معاريف
ترجمة حضارات
بن كسبيت
القيادة السياسية تريد "تنظيف الإسطبلات" – لكنها بقيت بلا خيول: الأزمة الخطيرة في قيادة سلاح الجو
بينما يضع مرتدو الزي العسكري في 7 تشرين الأول المفاتيح ويعودون إلى بيوتهم، يواصل كبار المستوى السياسي – أولئك أصحاب القرار الذين تقع عليهم المسؤولية الكاملة عن الكارثة – التصرف كأن الحدث كله لا علاقة لهم به.
قبل أن نتطرّق أو نحلّل أو نناقش "مسيرة العار" التي استُدعي إليها أمس (الأحد) إلى مكتب رئيس الأركان، وفي إطارها أُقيلت سلسلة طويلة من الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي بسبب مسؤوليتهم عن 7 تشرين الأول، من الواجب التطرق إلى الجوهر، إلى الكركدن في الغرفة: إلى ما يُسمّى "المستوى السياسي".
يصعب النظر إلى هذا المشهد ببرودة أعصاب. ويصعب أكثر قبول حقيقة أن المستوى الذي يحمل المسؤولية الكاملة ويمسك بكامل الصلاحيات – أصحاب القرار، أولئك الذين يحددون السياسة ويصدرون الأوامر للجيش – يتصرف هنا كأن الحدث كله لا يعنيهم. ما شأنهم بهذا؟ بل وأكثر من ذلك: الشخص الذي يشغل منصب وزير الأمن يتجرأ على القول إن "كل من كان في منصبه في 7 تشرين الأول" يجب أن يتحمّل المسؤولية، ورئيس الحكومة يوزّع العلامات على الجميع، يعيّن ويقيل ويعزل ويوبّخ، بينما يدفع مرتدو الزي العسكري الثمن كاملاً، وأحياناً مبالغاً فيه، ويُذلّون في ساحة المدينة.
لا شيء مما قيل يُراد به التقليل من مسؤولية المؤسسة العسكرية عمّا جرى في تلك السبت المشؤومة. المقصود هو وضع الحدث في حجمه الصحيح: كل من ارتدى الزي العسكري قبل على نفسه المسؤولية، واعترف بها، ووضع المفاتيح وغادر إلى منزله. هؤلاء سيحملون وصمة العار هذه على جباههم حتى آخر أيامهم. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حليفا سيُذكر إلى الأبد كرئيس الاستخبارات العسكرية في 7 تشرين الأول، وكذلك قائد المنطقة الجنوبية، ورئيس شعبة العمليات، وقائد الوحدة 8200، وقائد سلاح الجو وغيرهم. كرّسوا حياتهم لأمن الدولة، وأخفقوا إخفاقاً خطيراً، ولم يحاولوا الهرب من المسؤولية؛ على العكس، واجهوها مباشرة وخفضوا رؤوسهم.
ومع ذلك، هناك استثناءات: أولاً، ضابط الاستخبارات في فرقة غزة، الذي لا شك في أنه الضابط الأقرب إلى الحدث والأكثر مسؤولية عنه، بشكل مباشر وفوري، وبأكبر قدر من الإهمال – إن لم نقل التقصير الفادح. تحصّن في منصبه لعامين ورفض التخلي عنه. الرجل الذي سخر واستخفّ بكل الإنذارات التي أطلقتها المُستقبِلة اللاسلكية "و"، وأغمض عينيه أمام كل أجراس الإنذار وإشارات التحذير، ظنّ أنه يستطيع الاستمرار. استغرق الأمر عامين حتى يُقيله الجيش، وحتى ذلك لم يكن سهلاً. هذا الرجل كان يجب أن يُدعى إلى مكتب رئيس الأركان بعد أسبوع من المجزرة، وأن تُنزَع الرتب عن كتفيه. لا بأس، متأخراً أفضل من عدمه. وفي القيادة الجنوبية ضابطان آخران لم يسارعا إلى تحمّل المسؤولية (قائد فرقة غزة وقائد اللواء الشمالي)، لكنهما أيضاً في البيت الآن. هؤلاء، كما أسلفنا، استثناءات.
أما حقيقة أن من يتحمّلون المسؤولية العليا، الشاملة، والذين تولّوا إدارة الدولة ومسؤولية أمنها، يحاولون الاستمرار كالمعتاد وتجاهل الحدث – فهي حقيقة لا تُحتمل. وأن حكومة إسرائيل لم تُقم بعد لجنة تحقيق رسمية، وتحاول إنشاء محكمة صورية تابعة لها لفحص جرائمها، أمر يكاد لا يُصدَّق. حدث كهذا لم يكن ليُمرَّر في أي دولة أخرى. هؤلاء كان يجب أن يُدفعوا خارج مكاتبهم بالشوك والعصيّ (مجازياً طبعاً)، تماماً كما اعترف بتسلئيل سموتريتش نفسه بعد وقت قصير من المجزرة. لكنهم ما زالوا هناك، وبدلاً من أن يكونوا هم من يُسحبون في شوارع المدينة مُلطَّخين بالقَطِران ومغطَّين بالريش، يحاولون نزع ريش الآخرين، يوزّعون العلامات، ويُلقون بالادعاءات.
لا يُحسد رئيس الأركان الفريق أيل زمير. أمس انشغل بـ"ترقيق" هيئة أركان حزب الله بيد، وتنقية هيئة أركانه هو باليد الأخرى، مع الفارق الهائل طبعاً بين الأمرين. ولست متأكداً أنه لم يندم على مبادرته تكليف اللواء سمي تورجمان بفحص التحقيقات التي أُجريت في الجيش في فترة هرتسي هاليفي. هذا القرار فتح صندوق باندورا ووضع على طاولته قنبلة موقوتة.
يُقال فوراً: رغم أن تحقيقات تورجمان أضافت كثيراً إلى تحقيقات هرتسي هاليفي، فإنه لم تُكتشف في التحقيقات الأصلية أي مؤشرات على طمس أو تلاعب أو هروب من المسؤولية. أُجريت هذه التحقيقات أثناء الحرب، أصعب حروب إسرائيل، وقد زوّدت الجيش بالدروس الأولى والحيوية لاستخلاص العبر. ما فعله تورجمان هو استكمالات ضرورية وغوص في مناطق لم تُفحَص بعد. كان يفترض أن تقوم بهذه المهام لجنة تحقيق رسمية، لكن لجنة كهذه لم تُقم. زمير قرر ألا ينتظر. وربما يندم الآن.
أمس اختار زمير الحل السهل. استنتاجات تورجمان ليست متساوية: فليس حُكم حليفا كحُكم فنكلمن. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية كان في منصبه سنوات طويلة، و"المفهوم" جزء من إرثه. (يجب التذكير بأن حليفا عرض على رئيس الأركان استقالته فوراً بعد 7 تشرين الأول). أما يارون فنكلمن فقد تولّى منصب قائد المنطقة الجنوبية قبل 90 يوماً فقط من المجزرة. ثلاثة أشهر لا تكفي لتغيير سياسة أمنية أو عقيدة قتال أو منظومة دفاعية. لكنه الرجل الذي تلقّى الضربة، وتحول بعدها إلى "آلة حرب" بشرية.
فنكلمن، الذي نال أيضاً كلمات مدح في تحقيق تورجمان، لم يهدأ ولم يسترح حتى أنجز الجيش مهامه في غزة. فنكلمن، وحليفا، وثالثهم رئيس شعبة العمليات اللواء أوديد بسيوك، لا يشغلون مناصب في الاحتياط أصلاً. إعلان رئيس الأركان عن إقالتهم من الاحتياط مجرد خطوة بروتوكولية، محاولة لترضية الجماهير في الكولوسيوم.
وكان هناك مسؤول آخر: رئيس شعبة العمليات السابق العميد شلومي بيندر. خرج بأقلّ ضرر نسبياً. ما أنقذه هو أنه عُيّن في هذه الأثناء رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية. بيندر، بإجماع الآراء، يقود في الشعبة عملية إعادة بناء دراماتيكية وتاريخية وجذرية: تنظيف "المفهوم"، واقتلاعه من الجذور، وإعادة بناء مفهوم التشغيل، وترميم مفهوم "الإنذار"، وردّ الاعتبار لضباط اللاسلكي، وغير ذلك من مهام لا تُحصى.
رئيس الأركان يعرف أن استبدال بيندر الآن، في منتصف الإقلاع، سيكون عملاً غير مسؤول. أحد المطلعين قال لي أمس إن بيندر، وهو من أقدر ضباط الجيش، كان من المفترض أن يكون رئيس الأركان. حقيقة أنه سينهي ولايته في الاستخبارات ثم يغادر إلى البيت هي عقوبة كافية. أما بسيوك وحليفا فلم يكن مفترضاً بهما أصلاً أن يكونا رؤساء أركان. وماذا عن فنكلمن؟ سؤال مفتوح.
باختصار، الحدث مركّب. الأمر يتعلق بـ"أحكام متعلقة بالأرواح". الحديث عن أشخاص كرّسوا حياتهم لأمن الدولة، أخفقوا إخفاقاً خطيراً، ودفعوا الثمن بمناصبهم وبسمعتهم وبمسيرتهم المهنية. أشخاص لم يهربوا من المسؤولية. هل يجب إعدامهم؟ طبعاً لا. لكن هل يجب ملاحقتهم بعد أن عادوا إلى منازلهم، والسهر على إذلالهم علناً؟ هذا قرار يترك لكل واحد. رئيس الأركان اتخذ قراره أمس وقطع العقدة الغوردية كالإسكندر: من دون تفصيل، ومن دون التعمّق، ومن دون إطالة – بضربة واحدة.
كلمة عن سلاح الجو: تومر بار تلقّى "ملاحظة قيادية". سلاح الجو لم يكن مستعداً لـ7 تشرين الأول: لم تكن هناك عقيدة قتال لحدث بهذا الحجم، ولا إجابة للمسيّرات، وغير ذلك. بار ينهي مهامه على أي حال. سيتلقى ملاحظة، لكنه لن يُقال من الاحتياط. أما المرشح لقيادة السلاح المقبل، العميد عومر تيشلر، فهناك في المستوى السياسي من يعتقد أنه مسؤول أيضاً، ولذلك لا ينبغي تعيينه.
لم يكن هنا مستوى سياسي أكثر تهوراً ولا مبالاة من هذا. "إذا أرادوا تعيين قائد لسلاح الجو لا علاقة له بـ7 تشرين الأول، فليبحثوا عنه في دورة الطيران"، قال لي مؤخراً أحد كبار ضباط السلاح (ليس تيشلر). وإضافة إلى ذلك: لا يوجد حالياً أي مرشح جدير آخر يمكنه أن يملأ فراغ تومر بار. نشأت وضعية يكون فيها مرشح واحد فقط، لا خلاف على كفاءته. لكن "المستوى السياسي" يريد لا أن ينظّف الإسطبلات فحسب، بل أن يحرقها أيضاً، إيماناً ساذجاً بأن ذلك سيُسقط عنه المسؤولية التاريخية العليا عن أكبر كارثة تحلّ بإسرائيل منذ المحرقة.