القناة 12
مسودة القرار الذي تروّج له الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن تهدف إلى توفير شرعية دولية نادرة لنزع سلاح غزة وسيطرة قوة استقرار عربية معتدلة عليها، غير أن الغموض الكبير فيها يمنح حماس ثغرة حاسمة قد تسمح لها بالحفاظ على قوتها حتى في اليوم التالي لانتهاء الحرب.
رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يدلين، ونوعا شوسترمان-دافير
تهدف مسودة القرار الذي تطرحه الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن إلى أن تكون حجر الزاوية في تنفيذ “خطة ترامب لغزة” الصادرة في سبتمبر 2025. الهدف هو منح شرعية دولية واسعة للخطوات التي وردت في الخطة: تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية مؤقتة، وإنشاء قوة استقرار دولية (ISF)، وتأسيس “مجلس السلام”، ثم نقل السيطرة تدريجيًا إلى السلطة الفلسطينية بعد تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها.
ومع ذلك، لإسرائيل أهداف حرب واضحة ومحددة: نزع سلاح حماس، ونزع السلاح الكامل للقطاع، وضمان عدم صدور أي تهديد أمني منه. وهذه أهداف قد تُخفَّف كثيرًا في قرار مجلس الأمن.
وعلى خلاف “خطة النقاط العشرين” التي وُقّعت في أكتوبر بين الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر، فإن قرار مجلس الأمن يجب أن يمرّ بتصويت يضمّ 15 دولة عضوًا، من بينها باكستان والجزائر، ودون استخدام أيّ من الأعضاء الدائمين، وخصوصًا الصين وروسيا، لحقّ النقض. ومن جهة أخرى، فإن الدول المعنية بالمشاركة في قوة ISF أو في مجلس السلام تشترط تثبيت الخطة بقرار من المجلس، إلا أن القرار الذي قد يُعتمد لن يعكس بالضرورة روح “خطة ترامب”، وبالتأكيد لن يجسّد الأهداف الإسرائيلية كاملة. في الواقع، إنها صيغة مُخفَّفة من الخطة الأصلية تحاول تسهيل تطبيق المرحلة الثانية منها، دون تقديم إجابات شاملة للمطالب الإسرائيلية.
### الأمن ونزع السلاح: مكسب مبدئي وغموض عملي
من وجهة نظر إسرائيل، البنود الأمنية في المسودة متوافقة مع “خطة ترامب” التي تتمحور حول نزع سلاح القطاع، وإنشاء قوة استقرار دولية، والتعاون الوثيق مع إسرائيل ومصر. وبذلك، تعزّز هذه البنود الشرعية الدولية لمطلب إسرائيل بنزع السلاح الكامل.
لكن صياغة المسودة تعاني من غموض مقلق:
* مهمة قوة ISF تتحدث عن “ضمان عملية نزع السلاح” لكنها لا توضح من الذي سينفذها فعليًا إذا لم تتخلَّ حماس عن سلاحها طوعًا.
* تُذكر مشاركة الشرطة الفلسطينية في الميدان، دون تحديد مهامها بالنسبة إلى ISF. يبدو أن النية هي أن يواجه أفراد الشرطة الفلسطينية المسلحين، وليس القوات الأجنبية.
* لا يوجد ربط بين إعادة الإعمار واستكمال نزع السلاح، ما يعني أن المساعدات الإنسانية، وربما حتى إعادة الإعمار الاقتصادي، يمكن أن تستمر حتى دون تفكيك الجناح العسكري لحماس بالكامل، وهو ما يثير خشية من أن تستغل حماس إعادة الإعمار لإعادة بناء بنيتها التحتية.
* على خلاف خطة ترامب، تشير الصيغة إلى “تدمير ومنع إعادة بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية”، لكنها لا تذكر الأنفاق “غير الهجومية” أو منشآت إنتاج السلاح بشكل واضح.
وبالنسبة لإسرائيل، هذه ثغرة جوهرية: فبينما اشترطت الخطة الأصلية نزع السلاح الكامل قبل أي عملية إعادة إعمار، تسمح المسودة الحالية بتنفيذ المسارين بالتوازي، مما قد يحوّل “نزع السلاح” إلى شعار غير مُلزم.
### الوجود الإسرائيلي: غياب الوضوح مقلق
“خطة ترامب” حدّدت خريطة انسحاب للجيش الإسرائيلي، لكنها لم توضّح شروط الانتقال من “الخط الأصفر” إلى “الخط الأحمر” ثم إلى المحيط النهائي. ومسودة القرار أيضًا لا تتطرق لذلك ولا تمنح صفة قانونية لوجود الجيش الإسرائيلي أو مكانته في الميدان.
غياب الإشارة الواضحة يخلق فجوة استراتيجية وسياسية خطيرة: فبينما تسعى إسرائيل للحفاظ على حرية عملها الأمنية في مواجهة الإرهاب والتسلّح، يمكن تفسير النص على أنه يقيّد صلاحياتها، خاصة إذا أصبحت الأمم المتحدة الجهة المشرفة.
إن لم يُدرج بوضوح آلية تنسيق تضمن حرية العمل الإسرائيلية، فقد تجد إسرائيل نفسها مقيدة بقيود تفرضها القوى الدولية.
كذلك لا توضح المسودة تفويض قوة ISF أو حدود نشاطها الجغرافية. يبدو أن الهدف هو أن تعمل القوة في كل منطقة لا يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي، بينما تنصّ “خطة ترامب” على دخولها فقط إلى المناطق الخالية من الإرهاب. وإذا كان هذا التغيير نابعًا من تفكير أو ضغوط أمريكية منذ سبتمبر، فهذا يعني نشر قوات أجنبية في منطقة مكتظة بمسلحي حماس، وهو أمر يصعب أن تقبله الدول المشاركة في القوة.
### حكومة انتقالية: رافعة أم قيد على إسرائيل
تأسيس “مجلس السلام” وحكومة تكنوقراط فلسطينية يهدف إلى خلق إدارة مستقرة ومراقَبة تمنع عودة حماس، وتكون بديلة عن السلطة الفلسطينية. غير أن الصيغة الحالية تمنح مجلس السلام سلطة شبه مطلقة لتقرير متى استوفت السلطة الفلسطينية “الشروط المطلوبة”. ورغم أن المجلس سيُقاد من قبل الولايات المتحدة، بل إن ترامب وعد برئاسته، فإنه سيضم أيضًا ممثلين عربًا ودوليين، ما قد يحوّله إلى ساحة سياسية خارج السيطرة الإسرائيلية.
ينصّ النصّ على فترة عمل لا تقلّ عن سنتين، لكن دون أهداف محددة أو معايير واضحة للانتقال إلى المراحل التالية أو لتحديد النجاح أو الفشل. قد تستفيد الحكومة الإسرائيلية الحالية من تأجيل عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، لكنها تواجه خطر أن يتحول “مجلس السلام” إلى وسيط غير موالٍ لها، بينما قد تصبح الهيمنة الأمريكية نفسها عائقًا في المستقبل بعد انتهاء ولاية ترامب.
### السياق السياسي: غياب الدولة الفلسطينية إنجاز مؤقت لكنه هش
من الناحية السياسية، تُعد المسودة إنجازًا مهمًا للرواية الإسرائيلية:
* فهي لا تشير إلى قرارات الأمم المتحدة السابقة المتعلقة بالنزاع، وبالتالي لا تتبنى إرث قرارات المنظمة.
* ولا تذكر “دولة فلسطينية” أو “أفقًا سياسيًا”، متجاوزة بذلك فكرة “حل الدولتين”.
ومع ذلك، من المتوقع أن تطالب فرنسا بإضافة إشارة إلى “إعلان نيويورك”، الذي صيغ بروح تسوية سياسية مستقبلية وورد ذكره في خطة ترامب. وإذا قُبل هذا الطلب كشرط لإقرار القرار، فقد يعيد إلى الطاولة فكرة الدولة الفلسطينية ولو بطريقة غير مباشرة.
### الساحة الدبلوماسية: تفاهمات مع دول خصمة
تمثل المسودة نسخة أمريكية متوازنة نسبيًا، لكن التصويت في المجلس قد يُحدث تغييرات سلبية لإسرائيل. فقد تطالب دول مثل روسيا والصين وباكستان والجزائر بصيغ تُقيد إسرائيل، مثل اشتراط الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي أو إخضاع مجلس السلام وقوة الاستقرار لإشراف الأمم المتحدة. من منظور إسرائيل، قد يحوّل ذلك القرار من مبادرة داعمة إلى إطار يحدّ من حرية حركتها العسكرية والسياسية.
تدرك الولايات المتحدة أن لها علاقات معقّدة مع هذه الأطراف، وهي ستسعى لإتمام الصفقة مقابل تنازلات أو مكاسب لهذه الدول، ما سيختبر قدرتها على الحفاظ على توازن المصالح أثناء التصويت.
### مذكرات جانبية من واشنطن لسدّ الفجوات
بالنسبة لإسرائيل، المسودة سيف ذو حدّين: فهي تمنح شرعية دولية لمبادئ تخدم أهدافها – نزع السلاح، الأمن، إدارة انتقالية تكنوقراطية – وتمهّد لتحسين موقعها السياسي بعد الحرب، لكنها في الوقت نفسه لا تعالج هواجسها الأمنية كما يجب. فقد تجعل السيطرة على غزة قضية دولية مفتوحة، تكون فيها إسرائيل طرفًا واحدًا من بين آخرين، لا الجهة الحاسمة.
إذا تم اعتماد القرار، فستجد إسرائيل نفسها بدور ثانوي في غزة. صحيح أن هذه فرصة لإعادة الإعمار الاجتماعي والاقتصادي وتخفيف العبء عن قوات الاحتياط، لكنها أيضًا فرصة لإعادة تنظيم الجيش والاستعداد لمواجهة جديدة مع حماس في حال فشل الخطة.
لذلك، يجب على إسرائيل أن تسعى للحصول على رسالة جانبية من الولايات المتحدة تضمن حرية عملها في حالتين:
1. إذا لم تنفذ قوة ISF عملية نزع السلاح بفعالية ولم تمنع إعادة تسلح حماس.
2. إذا فشلت الخطة واضطرت إسرائيل إلى استئناف القتال.
كما ينبغي تحديد جداول زمنية وظروف يُعتبر فيها عدم إعادة الأسرى خرقًا جسيمًا يسمح لإسرائيل باستخدام الضغط العسكري المباشر.
رغم المخاوف الإسرائيلية، فإن ما نشهده هو إجماع غير مسبوق على ضرورة نزع سلاح حماس وتجريد قطاع غزة من السلاح. والاستعداد العربي لإرسال قوات إلى القطاع يمثل فرصة فريدة لإدخال عناصر معتدلة ذات مصالح متوافقة مع إسرائيل، تلتزم بنزع التطرف وبالازدهار، وتحظى بتفويض واسع لتغيير الواقع. حسن استغلال هذه الفرصة يمكن أن يمهّد الطريق لتكامل إقليمي واسع النطاق.
اللواء (احتياط) عاموس يدلين هو رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، ورئيس ومؤسس مركز MIND ISRAEL
نوعا شوسترمان-دافير هي رئيسة برنامج “الفلسطينيون والمنطقة” في MIND ISRAEL