مع قطر التي لا تُعتبر دولة معادية فعلاً، لكنها تُعتبر في إسرائيل دولة مؤيدة "للإرهاب"، وتنسّق مع السلطة الفلسطينية، مدنياً وأمنياً، وحظيت في إسرائيل بلقب "سلطة إرهابية لا تختلف عن حماس".
السؤال الوحيد هو: هل المفاوضات المباشرة مع تنظيم "إرهابي" يمكن أن تدفع قدماً بصفقة المخطوفين، وتؤدي إلى حلّ في غزة؟ هذا هو السؤال الذي كان ماثلاً أمام عيني ترامب عندما "افتتح" الوساطة مع طالبان وتحدث معهم مباشرة. وبهذه الطريقة، فسّر بوهلر الفائدة من اجتماعاته بكبار مسؤولي "حماس". وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، قال: "إن الحوار معناه أن تسمع ما يريده الآخر ومعرفة ما إذا كان هذا يتلاءم مع ما نريده نحن، ولاحقاً، الفحص كيف يمكن تحقيق شيء ما بين الأمرين من دون حرب"، هكذا بكل بساطة. ومثل هذا "الحوار" المباشر لا يلتف على الدول الوسيطة، ولا يتخلى عن دورها الضروري في الضغط على "حماس". فهذه الدول هي التي يجب أن تتدخل في كل اتفاق يجري التوصل إليه، والمساعدة في تطبيق المخطط العملي الذي توصل إليه الحوار.
أمّا بالنسبة إلى التخوف من أن الحوار سيعزز قوة "حماس"، ويُكسبها اعترافاً أميركياً ودولياً، فمن الأفضل التذكير بأن إسرائيل هي التي خرقت الاتفاق الذي وقّعته، والذي جرى التوصل إليه من خلال مفاوضات غير مباشرة. وبذلك، هي وضعت الولايات المتحدة في موقف لا تساوي ضماناتها الورقة التي كُتب عليها الاتفاق. والنتيجة هي أن الولايات المتحدة تفضل أن تكون طرفاً في المفاوضات، وليس فقط دولة وسيطة تستخدم أدوات ضغط. علاوةً على هذا كله، لا يمكن أن يحلّ هذا الحوار محلّ الإذن الذي أعطاه ترامب لإسرائيل "لكي تفعل كل ما تريده من أجل إنهاء القضية"، أو استئناف الحرب في غزة.
الحوار مع "حماس" ليس المؤشر الوحيد إلى استعداد ترامب لتغيير التكتيك الدبلوماسي التقليدي. هناك الرسالة التي أرسلها لزعيم إيران علي الخامنئي، والتي "دعاه" فيها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، والتي وصلت مصحوبة بتهديد غير خفي، حذّر فيه من أن "شيئاً سيحدث قريباً، وقريباً جداً". لكن مثلما هي الحال مع "حماس"، كذلك مع إيران، فإن ترامب الذي يتطلع إلى مفاوضات مباشرة، لا يتخلى عن الدول التي تقوم بالوساطة: السعودية، وقطر، والإمارات، وعُمان، وربما روسيا. منذ وقت، أصبحت هذه الدول جزءاً لا يتجزأ من التحركات السياسية التي تقوم بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه.
يكفي أن نذكر المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الأول الذي كان بوساطة من سلطنة عُمان؛ والكويت الدولة التي توسطت، بناءً على طلب من الولايات المتحدة، في عملية المصالحة بين السعودية ومصر والإمارات وبين قطر؛ كذلك توسطت قطر بين الولايات المتحدة وإيران في المفاوضات التي أدت إلى إطلاق الأسرى الأميركيين من السجون الإيرانية، وأيضاً في الاتفاق مع طالبان؛ والإمارات شاركت في مسعى الوساطة بين الولايات المتحدة وبين إيران.
قسم من هذه الدول يشارك اليوم في العملية السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى المصالحة بين الولايات المتحدة وروسيا. كما أنه يشارك في مساعي إنهاء الحرب في أوكرانيا. ومن المتوقع أن يصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الرياض هذا الأسبوع، حيث سيجتمع كبار المسؤولين الأوكرانيين بموفدي الرئيس ترامب، وبوزير الخارجية ماركو روبيو. إن منظومة العلاقات المزدوجة التي بنَتها المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة مع موسكو، ومع الولايات المتحدة، وتجاهُلها العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو، من جهة، ومن جهة أُخرى نيتها استثمار نحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة؛ وسيطرتها على أوبك، وعلى سعر النفط في السوق العالمية؛ والاعتماد عليها كآلة صرف للمال من أجل تمويل إعادة إعمار لبنان وسورية، وربما غزة، فضلاً عن العلاقة العائلية القديمة بين عائلتَي ترامب وبن سلمان، أمور كلها حوّلت السعودية من "دولة منبوذة"، بحسب بايدن، إلى جزء من الاستراتيجيا الأميركية في المنطقة، حتى لو لم تحقق رؤية ترامب بشأن التطبيع مع إسرائيل.
أمّا دولة الإمارات، الشريك التجاري الأول والمهم لروسيا في الشرق الأوسط، فتُعتبر مثل السعودية، لقد تجاهلت هي أيضاً العقوبات على روسيا. وفي المقابل، هناك علاقات وطيدة تربط محمد بن زايد بالرئيس الأوكراني زيلينسكي. فهذا الأخير وقّع اتفاقاً كبيراً بشأن التعاون التجاري مع أبو ظبي، يمكن أن يساعده على ردم فجوة التمويل، بعد قرار ترامب وقف تقديم المساعدات لكييف.
إسرائيل لا تندرج ضمن هذه الشبكة من العلاقات. والأخطر من ذلك، أنه يمكن أن تُعتبر عبئاً مزعجاً على ترامب لدى استكمال رسم خريطة العالم الجديد الذي يخطط له. في هذه الخريطة، ستكون روسيا حليفة ضد الصين، وإيران ستوقّع اتفاقاً نووياً جديداً، وستشكل دول الخليج حزام أمان يضمن تحييد الصين والتهديد النووي الإيراني، في مقابل استثمارات هائلة. من غير المؤكد أن هذه الخريطة ستتحقق، لكن التطلع إلى تحقيقها والخطوات السياسية المرافقة لها سيفرضان على إسرائيل بناء موقعها في المنطقة حالياً. كذلك، عليها أن تقرر استراتيجيا أوسع من السيطرة على محور فيلادلفيا، أو التوصل إلى صفقة مخطوفين.