آثار حرب الإبادة تمتد دوليَّا وتوقظ الضمائر الأجنبية

آثار حرب الإبادة تمتد دوليَّا وتوقظ الضمائر الأجنبية..

ما سر الاتجاه المعاكس في "نيويورك اليهودية"؟ وما مصير اليهود فيها بعد وجود صبغة رئاسية إسلامية؟

وهل هذا حدثٌ عابر أم ممرٌّ جديد دُقَّ فيه ناقوس الخطر للكيان داخليا ولليهود عالميًّا؟

بقلم/ د. حمادة علوان

مقدمة:

نشر الإعلامُ العبريّ صُحُفَه اليومين الماضيين، حيث تتمحور عناوينها حول الشخصية الرافضة للكيان والمؤيدة لفلسطين، تلك الشخصية التي كسرت قواعد اللعبة السياسية في الولايات المتحدة، والتي يمتلك أدواتها اللوبي الصهيوني ومنظمة "آيباك"، لكن تبقى الأسئلة قائمة:

ما سر انتخاب عمدة إسلامي الهوية، ومؤيد لفلسطين ورافض لحرب الإبادة التي ارتكبها الكيان -فضلا عن انتخابه في بقعة جغرافية هي الأكثر سندا وإسنادا في العالم للكيان؟. وهل هذا يؤثر على السمعة اليهودية؟.

ما سجلته الصحفُ العبريَّة أنَّ ثمةَ تضجرٌ وتذمُّر من قادة الكيان، ومن "ترامب" نفسه، إذ إنَّ قضيةَ انتخاب "زهران ممداني" -وهو شاب ثلاثيني مسلم رفع لواء الرفض للكيان، والدعم لفلسطين- رئيسًا لبلدية أمريكية، أو عُمدة لولايةٍ يمثلُ اليهودُ فيها عُشرَ السكان -أو يزيد- هي ضربةٌ سياسية استثنائية، وسمعة أيديولوجية سيئة ليهود هذه الولايات والكيان معا، ذلك أن اللوبي الصهيوني هو المحرك الأساس والأم لكل رئيس لأمريكا، وبدهيٌّ أن يكون عُمَدها في الولايات المتفرقة يسيرون على السجيَّة نفسِها، لكنَّ "ممداني" غيرَ المعادلةَ وقلبَها تمامًا.

لكنَّ اللافتَ للانتباه أنَّ الشعبَ الأمريكيَّ برزت لديه الصحوة والنخوة والنزعة الإنسانية، سيما بعدما وصلت صورَ الدمارِ والخراب وصورِ الإبادة، وقتل الأبرياء والعزَّل إلى أنحاء العالم.

إنَّ هذا كلَّه جعل الناخبَ الأمريكيَّ يصوتُ ضدَّ المرشحِ اليهوديِّ لصالح المرشح الإسلاميّ، ليس لإسلاميته وأيديولوجيته، ولكن لأقواله ومواقفه العادلة ضدَّ الكيان؛ بل ضدَّ "نتنياهو" الذي وعد بطرده من الولاية حالَ دخوله في فترة منصبه.

ولا شكَّ أنَّ اليهود في تلك الولاية قلقون كما نقلت الصحف العبرية وكما تحدث سفير الكيان في أمريكا؛ لأنَّ ما توعد به "ممداني" كفيل بإخافة يهود المدينة، حتى وإن حقَّق بعضَها، يكفي أنَّ مواقفَه السياسية والوطنية والأخلاقية فضحت سمعة اليهود في "نيويورك"، بل وأنحاء البلاد.

وبالتالي؛ فإنَّ هذا لن يكون حدثًا عابرًا؛ بل ناقوسَ خطرٍ على سمعةِ الكيان من جهة -حيث تتسع فجوات العزلة الدولية معه- ومن جهة أخرى سيكون اليهود في حالة نبذ وكره من الكثيرين من داخل أمريكا وخارجها.

القلق لا يشمل يهود "نيويورك" وحدها؛ بل يتجاوز ذلك -كما ترى صحيفة "إسرائيل اليوم" بقولها: لا يكمن الخطر في عداء " ممداني" الشخصي تجاه الكيان فحسب، بل يكمن -أيضًا- في النموذج السياسيّ المتطور الذي جسده: خطة عمل دقيقة ومقلقة يمكن تطبيقها في أي عاصمة غربية تهدف إلى تحييد وتفكيك الطوائف اليهودية من الداخل.

كما يُقرأ هذا الحدث الجديد من زاوية مدى الوعي الفكري والحرية السياسية لدى الشعب الأمريكي باختيار ما يناسبه من شخصيات ترفض الظلم والاضطهاد وتقبل العدل والسلام في البلاد، وترى أن فلسطين تحتاج إلى وقفة حقيقية أمام الجبروت الظالم من قبل الكيان.

إن قضية وجود عمدة إسلامي مخالف للنظام اللوبي الصهيوني في هذا التوقيت يأتي لصالح فلسطين والقضية الفلسطينية، إذ تبقى الأنظارُ موجهةً صوبَ فلسطين، ومحاولة الوصول إلى حلول سلمية وعادلة، وحلّ الدولتين -ولو بشكل مؤقت ومرحليّ.

وليس عجيبًا أن يأتيَ عمدةٌ إسلامي في ولاية "نيويورك" ، فقد جاء -باراك أوباما- رئيسا لأمريكا في ولاية سابقة وهو من أصول إسلامية، لكن العُجاب أن يأتيَ مُعلنا -بصوت عال- لا للكيان، ونعم لغزة، ولا أهلا "لنتنياهو".

وعليه، فإن الحدث التاريخي هذا له ما بعده، حيث ستتسع رقعة المؤيدين لغزة، والرافضين لذوي الإبادة مما تزيد ضريبة الخسائر لدى الكيان سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا واقتصاديا.

ومن الجميل ذكره ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بقولها: لم يتخيل "السنوار" أنه سينجح يومًا في تحويل إسرائيل -بمساعدة أخطاء استراتيجية للقيادة- إلى أكثر دولة مكروهة في الغرب!.

خاتمة:

لقد وصلت صدى الحرب وآثار الدمار إلى "نيويورك" اليهودية الأمريكية، وستكون علامة فارقة في ولايات أُخر في أمريكا وغيرها من العواصم الغربية؛ بل ستكون همزة الوصل للعواصم والشعوب التي لها حرية الصوت والرأي مثل: فرنسا وكندا وأسبانيا وغيرها، وستكون هذه تكلفة باهظة وجديدة يدفعها الكيان جراء إبادته الجماعية ضد غزة والتي فشل في تحقيق الأهداف التي وضعها منذ بداية الحرب.

ومن هنا نضع سؤالا ختاميا: هل هذا الحدث الاستثنائي يُعد طوفانًا على السردية الإسرائيلية، والرواية الأمريكية المزيفة والتي تنادي بالسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان؟.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025