مع إعادة تسليح حزب الله يتعين على إسرائيل أن تنتبه إلى دروس السابع من أكتوبر

جوناثان روزنشتاين

ترجمة حضارات

بينما يظل تركيز المجتمع الدولي منصبًّا على قطاع غزة، تشتعل الجبهة الشمالية لإسرائيل بهدوء، مرّ عام تقريبًا على سريان وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بين إسرائيل وحزب الله، إلا أن بنوده الأساسية لم تُنفَّذ، ورغم أن الاتفاق خفّف من وطأة التهديد المباشر لحزب الله، إلا أنه لم يُلغِه تمامًا، وردًّا على ذلك، كثّفت إسرائيل عملياتها ضد أنشطة حزب الله في جنوب لبنان.

يأتي هذا التصعيد في الوقت الذي حذّر فيه مسؤولون أمريكيون كبار ، الحكومة اللبنانية من أن عدم التزامها بالبنود الأساسية لوقف إطلاق النار المُبرم في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 سيؤدي إلى عواقب "وخيمة"، ومع اقتراب التوترات من نقطة الغليان، يتعين على إسرائيل استيعاب دروس إخفاقاتها الأمنية في 7 أكتوبر/تشرين الأول لضمان عدم تمكن أي جهة معادية من تشكيل تهديد وجودي جديد للدولة اليهودية.

عودة حزب الله إلى ساحة المعركة

أفاد مسؤولون إسرائيليون بنفاد صبرهم مع اقترابهم من نقطة اتخاذ القرار على الجبهة الشمالية، في 30 أكتوبر/تشرين الأول، عقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس "مشاورة خاصة" لمناقشة الرد الإسرائيلي على انتهاكات حزب الله المستمرة، يأتي ذلك في أعقاب دعوات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك لنزع سلاح حزب الله على الفور، وتقارير تفيد  بأن الولايات المتحدة لم تعد مقتنعة بمزاعم الرئيس اللبناني جوزيف عون، بأن نزع سلاح الجماعة أمر مستحيل.

تشير مطالب باراك إلى موقف أمريكي متشدد  بشأن هذه القضية: إذا لم يتم نشر القوات اللبنانية في الجنوب، ولم يتم نزع سلاح حزب الله، ولم يتم إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فستحتفظ إسرائيل بالحق في التصرف من جانب واحد.

في هذه الأثناء، يُعيد حزب الله بناء نفسه وتسليح نفسه بنشاط،  ويُهرِّب الأسلحة عبر الحدود السورية، وقد أفادت تقارير بأن مسؤولين استخباراتيين غربيين اكتشفوا  أن الحزب يُعيد بناء مخزوناته الصاروخية، ويُجنّد مقاتلين جددًا، ويُرمّم مواقع عسكرية، مُنتهكًا بذلك اتفاق وقف إطلاق النار. كما نقل حزب الله أجزاءً من عملياته شمال نهر الليطاني لتجنب المواجهة مع الجيش اللبناني، ولخرق بنود قرار الأمم المتحدة رقم 1701 واتفاق وقف إطلاق النار المُبرم في نوفمبر/تشرين الثاني، واللذين يدعوان إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب الليطاني من الجماعات المسلحة غير الحكومية.

ردًا على ذلك، صعّدت إسرائيل وتيرة عملياتها، في الأسابيع الأخيرة، كثّف جيش الدفاع الإسرائيلي حملته في جنوب لبنان، مُنفّذًا غارات جوية متكررة وضربات دقيقة على البنية التحتية لحزب الله، ويزعم مسؤولون إسرائيليون مقتل نحو 330 عنصرًا من حزب الله منذ وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، يُجري الجيش الإسرائيلي مناورات واسعة النطاق تُحاكي هجومًا على غرار هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي شنّه حزب الله.

الشلل السياسي في لبنان

بينما بذلت الحكومة اللبنانية جهودًا شكلية لنزع سلاح حزب الله واستعادة احتكار الدولة للسلاح، يبدو هذا الهدف بعيد المنال إلى حد كبير في ظل وقف إطلاق النار، نظرًا لنفوذ حزب الله السياسي وضعف قدرات الجيش اللبناني. وقد سمح نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان لحزب الله بالانخراط بعمق في السياسة الوطنية، ورغم أن الحزب يسيطر عادةً على أقل من  15% من مقاعد البرلمان، إلا أن تحالفاته وحشده الشعبي يضمنان استمراره كفاعل محوري في الحكم اللبناني.

في بعض المجتمعات الشيعية، يتمتع حزب الله بشرعية أكبر  من الحكومة المركزية، ورغم أن الحكومة اللبنانية  قدمت خطة عمل لنزع سلاح الحزب، بل ووافقت إسرائيل على تقليص عملياتها والانسحاب من خمسة مواقع، إلا أن مصادر إسرائيلية وأجنبية تؤكد أن "الطريق إلى نزع السلاح الكامل لا يزال طويلاً"، يأتي هذا في الوقت الذي أفادت فيه التقارير باستنفاذ الجيش اللبناني لمخزونه من المتفجرات، بينما حذر مسؤول استخباراتي غربي  دمن أن "حزب الله يعيد بناء نفسه بوتيرة أسرع من تفكيك الجيش اللبناني".

ويؤكد المسؤولون اللبنانيون، كما ذكرت وكالة رويترز ، أن "الجيش يريد تجنب تأجيج التوترات وكسب الوقت للسياسيين اللبنانيين، للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن ترسانة الجماعة الإرهابية في أجزاء أخرى من البلاد"، ومن جانبه، رفض حزب الله علناً التخلي عن مخابئ أسلحته شمال الليطاني، ملمحاً إلى أن الصراع وارد إذا واجهه الجيش اللبناني.

تجنب أخطاء السابع من أكتوبر

مع عجز الجيش اللبناني أو عدم رغبته في تحييد حزب الله، يجب على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية دمج دروس السابع من أكتوبر، في حساباتها الاستراتيجية وهي تستعد لمواجهة متجددة على حدودها، قبل ذلك اليوم، ثبت أن افتراضات الجيش الإسرائيلي بشأن ردع حماس خاطئة تمامًا، أولاً، وقعت إسرائيل في فخ التصور المرآوي، افترضت إسرائيل أن حماس ستتصرف بعقلانية ككيان حاكم، مع إعطاء الأولوية لرفاهية سكان غزة والحفاظ على نظام مدني فعال.

علاوة على ذلك، توقع جيش الدفاع الإسرائيلي تصعيدًا دوريًا ومحدودًا بدلاً من حرب منسقة واسعة النطاق، نتيجة لهذه الافتراضات، اتبعت إسرائيل استراتيجية "جز العشب"، استهداف القطاع بشكل متكرر لإضعاف قدرات حماس، مما عزز في النهاية الرضا عن النفس والشعور المضلل بالاستقرار، الدرس الأساسي من السابع من أكتوبر هو أنه لا يمكن اعتبار الردع أمرًا مفروغًا منه، وأن التهديدات غير المعالجة تتفاقم حتمًا إلى أزمات.

يجب على إسرائيل ألا تكرر هذه الأخطاء مع حزب الله، حتى في الوقت الذي يبدو فيه الحزب ضعيفًا، لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تفترض أن حزب الله رادع أو مقيد بالسياسة اللبنانية الداخلية أو القتال السابق، بدلاً من ذلك، فإن جهود إعادة تسليح الحزب وإعادة بنائه مصممة لتهديد إسرائيل بشكل مباشر وتعزيز استراتيجية الردع الإقليمية لإيران. ومن المرجح أيضًا أن حزب الله قد تعلم من هجوم حماس المفاجئ وحساباته الخاطئة خلال صراع عام 2024.

ومن المرجح أن الحزب قلل من تقدير مبدأ التصعيد السريع الإسرائيلي، متوقعًا تبادلًا تدريجيًا للضربات المتبادلة من شأنه أن يصب في صالح استراتيجية حزب الله الاستنزافية، وبدلاً من ذلك، أظهرت حملة الضربات الدقيقة من تفجير آلاف أجهزة الاستدعاء المرتبطة بحزب الله إلى غارة جوية على  مقر حسن نصر الله تحت الأرض، استعداد إسرائيل للتصعيد بسرعة وحسم. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يتبنى حزب الله موقفًا أكثر عدوانية وتسامحًا مع المخاطر، سعيًا إلى استباق أو تعقيد قدرة إسرائيل على إدارة التصعيد.

بعد أن برزت إسرائيل من 7 أكتوبر/تشرين الأول كقوة إقليمية عظمى مُحنّكة، عليها أن تنتقل من الردع بالمنع إلى الردع بالعقاب، يبدو أن المؤسسات اللبنانية الهشة تفتقر إلى القدرة والإرادة السياسية لتفكيك حزب الله، لذلك، يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة لمواصلة الضغط العسكري المُدروس، وفي الوقت نفسه بناء الشرعية الدولية والشراكات الإقليمية لإرساء بنية أمنية متينة في جنوب لبنان، لا يُمكن لإسرائيل منع انفجار جبهة أخرى، وإبقاء حزب الله تحت السيطرة في المستقبل المنظور، إلا من خلال الجمع بين القوة العسكرية والتنسيق الدبلوماسي والاستشراف الاستراتيجي.

ويجد لبنان نفسه عالقاً بين مطرقة الضغوط الأميركية لنزع سلاح حزب الله وسندان رفض حزب الله القيام بذلك.

وقد أدت المعارضة الداخلية والمطالبات الدولية إلى إخراج مسألة سلاح حزب الله إلى الواجهة، مما وضع المجموعة في وضع محفوف بالمخاطر على نحو متزايد.

جوناثان روزنشتاين هو مساعد برنامج في فريق الدفاع الأمامي في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن التابع للمجلس الأطلسي، حيث يدعم العمل في مجال الاستراتيجية النووية وأمن الفضاء.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025