الفلسطينيون وسياسة الحكومة المنتخبة صهيونيا
بقلم / اسلام صالح
كاتب فلسطيني ماجستير دراسات إقليمية جامعة القدس ابو ديس
نشر المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد يوما مقالة في الحياة اللندنية بتاريخ 30/1/1996 استهجن فيها اهتمام الراحل عرفات بمتابعة نتائج الانتخابات الإسرائيلية في ليلة الاعلان عنها عام 1992 . وذلك عندما التقوا في عمان في ذلك الحين، وقد فسر سعيد هذا الاهتمام انه مراهنة خاسرة على الزعيم الصهيوني اسحاق رابين ومن خلفه شمعون بيرس ، خاصة وهو يسمع ما يبثه الزعيمان عن آمال السلام والتسوية .
ولطالما أعربت القيادة الفلسطينية للمنظمة عن ثقتها برابين وبالرئيس الأمريكي وقتها كلينتون ، ومصداقية نواياهم لاحلال السلام في الشرق الأوسط ، ولقد عاودت قيادة السلطة تلك المراهنات بحسن النوايا على ما عرف بمعسكر الوسط في إسرائيل بزعامة اولمرت في نهايات العقد الأول من القرن الحالي بعد مؤتمر أنابوليس ، وقد سمعنا أكثر من مرة أسف القيادة الفلسطينية على ما حل بأولمرت من اتهامات أزاحته عن مشهد الحكم . ومع أننا لا نرى في الجولات الأخيرة من الانتخابات الصهيونية مراهنات معلنة من جانب السلطة إلا أننا نلمس اهتمامهم بامكانية انتهاء عهد نتنياهو واليمين ، وذلك للبحث عن إمكانية العودة لسياسات إسرائيلية تخرج السلطة من مأزقها السياسي والاقتصادي.
وهنا لن نستفيض في إلقاء الضوء على سياسات معسكر الوسط واليسار إذا ما فاز، لكننا نلاحظ أن هذا التيار الصهيوني لا يمتلك في الحقيقة رؤية مغايرة عملية في إطار الصراع ، فهو يستخدم شعارات الحرص على إعادة ترميم العلاقات مع السلطة وما يسمى العرب المعتدلين وفكرة حل الدولتين لتوفير غطاء دبلوماسي عربي ودولي لضرب المقاومة والاستمرار في المشروع الاستيطاني الصهيوني ، وما دامت لا زالت فرص تيار اليمين ممكنة وقوية في تشكيل ائتلاف حاكم ، فلا بد من الالتفات لسياسات اليمين الصهيوني بزعامة نتنياهو ،والذي أضفى مصالحه وطموحه ورؤيته الشخصية على السياسة الإسرائيلية بشكل عام ليشكل خلطة جديدة أصبحت سائدة وعقيدة سياسية قوية لا بد من التدقيق فيها ، فالمطلوب فلسطينياً ومن جانب حماس تحديداً وهي تتزعم تيار المقاومة أن تلتفت أكثر الى السلوك السياسي لنتنياهو واليمين وهو يتقدم ويتجسد في الميدان في حربه ضد الشعب الفلسطيني .
فلم يعد القول أن كل الصهاينة أوجه لعملة واحدة كافٍ في رسم السياسات ضد المحتل ، فليس المطلوب ان تبقى المقاومة جسماً جامداً امام سياسات مراوغة يعمد إليها العدو وهو يتملص من استحقاقات عليه ان يدفع ثمنها أمام قدرات المقاومة وصمودها ، من هنا لا بد من سياسات تحدٍ دائم مناسبة مقابل تكتيكات سياسة العدو مع الحفاظ على ثبات الاستراتيجة البعيدة للمقاومة وهي تدافع عن ثوابت شعبنا المعروفة .
ومن باب التذكير ولفت النظر لمحددات سياسة اليمين الايدلوجية الممزوجة مع مصالح نتنياهو فإنه يمكن تلخيصها بالسياسات الآتية :
أولا : إدارة الصراع من خلال سياسة عدم الفعل ما أمكن والمراوحة في المكان واطالة الزمن دون قرار حاسم، تماماً كما يبرز في التعاطي مع الأزمة الأمنية والتحدي الذي تشكله المقاومة في غزة ، وتنافي موضوع حصار غزة وليس انتهاء ًفي إهمال أزمة الأسرى والمفقودين الاسرائيليين في غزة ، وفي نفس الوقت استغلال الزمن في المزيد من تهويد الأرض ، وإضعاف المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة .
ثانياً : سياسة الحسابات المتأنية والحذرة حتى لو اتاحت الفرصة العمل وفق أجندة اليمين ، تماماً مثل التردد في ضم الأغوار والمستوطنات بعد الإعلان عن صفقة القرن . وهو ما يبرز في التعامل مع ردود الفعل المحدودة اتجاه جولات الصواريخ مع المقاومة وعلى مهاجمة حزب الله في الأراضي اللبنانية .
ثالثاً : العمل على تسويات إقليمية مع من يسمونهم العرب المعتدلين ، اولا ، كخطوة تسبق أي طروحات مع الفلسطينيين ، فنتنياهو يرى أن دولاً عربية تهرول للتحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران وما يسمى التطرف الإسلامي ، فهذه هي المشكلة الحقيقة في الشرق الأوسط، وليس القضية الفلسطينية من وجهة نظره .
رابعاً: الإلتزام الراسخ بوصف إسرائيل كدولة وضعٍ راهن كما عبر عنها بن غوريون في كل المجالس ، فنتنياهو يتعامل مع المعطيات اولا بأول ويحافظ على الأوضاع القائمة ما لم يتسبب ذلك بأزمة كبرى لدولتهم ، وهذا ما نلمسه في التعامل مرة أخرى مع غزة من جهة ، ومع السلطة في الحفاظ على التنسيق الامني من جهة دون التسبب في العلاقات السياسية والمراهنة على الدور المصري والقطري والاممي لحل اي أزمة قد تطرأ .
خامساً : يرى نتنياهو أن نظرية الانتظار والمراقبة أثبتت صحتها ، وهو يرى أن التغييرات الحادّة في العالم والإقليم لم تستقر بعد ، تماما كما حصل بعد الثورة المصرية حين خشيت بعض الدوائر في إسرائيل مما حدث ، لكن سرعان ما تغير الوضع ليعود لصالح إسرائيل ، وعلى العكس وعلى الجانب السوري فبعد توهم دوائر إسرائيلية امتناعها عن دعم الاسد المدعوم ايرانيا فإن نظام الأسد وقواعد إيران بدأت تعود بصورة أوضح .
خلاصة القول مما سبق ، وإضافة لهدف نتنياهو الواضح في البقاء بالسلطة بأي ثمن ،فان تلك السياسات المذكورة لا يجب ايصالها من الفلسطينيون ومقاومتهم وهم يبحثون عن كل ما من شأنه إحداث تصدع في دولة الاحتلال .