اتفاق التوازن التركي الروسي
بقلم / ناصر ناصر
9-3-2020
خرجت أطراف الملف السوري راضية ، وإن بطرق وأشكال مختلفة من اتفاق موسكو 5-3 بين الرئيسين اردوغان وبوتين ، والقاضي بوقف اطلاق النار في منطقة إدلب ، وإيجاد ممر آمن بعمق 6 كم شمال وجنوب محور m4 ، وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة ، وهذه في الغالب حالات الاتفاق بين اطراف كبرى ومتكافئة ، فالروس يستطيعون القول بأنهم اوقفوا الاندفاع التركي والاستنزاف للجيش السوري في عملية درع الربيع دون ان تتراجع قوات النظام المدعومة براً وجواً من موسكو وطهران وحزب الله .
أما النظام السوري فيمكنه القول انه استعاد مناطق جديدة وبسط سيطرته على أجزاء اخرى من سوريا على حساب المعارضة ، فماذا يمكن ان يقول الأتراك " وعلى الهامش الفلسطينيين أيضا " عن الاتفاق ؟
تابع الفلسطينيون او معظمهم او كثير منهم على الأقل باهتمام بالغ تطورات التصعيد الاخير في ادلب ، وقد تكون قلوبهم في وادٍ وعقولهم في وادٍ آخر ، ولقد رجحت الاولى كفة المواقف الشعبية ، بينما رجحت الثانية توازنات المواقف الرسمية ،حتى جاء اتفاق موسكو ليوقف هذا التناقض الظاهر ، ويختم التصعيد وان مؤقتا على الاقل بتوازن معين ومعقول ، فالقتال في هذه المنطقة وبين تلك الاطراف قد لا يخدم قضية الفلسطينيين والعرب والمسلمين الاولى ، التي تسعى لحشد كافة طاقات العالم والامة لنصرتها ، فما بالك ان كانت اطراف القتال تدعم وان بدرجات واشكال مختلفة قضية القدس والاقصى .
استطاعت تركيا في هذا الاتفاق تثبيت مكاسب سياسية واستراتيجية كبيرة جدا ووقف إمكانية خسارتها ، فوثيقة موسكو أكدت اتفاقية سوتشي التي تعتبر وعلى نطاق واسع الغطاء السياسي والاقليمي والدولي ، والذي يعطي شرعية هامة للوجود التركي على الأراضي السورية ، وتحديداً في نظر أطراف الملف السوري ، وأهمها روسيا وايران ، وتبقى إشكالية تركيا ومعضلتها في الوظيفة التي أوكلها لها " اتفاق سوتشي " وهي مواجهة ما يسمى " بالقوى الارهابية " في ادلب . فهل وكيف سيتغير التعامل التركي مع هذه المعضلة في مرحلة ما بعد درع الربيع .
قد تكمن المصلحة التركية في " استمرار عملية مواجهة القوى الارهابية " في ادلب ، وبشكل أدق في قبول أطراف الملف السوري بجدية استمرار المواجهة وليس في حسمها على الأقل في المرحلة القريبة القادمة ، وذلك بغض النظر عن قدرة تركيا على حسم هذه القوى عسكرياً واستيعاب النتائج السياسية ، أو رغبتها الصادقة في إنهاء كافة أشكال ومظاهر الارهاب في المنطقة .
لقد أصبح الارهاب ورقة تستخدمها كافة الاطراف الصديقة والعدوة العادلة والظالمة لمصالحها وأهدافها الخاصة والعامة ، والسؤال التركي يبقى مفتوحاً : ماذا بعد حسم "القوى الارهابية" في ادلب ؟ ومن سيقطف ثمار هذا الحسم ؟
طالما لم تكن صورة الإجابة واضحة ، فمن المستبعد ان يتم الحسم -على افتراض القدرة عليه في المرحلة القريبة – والاخطر من ذلك من سيسبق من ؟ اتضاح صورة الجواب على السؤال التركي ، أم اندلاع مواجهة صعبة اخرى بين تركيا وروسيا ومعها حلفاء النظام السوري ؟
لا يتعلق الامر بالحكمة والحزم التركي فقط ، انما بنوايا وإرادات الاطراف الاخرى ومنها وعلى رأسها امريكا ، التي لا تبدو راغبة في استقرار الاوضاع في سوريا كما ظهر جليا في إعاقتها لبيان داعم لاتفاق موسكو في الامم المتحدة امس ، واستعدادها لتزويد تركيا بالذخيرة للقتال لا للباتريوت للردع وكسر التوازنات .