غزة بدايةُ حربٍ وليست نهايتها

د. فايز أبو شمالة

محلل سياسي- كاتب

بقلم/ د. فايز أبو شمالة

من البقعة الجغرافية المحاصرة، والأكثر اكتظاظاً على وجه الأرض، بدأت حركة حماس معركة طوفان الأقصى، واشتعلت مع الصهاينة نيران حربٍ دخانها الأحقاد، ووقودها الحجارة والعباد، حربٌ لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلاً، من شدة القبح الصهيوني، والقتل والذبح والتجويع والترويع والنزوح والرحيل، حربٌ لها مرجعيتها التاريخية والتوراتية، ولها حاضرها العدواني المعبأ بالوحشية والخوف من المجهول لكلا طرفي الصراع.

وتواصلت الحرب على غزة لمدة سنتين، ظن خلالهما العدو الإسرائيل أنه قادر على مواصلة الاستفراد بغزة كما يحلو له، وان لديه الدعم الأمريكي المطلق، وأن لديه السلاح الفتاك، وان لديه الذرائع والحجج في تحطيم قوة حركة حماس، واسترداد أسراه، ليغوص العدو الإسرائيلي في وحل الإرهاب، ويوغل في حرب الإبادة الجماعية، بشكل استنفر شعوب الأرض، فخرجت عواصم الدنيا كلها تهتف لغزة، وتنشد رفع الحصار، وتطالب بالحرية للشعب الفلسطيني.

العدو الإسرائيلي الذي اعتاد على تزييف التاريخ، ولوي عنق الحقائق، واعتاد عبر قرون على ارتداء ثوب الضحية، هذا العدو بان على حقيقته الإرهابية خلال المحرقة على غزة، فكانت الإدانة لقيادة الكيان الصهيوني من محكمة الجنايات الدولية، ومن محكمة العدل الدولية، وكانت الثورة الشعبية التي فرضت على المستوى السياسي لدى الكثير من الدول التي أنشأت دولة الكيان؛ لأن تتخذ مواقف معادية للصهيونية، إن لم تكن غير متعاطفة معها، في عملية تحول تاريخية، أجبرت الرئيس الأمريكي ترامب على طرح خطته لوقف إطلاق النار، وهو يردد، لقد تجاوز نتانياهو الحدود في غزة، وصارت إسرائيل منبوذة على مستوى العالم، وأنا معنى بإصلاح الحال.

غزة بدأت معركة طوفان الأقصى من داخل غزة، ليمتد طوفان غزة حتى أقاصي الأرض، ويصل إلى استراليا في الشرق، وهي تخرج بمظاهرات المليون ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، ويصل حتى البرازيل وكولمبيا في الغرب، ورئيسها يعلن في الأمم المتحدة أنه مستعد لأن يكون جندياً في جيش عالمي يعمل على تحرير فلسطين من الصهاينة.

غزة كانت البداية، وغزة لن تكون النهاية لمعركة طوفان الأقصى، ولاسيما أن الدول الثمانية العربية والإسلامية التي التقت مع الرئيس ترامب، حددت موقفها الرافض للعدوان، رغم أن بعض هذا الدول لما يزل يقيم علاقات دبلوماسية مع العدو الإسرائيلي، إلا أن الدول الثمانية العربية والإسلامية قد اتخذت موقفاً موحداً ضد العدوان الإسرائيلي، ووقفت إزاء حرب الإبادة الإسرائيلية موقف الرافض لتهجير أهل غزة، والرافض لتجويعهم، والرافض لممارسة حرب الإبادة الإسرائيلية ضدهم، حتى صاروا جزءاً من المعركة التفاوضية، وهذه وفق تقديري قد تكون البداية لمعركة حقيقية ميدانية في اللحظة التي يتمادى فيها العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، لذلك لا يجب الاستخفاف بلقاء الدولة الثمانية التي التقت مع ترامب في نيويورك، ويجب أخذ بيان الترحيب بموافقة حركة حماس على خطة ترامب على محمل الجد، حيث رحب وزراء خارجية جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية إندونيسيا، وجمهورية باكستان الإسلامية، وجمهورية تركيا، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، في بيان مشترك بالخطوات التي اتخذتها حركة حماس حيال مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، وإطلاق سراح جميع الاسرى، أحياءً وأمواتًا، والبدء الفوري بالمفاوضات للاتفاق على آليات التنفيذ.

هذا الترحيب المشترك لثمان دول وازنة وقادرة يعكس الانغماس السياسي والروحي لهذه الدول الثمانية بالحرب على غزة، ويعكس موقفاً عربياً وإسلامياً من الواجب أن يتطور إلى ممارسة الفعل الميداني، بعد أن تنكر العدو لاتفاقية وقف إطلاق النار، ليواصل حربه على أهل غزة، ويواصل الحصار وإغلاق المعابر، ومنع سفر المريض والجريح للعلاج في الخارج.

غزة بدأت معركة طوفان الأقصى، وغزة وافقت على وقف إطلاق النار على أمل أن تتوقف الصواريخ الإسرائيلية عن التساقط فوق رأس أهل غزة، غزة وافقت على وقف إطلاق النار على أمل أن تكف المسيّرات الإسرائيلية عن التحليق في سماء غزة، ولاسيما بعد اتمام صفقة تبادل الأسرى الإسرائيليين الأحياء، غزة تمنت أن تصمت نبرة الأحقاد الصهيونية على أهلها.

غزة تنتظر من أمتها العربية والإسلامية، ولاسيما من الدول الثمانية، التي شاركت في مهرجان شرم الشيخ، وكانوا شهوداً على وقف إطلاق النار، غزة تنتظر منهم التدخل، والضغط على أمريكا لتضغط على العدو الإسرائيلي ليوقف عدوانه، وهم القادرون، وهم المؤثرون في الساحة الدولية، وهم المدركون للمعادلة التاريخية والسياسية، وأبعادها الاستراتيجية على كل المنطقة، فالدول الثماني تدرك جيداً أن الرماد الذي تركته محرقة غزة في وجدان الجماهير العربية والإسلامية يخبئ في جوفه الجمر المتقد، والجاهز للاشتعال مع أي هبة ريح في منطقة تتقلب على عواصف المتغيرات.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025