المجلس الأطلسي
بقلم/ توماس س. ووريك
ترجمة حضارات
حتى تتحول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين بشأن غزة إلى انتصار حاسم، فإن القرارات المبكرة ضرورية للغاية، نزع سلاح غزة شرط أساسي لنجاح خطة ترامب، ومن الضروري امتلاك القدرة على استخدام القوة العسكرية والسلطة الاقتصادية معاً لتحقيق هذا الهدف.
مشروع قرار مجلس الأمن الدولي بشأن غزة الذي تقترحه الولايات المتحدة لا يزال في مرحلة حرجة، ويحتوي على العديد من العناصر الجيدة، لكن هناك مجالين تحديدا، التحكم في الأموال، وإدارة الجهاز الإداري المدني في غزة، حيث يمكن لتغيير مكوّن من أربع كلمات فقط أن يصنع الفارق بين سلام دائم وهدنة قصيرة الأمد.
أهمية القرار ومحتواه الحالي
المسودة الحالية للقرار قوية في جوانب عديدة، وينبغي على الولايات المتحدة مقاومة محاولات الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن لإضعافها، فهي تمنح الشرعية الدولية لخطة السلام التي تقدمها إدارة ترامب، وتشمل إنشاء مجلس السلام (BoP)، وقوة أمن دولية (ISF) تتمتع بسلطات قوية لنزع سلاح حماس والجماعات المسلحة الأخرى، إضافة إلى هيئات تشغيلية مدنية تابعة لمجلس السلام، تشمل هيئة رقابة دولية و«لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية من كفاءات فلسطينية من غزة».
من بين هذه الهيئات التشغيلية قد تكون السلطة الانتقالية الدولية لغزة (GITA)، التي ورد ذكرها في خطة ترامب ولكنها لم تُذكر بالاسم في نص مشروع القرار، ربما بسبب تحفظات من مصر وجهات أخرى على دورها وعلى دور رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، العلاقة بين الرقابة الدولية واللجنة الفلسطينية ما زالت غامضة في المسودة الحالية، وهو ما يجعل توضيحها أمراً حاسماً بين النجاح والفشل في تنفيذ خطة ترامب.
دروس من البوسنة والعراق
تُظهر التجارب الأمريكية السابقة في البوسنة والعراق أهمية اتخاذ القرارات الأولى بشكل صحيح.
في البوسنة، أتاح قرار مجلس الأمن رقم 1031 لعام 1995 إنشاء مكتب الممثل الأعلى وقوة دولية (IFOR) لتنفيذ اتفاقية دايتون للسلام، وكما في حالة غزة، لم تكن تلك القوة تابعة للأمم المتحدة، مما أبعدها عن حق النقض الروسي أو الصيني وعن بيروقراطية المنظمة، وهو ما ساهم في إمكانية تحقيق سلام دائم. لكن الولايات المتحدة ركزت أكثر على الجانب العسكري، تاركة التنفيذ المدني للأوروبيين الذين حاولوا في الأشهر الأولى تسويات خاطئة، مما كاد أن يؤدي إلى انهيار الاتفاق. وقد اضطر السفير الأمريكي ريتشارد هولبروك وفريقه إلى إنقاذ الوضع في مؤتمر روما عام 1996، ورغم أن النتيجة لم تكن مثالية، فإن البوسنة لم تنزلق إلى الحرب مجدداً منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً.
أما في العراق، فقد أظهرت التجربة أن القرارات الخاطئة المبكرة لا يمكن إصلاحها لاحقاً، فقد تأخرت واشنطن في تحديد كيفية إدارة العراق، ولم تكن مستعدة عندما سقطت بغداد. كما أن قرار حلّ الجيش العراقي وتوسيع نطاق «اجتثاث البعث» أكثر مما يلزم أدّى إلى نشوء التمرد الذي شلّ البلاد، كذلك فشل الفهم الأمريكي لأهمية المال في الانتخابات العراقية وعدم ضبط الحدود منذ اليوم الأول سمح لإيران باكتساب نفوذ واسع داخل السياسة العراقية، وقرار السماح للأحزاب بتعيين وزرائها أدى إلى الفساد والنظام الطائفي (المحاصصة) الذي لا يزال يعاني منه العراقيون.
العقبة الأساسية: سلاح حماس
التحدي الأكبر أمام تحقيق سلام دائم في غزة هو رفض حماس التخلي عن سلاحها، كل من ترامب والحكومة الإسرائيلية يؤكدان أن نزع سلاح حماس شرط لا يمكن تجاوزه. فالدول العربية لن تموّل إعادة إعمار غزة طالما أن حماس تحتفظ بأسلحتها، حتى ولو كانت محدودة، لأنها تستطيع من خلالها ترهيب السكان ومهاجمة إسرائيل متى شاءت، مما سيؤدي حتماً إلى رد إسرائيلي يدمّر كل ما يُعاد بناؤه.
لن تنعم غزة بالسلام أو الإعمار ما لم تُنزع أسلحة حماس بالكامل، وفي الوقت نفسه، لن ترغب أي دولة عربية في خوض حرب ضد حماس لنزع سلاحها. وقد قال الملك عبد الله الثاني علناً في أكتوبر إن الأردن لن يشارك في مثل هذا القتال.
مساران لنزع السلاح
سيجري نزع السلاح وفق مسارين متوازيين:
1. المسار العسكري: تنص الفقرة السابعة من مسودة القرار على أن لقوة الأمن الدولية (ISF) تفويضاً بـ«استخدام جميع الوسائل الضرورية لضمان عملية نزع سلاح قطاع غزة، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، فضلاً عن التخلص الدائم من أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية»، هذه لغة قوية، وستحتاج القوة إلى وحدات غربية خاصة أو متعاقدين متخصصين لتنفيذ غارات محددة ضد بقايا حماس ومستودعات أسلحتها.
2. المسار الاقتصادي: يتمثل في نزع سيطرة حماس على الأموال، والوظائف، والعقود في غزة، فهذه كانت الوسيلة التي بنت بها حماس قوتها العسكرية وشبكة أنفاقها.
ينبغي أن يكون منع وصول الأموال إلى حماس جزءاً أساسياً من مهام الهيئات التشغيلية التابعة لمجلس السلام (BOP)، ويتطلب ذلك إشرافاً دولياً أولياً على الإيرادات الضريبية والعقود الحكومية والتعيينات الرئيسية لمنع حماس من ترهيب السكان المحليين، كما ستسعى بالتأكيد إلى ذلك، ويمكن إنهاء هذا الإشراف تدريجياً لاحقاً، لكن السيطرة الدولية في البداية أمر لا غنى عنه لكل من إسرائيل وغزة.
التغيير المطلوب في النص
يقترح الكاتب إضافة أربع كلمات فقط إلى الفقرة الرابعة من مشروع القرار لتوضيح أن الهيئات التشغيلية التابعة لمجلس السلام «مسؤولة عن العمليات اليومية لجهاز الخدمة المدنية في غزة، والمالية، والعقود، والإدارة».
فالمسودة الحالية غامضة في هذه النقطة، ولتفادي صراع بيروقراطي حاد، يجب أن يُذكر بوضوح أن الكيانات التي ينشئها مجلس السلام — وليس فقط اللجنة الفلسطينية — هي المسؤولة عن المالية والعقود والتعيينات الأساسية في غزة.
ستعترض حماس بالتأكيد، وربما مصر أيضاً، لكن لن تستثمر أي دولة مليارات الدولارات في إعادة الإعمار إذا لم يكن نزع سلاح حماس أولوية واضحة، إذ إن التحكم بالأموال هو الوسيلة غير العسكرية الأهم لضمان عدم عودة حماس إلى السلطة.
الخلاصة
السيطرة على الأموال والعقود والتعيينات الحساسة في غزة أمر حاسم لنجاح خطة ترامب.
وفي الأيام المقبلة، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين العمل على تعزيز نص مشروع القرار لضمان أن الكيانات التشغيلية التابعة لمجلس السلام تمتلك القدرة الكاملة على منع حماس من العودة إلى الحكم أو إعادة بناء قوتها المسلحة.
توماس س. ووريك زميل أول غير مقيم في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن ومبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط ضمن برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، عمل بين عامي 1997 و2007 في وزارة الخارجية الأمريكية على قضايا الشرق الأوسط والعدالة الدولية، وكان منسقاً للتخطيط لما بعد الحرب في العراق بين عامي 2002 و2003.