رونين بريغمان
يديعوت أحرونوت
ترجمة حضارات
في الحملة الهادفة إلى إسقاط سيادة القانون، ينشر وزير الأمن إسرائيل كاتس و"مروّجو السُموم في الشبكات" كذباً فجّاً: أن المدّعية العسكرية العامة تؤيد "النخبة".
كأن المحكمة العسكرية لم تُقرّر عند تمديد الاعتقال أن هناك أدلة قوية من مصادر متعددة وقرائن موضوعية على شبهات تعذيب الأسير الفلسطيني، تصل حدّ "ارتكاب فعل لواط في ظروف اغتصاب"، وكأنّ لائحة الاتهام القاسية ضد المتهمين لم تُعرض علناً، هكذا يركب اليمين على خطايا المدّعية العسكرية السابقة يفعات تومر–يروشاليمي لتغذية نظرية "الدولة العميقة" وتدمير النيابة العسكرية.
عبادة الذات في تصريحات كاتس
في كل تصريح يصدر عنه، يكرّر كاتس استخدام المتكلّم المفرد: "أنا أبارك"، "أنا قررت"، "أعلنت"، "سأتأكد بنفسي".
حتى حين يتصرف آخر في الساحة بصورة مستقلة، يرفض الوزير أن يُنسب أي فضل لغيره، وفي 31 تشرين الأول، كتب أن "المدّعية العامة استقالت كما ينبغي"، ثم بعد ساعات ادعى أنه هو من قرر إقالتها قائلاً: "هذا الصباح أعلنت عن عزلها من منصبها".
"افتراء الدم" كأداة سياسية
يُعيد كاتس في كل بيان الحديث عن "أخطر افتراء دم ضد جنود الجيش"، متّهماً المدّعية بأنها "تفضّل مصلحة مخربي النوخبة على مصلحة الجنود"، بل وهدّد بسحب رتبها وسجنها، رغم أن التحقيق لم يبدأ بعد وليس من صلاحياته اتخاذ مثل هذا القرار.
هذه اللغة التصعيدية تحوّلت إلى شعار يتبناه اليمين المتطرف لتبرير حملته على النيابة العسكرية والمستشارة القضائية للحكومة.
أكاذيب لا أساس لها
وزيرة المواصلات ميري ريغِف زعمت في مقابلة تلفزيونية أن الفيديو الذي بُث في القناة 12، هو السبب في "امتناع الرئيس بايدن عن إرسال السلاح لإسرائيل"، مدعية أنه أظهر "جنود الجيش يغتصبون نساء من النوخبة".
لكن هذا الادعاء كاذب تماماً. المقطع الذي بُث هو جزء من الأدلة في محاكمة علنية، ولم تُجرَ عليه أي تعديلات. المحكمة العسكرية نفسها أكدت وجود أدلة طبية وشهادات متعددة تدعم وقوع التعذيب، وليس "افتراء" ضد الجيش.
الحقائق القضائية في قضية"سدي تيمان"
في تموز 2024 أُدخل معتقل من حماس إلى المستشفى بحالة خطيرة، يعاني نزيفاً داخلياً وكسوراً عديدة.
حقّقت الشرطة العسكرية واعتقلت عشرة من جنود الاحتياط في "قوة 100" للاشتباه بتعذيب الأسير، بما في ذلك اعتداء جنسي.
القاضي العسكري توفي هارت كتب أن الأدلة "متعددة المصادر وتدعم بوضوح الشبهات"، وأن "الإصابات لا يمكن تفسيرها باستخدام قوة معقولة".
أحد الجنود فشل في اختبار كشف الكذب بعد أن سُئل إن كان أدخل جسماً إلى شرج المعتقل.
لاحقاً، وُجّهت إليهم لائحة اتهام تضمنت:
الضرب والركل والدوس على الجسد، استخدام جهاز صعق كهربائي على الرأس، وطعن الأسير بجسم حاد في المؤخرة مما تسبب له بتمزق في المستقيم وكسور في الأضلاع وثقب في الرئة.
اضطر الأطباء إلى إجراء جراحة معقّدة وتركيب فتحة مؤقتة للأمعاء (ستوما).
في النهاية حُوّلت تهمة الاغتصاب إلى "تعذيب بظروف مشددة"، وهي جريمة عقوبتها 21 عاماً من السجن.
من الأكاذيب إلى التحريض
رغم أن المحكمة وثّقت الأدلة بوضوح، أطلق وزراء وأعضاء كنيست من اليمين حملة تحريض، زاعمين أن التحقيق "افتراء دم" ضد الجنود.
منهم من قال علناً إنه "لا وجود لشيء اسمه تعذيب النوخبة"، بل "يجب قتلهم"، كما صرّح النائب نيسيم فاتوري.
الوزير إيتمار بن غفير دعا المدّعية إلى "رفع يدها عن جنود الاحتياط"، معتبراً أن الجنود "لا يُعتقلون كالمجرمين".
أما الوزير سموتريتش فصرّح أنه "لا يوجد شيء اسمه إرهاب يهودي"، في تبرير صريح للتعذيب.
انهيار مفهوم القانون
القاضي العسكري شدد قائلاً: "يحظر المساس بالمعتقلين مهما بلغت جرائمهم، هذا ما يفرضه القانون وقيم الجيش".
لكن حكومة نتنياهو تجاهلت ذلك، ولم تدِن الاعتداء على محققي الشرطة العسكرية ولا اقتحام المحكمة.
اليمين المتطرف لا يهمه القانون ولا الحقيقة، بل يسعى إلى تحطيم الأجهزة القضائية كي يُخضعها لإرادته السياسية.
كاتس نفسه، في بيان تعيينه للمدّعي العسكري الجديد إيتاي أوفير، لم يذكر كلمة "قانون" قط.
قال إن مهمته "تنظيف النيابة العسكرية ودعم الجنود لا الدفاع عن حقوق مخربي النوخبة"، ما يعني عملياً استبدال سيادة القانون بولاء سياسي.
الخلاصة
القضية التي وُصفت زوراً بأنها "افتراء دم ضد الجيش" هي في الواقع جريمة موثّقة ضد أسير فلسطيني، أثبتتها الأدلة الطبية والقضائية.
الذين اختلقوا الأكاذيب هم من يمارسون "افتراء الدم الحقيقي" ضد الحقيقة، وضد القانون، وضد ما تبقّى من أخلاق الجيش الإسرائيلي نفسه.