بينما يصوغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بيده، وقد حقق سلسلة نجاحات دبلوماسية في الأشهر العشرة الأولى من ولايته، تبدو أوضاعه الداخلية أقل إشراقًا بكثير، خلال الأسابيع الأخيرة مُني الرئيس بسلسلة هزائم سياسية مدوية، ويشير استطلاع جديد إلى أن نسبة تأييده هبطت إلى أدنى مستوى منذ بداية ولايته.
قال يفتح دَيّان، خبير في السياسة الأمريكية: "رئيس في ولايته الثانية هو رئيس تدرك حزبه أن مصيرها ومصيره ليسا بالضرورة واحدًا، مصالحهم مختلفة، ترامب يريد التركيز على إرثه ومكاسبه الشخصية، بينما الحزب يريد الفوز في الانتخابات".
وأضاف: الانتخابات المحلية التي جرت في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر عكست استياءً شعبيًا من الجمهوريين، وهو ما اعتبرته قيادة الحزب إنذارًا واضحًا، مما زعزع مكانتها داخله.
رغم محاولاته منع الأمر: وثائق إبستين ستُنشر
ترامب حاول أشهرًا طويلة منع تقدم التحقيق في قضية المتهم الجنسي جيفري إبستين، ووصف محاولة نشر مواد إضافية بأنها "خدعة ديمقراطية"، في الأسابيع الأخيرة حاول الضغط بشدة على مشرعين جمهوريين للتصويت ضد قانون يُلزم بنشر الوثائق، دون جدوى.
بعد أن أدرك أنه لن ينجح في منع إقرار القانون، قام ترامب بانعطافة نادرة ودعا الجمهوريين إلى دعم القانون عبر منشور على منصة Truth، في محاولة لتجنب إحراج علني. كتب: "ليس لدينا ما نخفيه".
أول أمس، أقرّ الكونغرس القانون بأغلبية كبيرة، وتعهد ترامب بالتوقيع عليه، الوثائق التي ستُنشر قد تسبب له إحراجًا إضافيًا، إذ كان على صلة بإبستين حتى مطلع سنوات الألفين، يصف ديّان نشر الوثائق بأنه "الهزيمة الأكبر" للرئيس مؤخرًا.
محاولة إعادة رسم الدوائر الانتخابية وانعكاسها عليه
جبهة أخرى فاشلة لترامب هي محاولته إعادة رسم الدوائر الانتخابية في ولايات جمهورية لتحسين فرص حزبه في انتخابات منتصف العام المقبل، حاول كسر القواعد المتعارف عليها، إذ يجري عادة إعادة رسم الدوائر مرة كل عقد، بهدف الحفاظ على الأغلبية الجمهورية في الكونغرس.
في تكساس، الولاية الجمهورية الأكبر، أُعيد رسم الدوائر طمعًا في كسب خمسة مقاعد. وكذلك في كارولاينا الشمالية وميسوري.
لكن الخطة قد ترتد على ترامب؛ فقد ألغى قاضٍ فدرالي الخريطة الجديدة في تكساس، ويستأنف الجمهوريون على القرار، وفي كانساس وإنديانا ظهرت معارضة داخلية من الحزب نفسه، ورفضت سلطاتهما تقليص عدد الدوائر ذات الأغلبية الديمقراطية.
في المقابل، تحركت ولايات ديمقراطية لرسم دوائر جديدة كرد فعل على خطوة ترامب، وتعمل كاليفورنيا على ذلك بنشاط، التقديرات في الولايات المتحدة تشير إلى أن الجمهوريين قد لا يربحون مقاعد إضافية، بل ربما يخسرون مقاعد مهمة، إلى جانب ضربة في الرأي العام.
"هذه خطوة تكسر الأعراف، والعديد من الناخبين الجمهوريين عبّروا عن معارضتهم لها"، يقول ديّان. ويضيف البروفيسور ريك هايسن من جامعة UCLA: "ترامب ربما أخرج الجني من القارورة، لكنه قد يحصل على نتائج لم يكن يتوقعها".
خلاف علني مع حليفة سابقة
خلال الأشهر الأخيرة دخل ترامب في صدام مع واحدة من أبرز حلفائه، النائبة مارجوري تايلور غرين. بدأت الأخيرة بانتقاد الرئيس بسبب انشغاله الكبير في ملفات السياسة الخارجية، ودعت إلى نشر وثائق إبستين رغم معارضته، كتبت: "أريد أن أرى اجتماعات في البيت الأبيض بشأن السياسة الداخلية وليس الخارجية".
ترامب ردّ مهاجمًا، وقال إن غرين "فقدت طريقها" ووصفها بـ"الخائنة"، استمر تبادل الهجمات العلني، وأعلن ترامب أنه سيدعم منافسًا لها في الانتخابات القادمة.
الاستطلاع المقلق
دخل ترامب ولايته بنسبة تأييد أقل من معظم الرؤساء الجدد، ومنذ ذلك الحين تتراجع شعبيته، وفق استطلاع جديد لوكالة رويترز، يحصل الرئيس على 38% فقط من التأييد، أدنى رقم له منذ بداية ولايته. كما يظهر متوسط استطلاعات "نيويورك تايمز" أن 55% من الأمريكيين غير راضين عن أدائه، مقابل 41% فقط يدعمونه.
سلسلة العثرات السياسية تعكس الانقسام المتزايد داخل قاعدته الانتخابية، وتوضح أن سيطرته على الحزب الجمهوري لم تعد مطلقة، يقول ديّان: "الادعاء بأن حركة ترامب هي ترامب نفسه بات تحت الاختبار. ترامب انحرف عن الخط الأيديولوجي لحركته في كثير من خطواته هذا العام، وهم غير راضين عن ذلك".