الخطر الحقيقي في قضية المدعية العسكرية العامة

المصدر : يسرائيل هيوم

ترجمة حضارات 

بقلم : يوآف ليمور

كان رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير منشغلاً في نهاية الأسبوع أيضاً بقضايا أُخرى، وفي مقدمتها قضية المدعية العسكرية العامة التي تهزّ الجيش.

فزامير، مثل سلفه، يعتبر ما حدث إهانة شخصية: العميدة يفعات تومر يروشالمي كذبت عليه، تماماً مثلما كذبت على المحكمة العليا.

تُعدّ هذه القضية من أخطر القضايا التي عرفتها المنظومة الأمنية في العقود الأخيرة، وجوهرها لا يكمن في تسريب المواد المتعلقة بحادثة التعذيب التي يُزعَم أنها ارتُكبَت بحق أسير من "حماس" في قاعدة "سديه تيمان"، فالتسريبات كانت وستظل موجودة، بل إن بعضها أخطر وأكثر تهديداً لأمن الدولة من هذه القضية، ولم يحظَ بأي قدر من الصدى الذي تحظى به القضية الحالية.

لقد أحسنت المدعية العسكرية صنعاً حين استقالت، فالمسألة لا تتعلق فقط بالتسريب والإضرار بجنود الجيش في ظل الضجة العالمية التي أثارتها القضية، بل تتعلق أيضاً بالمسّ بالمؤسسة التي تعمل تحت سلطتها وفوقها، وفي الأساس، بسيادة القانون. ففي رسالتها الطويلة المفعمة بالاعتذارات، زعمت أنها أرادت حماية المؤسسة والقانون، لكنها تسببت بأذى بالغ لكليهما. وسلوكها هذا يشبه، إلى حد كبير، ما فعله كبار ضباط جهاز الأمن العام ["الشاباك"] في قضية "الخط 300"، حين تحوّل حرصهم على أمن الدولة إلى فضيحة تكتّم وأكاذيب، تماماً مثلما حدث الآن.

سيحتاج جهاز الادعاء العسكري العام إلى هزة عميقة بعد هذه القضية. ولن تذهب تومر يروشالمي وحدها، بل من المرجح أن يُقال أيضاً ضباط كبار آخرون تورطوا في القضية بشكل مباشر، أو غير مباشر. فهناك محامون عسكريون أكفّاء يمكنهم استبدالهم وإعادة بناء الجهاز، مثل العميد دورون بن باراك، الذي شغل سابقاً منصب نائب المدعي العام العسكري، ثم الرقيب العام على الرقابة العسكرية، وفي الأعوام الأخيرة، تولى منصباً رفيعاً في جهاز أمني آخر.

إن مهمة الادعاء العسكري هي تمكين الجيش من أداء مهماته وحماية جنوده. وخلال نهاية الأسبوع، طُرحت مزاعم، مفادها بأن تومر يروشالمي عملت على تعطيل بعض العمليات عمداً، لكن هذه المزاعم هراء كاذب ومُغرض. لقد رفعت إنذاراً في الحالات التي خشيت فيها من تورُّط القادة والمقاتلين، كي لا يجدوا أنفسهم متهمين بارتكاب جرائم حرب. كانت تلك وظيفتها، وهي وظيفة الادعاء العسكري عموماً، ليس أن يكون فرقة تشجيع، بل حارس البوابة القانونية.

نفاق كاتس

ومثلما كان متوقعاً، سارع فريق المنافقين إلى الهجوم على المدعية العسكرية، وعلى رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس. فالرجل الذي لم ينبس ببنت شفة حتى الآن بشأن تسريب أخطر كثيراً إلى صحيفة "بيلد" الألمانية، تضمّن تسريب مادة سرية عرّضت مصدراً استخباراتياً للخطر، ومن المرجح أنها أدّت إلى إفشال صفقة تبادُل أسرى، كان ثمنها حياة عدد من الرهائن، سارع إلى إعلان نيته سحب رتب المدعية العسكرية.

لو أبدى كاتس الشجاعة ذاتها في مواجهة ما يحدث داخل مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أو في التعامل مع زملائه في الحكومة والكنيست، والمشتبه في ضلوعهم في مخالفات جنائية خطِرة، لكفانا ذلك. لكنه لا يتجرأ إلّا على مَن هم دونه في المنصب: فعندما يُطلب منه حقاً حماية الأمن، أو القانون، يختفي ويصمت، ويداه ترتجفان حتى أمام مهمة بديهية، مثل دعم الادعاء العام في مساعيه لمحاكمة النائبة تالي غوتليف، التي خالفت القانون حين نشرت اسم مسؤول كبير في "الشاباك".

يجب أيضاً التذكير بأن هذه القضية لا تبدأ ولا تنتهي عند التسريب وجهود الإخفاء والتغطية التي تلته، والتي ستتحول الآن إلى تحقيق جنائي، وربما إلى لائحة اتهام ضد المدعية العسكرية. فهذه هي "الطبخة" التي سبقتها "بيضة" على شكل قضية تعذيب خطِرة يخضع المسؤولون عنها للمحاكمة حالياً. وإذا كانت إسرائيل تريد إعداد دولة تحترم القانون فعلاً، فلا يمكنها التعامل مع أعدائها بوحشية، فهذا هو الفارق بينها وبينهم.

من المرجح أن تُستغل هذه القضية لمواصلة الهجوم على سيادة القانون، وخصوصاً على المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة. لقد طالب بعضهم فعلاً في نهاية الأسبوع بإبعادها عن التحقيق في القضية، على الرغم من أنها هي مَن أمرت الشرطة بفتح التحقيق، بعد أن بلّغها زامير الأمر.

لكن هذه التفاصيل لا تهمّ كثيراً أولئك المنخرطين في الحملة المستمرة ضد المنظومة القضائية، فبالنسبة إليهم، تمثل القضية الحالية فرصة أُخرى لدفع "الثورة" قدماً، إذ يشمل جدولهم هذا الأسبوع أيضاً إضعاف الديمقراطية من خلال تشريع يقيّد وسائل الإعلام.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025