نهر النيل عند مفترق طرق: إدارة نزاع سدّ النهضة بينما تتصاعد الفيضانات في مصر

بقلم: أليسيا ميلكانجي

تُعدّ أحواض الأنهار العابرة للحدود أنظمة بيئية وجغرافية في الوقت نفسه، وساحات للتفاوض الجيوسياسي. فالمياه تتدفق عبر الحدود، بينما السيادة وإدارة الموارد المائية لا تفعل ذلك. هذا التناقض المستمر هو ما شكّل طبيعة العلاقات بين دول حوض النيل – ولا سيما مصر والسودان وإثيوبيا.

وقد برزت خطوط التوتر هذه هذا الشهر في لحظة حرجة للمنطقة، إذ تسببت الأمطار الغزيرة على مرتفعات إثيوبيا بفيضانات شديدة في عدد من المحافظات الشمالية في مصر، منها البحيرة وكفر الشيخ والمنوفية.

وقد فجّرت هذه الفيضانات موجة جديدة من العداء بشأن سدّ النهضة الإثيوبي الكبير (GERD). فإثيوبيا تقدّمه كإنجاز تنموي يهدف إلى الحدّ من الفقر وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، في حين ترى فيه مصر والسودان تهديدًا وجوديًا بسبب الإدارة الأحادية لمياهه.

واتهمت وزارة الري المصرية إثيوبيا بـ«الإدارة المتهورة للسدّ»، مدعيةً أن تصريف المياه المفاجئ من السدّ زاد من حدّة الفيضانات الأخيرة. وردّت أديس أبابا – التي دشنت السد رسميًا في 9 سبتمبر – بأن العمليات جرت وفق بروتوكولات فنية، بل إنها خففت من فيضانات كان يمكن أن تكون أسوأ في السودان. ويبرز من هذه الحادثة كيف أن غياب الشفافية في البيانات يغذّي انعدام الثقة السياسية.

تزامن هذا التصعيد مع تحوّل دبلوماسي جديد. ففي مقابلة مع قناة العربية، صرّح مسعد بُولُس – المستشار الأقدم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا والعالم العربي والشرق الأوسط – بأن واشنطن باتت تدعم «مقاربة فنية لا سياسية» لنزاع السدّ، مؤكدًا أن «قضية السدّ يجب أن تُحلّ بوسائل فنية لا عبر الضغط السياسي»، وهو ما يعكس إعادة تموضع في سياسة الولايات المتحدة تجاه الملف، مع التركيز على الشفافية وتنسيق العمليات والحد من المخاطر المشتركة بدلاً من الدبلوماسية القسرية.

حذّرت القاهرة أكثر من مرة من أن ملء السدّ السريع أو التصريف غير المنسق قد يؤدي إلى انخفاض حاد في تدفقات المياه، ويعطل الريّ، بل ويزيد من خطر الفيضانات في مواسم الأمطار الغزيرة – وهي تحديات تشكّل خطرًا حقيقيًا على بلد يعاني أصلًا من الإجهاد المائي.

### سدّ النهضة وأزمة المياه في مصر

يُعدّ السدّ – الذي تبلغ كلفته نحو خمسة مليارات دولار، ويقع على بعد 14 كيلومترًا فقط من الحدود السودانية – أكبر محطة كهرومائية في أفريقيا، وتصل سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب. وبعد الملء الرابع والأخير في سبتمبر 2023، أعلنت إثيوبيا تشغيل السد بالكامل، ما ضاعف قدرتها الكهربائية الوطنية ورسّخ طموحها لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.

لكن المخاطر الهيدرولوجية التي يطرحها السدّ على دلتا النيل في مصر فورية وبنيوية في آن واحد. على المدى القصير، قد تؤدي التصريفات الكبيرة أو غير المنسقة إلى إغراق شبكات الصرف القديمة، مسببةً فيضانات وتعطيلًا لدورات الري. وعلى المدى المتوسط والبعيد، سيغيّر النظام التشغيلي الجديد للسدّ أنماط التدفق الموسمية، ما سيؤثر على تغذية المياه الجوفية ومستويات الملوحة، ويضع تحديات أمام الزراعة والبنى التحتية. ومن دون تبادلٍ شفاف للبيانات وتنسيقٍ إداري، ستواجه القاهرة صعوبة في التنبؤ بهذه التحولات.

تعتمد مصر – ذات الـ118 مليون نسمة – على نهر النيل في نحو 97% من احتياجاتها من المياه العذبة، ما يجعل النهر بمثابة «شريان الحياة» للبلاد. وقد تراجعت حصة الفرد من المياه من نحو 1900 متر مكعب عام 1959 إلى أقل من 600 اليوم، أي دون حدّ الفقر المائي الذي تحدده الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تنخفض إلى أقل من 500 بحلول عام 2050، ما يعني دخول مرحلة الندرة المطلقة. وتفاقم التغيرات المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر وضعف كفاءة الريّ هذه الأزمة، مهددةً الإنتاج الغذائي والاستقرار الاجتماعي.

### الإرث التاريخي والاختلال القانوني

لا يمكن فهم الأزمة الدبلوماسية الحالية من دون العودة إلى الاتفاقيات المائية الموروثة من الحقبة الاستعمارية بين مصر والسودان. فالاتفاقية التي رعتها بريطانيا عام 1929 منحت مصر 48 مليار متر مكعب سنويًا والسودان 4 مليارات، وأعطت القاهرة حق الفيتو على أي مشاريع في دول المنبع. لم تكن إثيوبيا طرفًا في هذه الاتفاقية ورفضت دومًا شرعيتها. أما اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، فقد عمّقت هذا الخلل، إذ خصصت نحو 84% من مياه النيل لهما (55.5 مليارًا لمصر و18.5 للسودان) من دون إشراك إثيوبيا، التي تعتبر كلا الاتفاقيتين لاغيتين.

استندت مصر لعقود إلى هذه الاتفاقيات لتأكيد «حقوقها التاريخية»، بينما رفضتها دول المنبع بوصفها «تركة استعمارية». وهكذا نشأ خلل بنيوي بين «الشرعية القانونية» و«الواقع الهيدرولوجي»: فدول المنبع ترى أن تنميتها مقيّدة، فيما ترى مصر أن أي تعديل في تدفق النهر تهديد وجودي.

وتصاعدت التوترات مع إثيوبيا منذ عام 2011 عندما شرعت في بناء السدّ. ولم تُثمر سنوات من المفاوضات – برعاية الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والبنك الدولي – عن اتفاق ملزم، مما أبقى الغموض والتوتر قائمين. وفي هذا السياق، باتت إدارة المياه مرتبطة بالأمن القومي والسياسة الطاقوية والدبلوماسية الإقليمية.

تؤكد إثيوبيا أن تشغيل السدّ يتم وفق المتغيرات الموسمية وحاجات التوربينات، فيما تقول مصر إن غياب الشفافية ينتهك «إعلان المبادئ لعام 2015» الخاص بالاستخدام المنصف لمياه النيل. من منظور جيوسياسي، تعكس عودة التوترات تصلب المواقف واحتمال انزلاق المنطقة إلى «مواجهة مائية طويلة الأمد».

### التوصيات

اليوم، تفتقر إدارة حوض النيل إلى ثلاثة عناصر أساسية:

1. عجز تقني: غياب البيانات الفورية حول التصريفات والتدفقات.
2. عجز تشغيلي: عدم وجود قواعد متفق عليها لإدارة فترات الجفاف أو الفيضانات.
3. عجز سياسي: انعدام الثقة وتضارب السرديات الوطنية.

تؤكد الفيضانات الأخيرة تكلفة هذه الفجوات، فيما تصر القاهرة على أن «النيل خط أحمر»، ما يجعل التسويات صعبة سياسيًا.

ينبغي لمصر أن تعتمد مقاربة مزدوجة:

* خارجيًا: تعزيز التحرك القانوني والدبلوماسي عبر آليات مثل محكمة العدل الدولية، والحفاظ على المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة – وهما جهتان تملكان نفوذًا على الأطراف الثلاثة. كما سيُنشأ فريق فني ثلاثي مستقل تحت إشراف الاتحاد الأفريقي لتحليل البيانات الهيدرولوجية وتطوير نماذج إنذار مبكر للفيضانات، وربط أنظمة الرصد في الدول الثلاث لتبادل البيانات في الوقت الحقيقي.
* داخليًا: تسريع برامج التكيّف الوطني بالاستثمار في كفاءة استخدام المياه، وتحلية مياه البحر، وتحديث شبكات الصرف ومحطات الرفع، وتوسيع نظم التأمين الزراعي لحماية المجتمعات الهشة.

وفي نهاية المطاف، ينبغي إعادة توجيه الدبلوماسية الدولية نحو «المرونة المشتركة»، بحيث تُفهم الشفافية والتنسيق كأشكال من السيادة المسؤولة، لا كقيود خارجية.

تشكل الفيضانات الأخيرة إنذارًا بأن التعاون الفني لا يمكن أن يبقى رهينة الخلافات السياسية. فمصير سدّ النهضة – سواء أكان أداةً للتكامل الإقليمي أم بؤرةً دائمة للصراع – سيتوقف على مدى سرعة دول الحوض في الانتقال من الاتهامات المتبادلة إلى الإدارة المشتركة. البديل هو مستقبل من الفيضانات المتكررة، وانعدام الثقة، وتسييس المياه، بما يهدد ليس فقط دلتا النيل، بل استقرار القرن الأفريقي وشرق المتوسط بأكمله.

أليسيا ميلكانجي أستاذة التاريخ المعاصر لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في جامعة «سابيينزا» في روما، وزميلة أبحاث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في ميلانو، وزميلة غير مقيمة في «مجلس الأطلسي» ضمن مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025