الذهب الرقمي أم غسيل الأموال؟ داخل شبكة الكريبتو التي تربط ‏ترامب ويتكوف الإمارات

نداف فيلدمان

ذا ماركر

ترجمة حضارات


هكذا نجح رئيس الولايات المتحدة ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط في جمع مليارات الدولارات في صورة عملات رقمية من مجرمين ومن الإمارات، وتنظيم سوق العملات المشفرة بقانون أمريكي جديد، "فقط الله يعلم أي عمليات احتيال يخطط لها هؤلاء الأشخاص".

عندما هبط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أحد أيام الربيع الماضي بطائرته المروحية في نادي الغولف الذي يملكه قرب واشنطن العاصمة، كان في استقباله مئات الأشخاص المتحمسين، فقد جاؤوا لحضور مؤتمر احتفالي نظمته في 22 مايو شركة العملات المشفرة التابعة لترامب – World Liberty Financial (WLF) – التي تأسست في أكتوبر 2024، قبل أسابيع من فوزه في الانتخابات الرئاسية، على بطاقة الدعوة كُتب: "الدعوة الأكثر حصرية في العالم"، وتحته أضيف: *"الرئيس ترامب معروف بلقب ’رئيس الكريبتو‘! في هذا العشاء الحميمي، ستسمعون الرئيس ترامب يتحدث عن مستقبل العملات الرقمية."

خلال كلمته القصيرة أمام الحاضرين، كان مشروع الكريبتو الخاص الذي أطلقه ترامب مع ابنيه، إريك ودونالد جونيور، ومع صديقه المقرب ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وابنيه زاك وأليكس، قد جمع بالفعل استثمارات بقيمة 550 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من نشاطه، من بيع 25 مليار عملة رقمية، وأُطلقت في مارس عملة رقمية جديدة باسم UDS1 مرتبطة بالدولار الأمريكي (وهو ما يُعرف بـ"العملة المستقرة" – Stablecoin).

في الموقع الرسمي للشركة يظهر ترامب وويتكوف بلقب "مؤسسان شرفيان"، وتُظهر بيانات الشركة أن عائلة ترامب تستحوذ على 75% من أرباح المشروع، فيما تملك عائلة ويتكوف 12.5%، والباقي غير معلن.

وفي مايو الماضي أعلنت الشركة أن ويتكوف "بصدد بيع حصته بالكامل" بسبب موقعه الرسمي كمبعوث رئاسي، إلا أنه وفقًا لتقارير أغسطس، لم ينفذ البيع فعليًا حتى تقديمه تقريره الأخلاقي الأخير.

انقلاب سياسي وتشريعي لصالح الكريبتو

في يناير وقّع ترامب أمرًا رئاسيًا يسمح بـ"التطوير المسؤول للأصول المالية الرقمية"، وأسس فريقًا رئاسيًا لوضع إطار تنظيمي جديد لسوق الكريبتو، وفي مارس وقّع أمرًا آخر لإنشاء "احتياطي استراتيجي من البيتكوين والأصول الرقمية" للحكومة الأمريكية، وفي الصيف أقرّ مجلس النواب قانونًا ينظم العملات الرقمية المستقرة المرتبطة بالدولار.

هذه السياسة تعني تحولًا جذريًا عن نهج إدارة بايدن السابقة التي ركزت على مخاطر الاستثمار في الكريبتو بسبب فضائح الاحتيال، وانهيارات الأسواق الرقمية، وتورط عصابات إجرامية في غسيل الأموال.

كان تنظيم سوق الكريبتو أحد وعود ترامب في حملته الانتخابية لعام 2024، ما أكسبه دعمًا ماليًا ضخمًا من مستثمرين وشركات في هذا القطاع بلغت أكثر من 200 مليون دولار لحملته، إضافة إلى 18 مليون دولار لصندوق تنصيبه، منها تبرعات من شركات كبرى مثل Coinbase.

قنبلة أغسطس: الكريبتو في صناديق التقاعد

في أغسطس فاجأ ترامب الجميع عندما أصدر أمرًا رئاسيًا جديدًا يفتح صناديق التقاعد الأمريكية 401(k) للاستثمار في أصول الكريبتو، هذا القرار ألغى تعليمات بايدن التي طالبت بـ"حذر شديد" تجاه العملات الرقمية. بذلك سُمح لصناديق تدير 8.8 تريليون دولار من أموال المتقاعدين بالاستثمار في الكريبتو، ما أثار قلق الديمقراطيين الذين حذروا من "تعريض مدخرات الأمريكيين للمقامرة بأدوات مالية غير مستقرة وغير خاضعة للرقابة".

بعد الإعلان قفز سعر البيتكوين بنسبة 12%، وتجاوزت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة 4 تريليونات دولار لأول مرة.

استثمارات غامضة ومصدرها مشبوه

لكن خلف هذه الإنجازات كانت هناك شبكة مالية غامضة، فبحسب تحقيق لوكالة "رويترز"، جنت عائلة ترامب أكثر من 800 مليون دولار في النصف الأول من 2025 من بيع أصول رقمية، بينما بلغت أرباح أعمالها التقليدية 56 مليونًا فقط، وتشير البيانات إلى أن 463 مليون دولار جاءت من مبيعات عملة WLFI، و336 مليونًا من عملة رمزية أخرى باسم $TRUMP.

التحقيق أوضح أن معظم الأموال جاءت من مصادر أجنبية، بعضها إجرامي. من بين المستثمرين البارزين رجل أعمال صيني يدعى غورين "بوبي" زو، يخضع للتحقيق في بريطانيا بتهمة غسل أموال، أسس زو شركة استثمارية في الإمارات باسم Aqua Labs Investment LLC، وأعلن في يونيو شراء عملات رقمية من WLF بقيمة 100 مليون دولار، بعد لقائه إريك ترامب في دبي.

"وليمة فساد"

السيناتور الديمقراطية إليزابيث وورن وصفت الحدث الذي عقده ترامب في مايو بأنه "وليمة فساد"، مضيفة أن "عائلة الرئيس تجني مئات الملايين من الدولارات من مجرمين وغاسلي أموال في مقابل حماية سياسية".

أما البروفسور كاثلين كلارك من جامعة واشنطن، فقالت: "الناس لا يستثمرون في مشاريع عائلة ترامب لإعجابهم بعبقريتهم الاقتصادية، بل لشراء الحصانة التي لا يمنحها سوى والدهم الرئيس".

كلارك أشارت إلى مثالين:

مؤسس منصة Binance، تشانغفنغ جاو، الذي اتُّهم بانتهاك قوانين البنوك الأمريكية وتمت تبرئته لاحقًا بعد أن منحه ترامب عفوًا رئاسيًا.

الملياردير جاستن سون، المتهم بالاحتيال من قبل هيئة الأوراق المالية، والذي استثمر 75 مليون دولار في WLF، وبعدها جُمِّدت قضيته.

صفقة سرية مع الإمارات

في سبتمبر، كشفت نيويورك تايمز أن ويتكوف شارك في صفقة تبادلية بين إدارة ترامب والإمارات بقيادة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، بموجبها تستثمر الإمارات 2 مليار دولار في WLF مقابل حصولها على مئات الآلاف من شرائح الكمبيوتر المتقدمة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، رغم معارضة أجهزة الأمن الأمريكية خشية تسربها إلى الصين.

ظهر ويتكوف على يخت فاخر في سردينيا برفقة طحنون خلال المفاوضات، وتم تحويل المبلغ عبر شركة إماراتية جديدة تدعى MGX، وأفاد التقرير أن هذه الصفقة تمنح WLF عوائد سنوية بملايين الدولارات، بينما يثير استمرار ويتكوف في امتلاك حصص في الشركة شبهات تضارب مصالح كونه مبعوثًا رسميًا إلى الشرق الأوسط.

من "احتيال" إلى "انتقام"

لسنوات كان ترامب يهاجم البيتكوين ويصفه بأنه "احتيال وخطر على الاقتصاد الأمريكي"، لكن بعد أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، تغير الموقف كليًا، فبعد أن جمدت البنوك حسابات عائلته وأغلقت شركاته، قرر تحويل غضبه إلى مشروع سياسي – اقتصادي جديد هدفه كسر احتكار البنوك والدولار.

يقول الدكتور رامي كابلان من جامعة تل أبيب: "ترامب يروج للعملات المشفرة كأداة لتقويض هيمنة الدولار والنظام المالي التقليدي ضمن أجندته لتغيير النخب الاقتصادية، يريد أن يُعيد كتابة قواعد اللعبة المالية."

ويضيف البروفيسور إيغال نويمان من الجامعة العبرية: "الكريبتو قد يكون مفيدًا إن أُدير بشكل منظم، لكن إذا استُخدم دون رقابة فقد يتحول إلى أداة للاحتيال وتدمير مدخرات المتقاعدين".

الخلاصة

خلف لافتة “تحرير الاقتصاد الرقمي”، نجح ترامب وعائلته في تحويل مشروع الكريبتو إلى آلة ضخ أموال بمليارات الدولارات تجمع بين السياسة والمال، وتثير أسئلة خطيرة حول الفساد، تضارب المصالح، وغسيل الأموال الدولي، بينما يواصل ترامب عرض نفسه بوصفه "رئيس الكريبتو" الذي يريد إعادة تعريف الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025