والا نيوز
أمير بوخبوط - ترجمة حضارات
عقد على الربيع العربي
لقد خلق الربيع العربي سلاحًا جديدًا في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن تستخدمه الجماهير مرة أخرى
الثورات التي فاجأت الأنظمة المختلفة لم تحقق في الغالب أهدافها: العدالة والازدهار. تم قمع القوى الجديدة في معظم الحالات، لكن مجتمع الاستخبارات يعتقد أن عدم الاستقرار الإقليمي، إلى جانب قوة الشبكات وتطور التضامن الاجتماعي قد يتسبب في اندلاع الاحتجاجات الشعبية مرة أخرى – وبقوة
تصادف هذا الأسبوع الذكرى السنوية العاشرة لبداية الربيع العربي. بدأت سلسلة من الاحتجاجات في تونس عندما حاول محمد بوعزيزي ، 26 عامًا، إعالة والدته الأرملة وخمسة أشقاء من خلال بيع الخضار في كشك غير قانوني. أشعل النار في نفسه في 17 ديسمبر / كانون الأول 2010، لأن الشرطة صادرت الكشك. توفي البوعزيزي متأثرا بجراحه بعد قرابة ثلاثة أسابيع، لكن القصة المروعة أشعلت القلوب في جميع أنحاء العالم العربي ، ونزل مئات الآلاف إلى الشوارع للتعاطف مع الإحباط والألم.
اندلعت مظاهرة مماثلة في مصر حيث تم بثها على قناة الجزيرة ووسائل التواصل الاجتماعي. الطريقة التي اندلعت بها الاحتجاجات فاجأت المخابرات الإسرائيلية تمامًا، التي لم تشخص قوة الشبكات الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع حالة الغليان واللهب الذي ارتفع من شوارع ميدان التحرير وانتشر في جميع أنحاء مصر. الإدارة الأمريكية، التي تخيلت في ذلك الوقت المزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط، أدارت ظهرها لحليفها الرئيس حسني مبارك على مدى عقود، وفي الواقع حددت مصيره. لف باراك أوباما الحبل حول عنق مبارك لكنه رفض الموت وصارع شعبه حتى اللحظة التي أُجبر فيها على التنحي إخلاء مقعده.
المرحلة التالية من الاضطرابات الإقليمية حدثت في اليمن، والتي جرت خلفها حرب أهلية منذ الستينيات. في الوقت نفسه، أذهلت ليبيا العالم أيضًا بسقوط الحاكم القاسي معمر القذافي، الذي تراكمت آلاف الصفحات في مقر الموساد عن شخصيته المعقدة. وبدأت قطع الدومينو في السقوط.
في سوريا، كانت واحدة من القصص الرائعة، حيث تمنت الكثير من المصادر حول العالم بالقول والفعل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد - خاصة في الشرق الأوسط لكنه نجا رغم كل الصعاب. الأسد، الذي لا يزال يصارع ضد المقاومة في سوريا ويسعى لإعادة بناء الدولة المدمرة، يضحك بطريقته الخاصة على الراثين والنقاد القاسيين. بعد ذبح شعبه بالأسلحة الكيماوية وبراميل المتفجرات التي هزت مدنًا بأكملها، دعا مؤخرًا أبناء شعبه إلى العودة من أوروبا والاستقرار في سوريا، وسط تعهد بتزويدهم بمصدر رزق ومنزل بدعم اقتصادي روسي.
كانت الحالة السورية في الربيع العربي هي الأكثر قسوة و تقشعر لها الأبدان. لم يؤدِ قمع الأسد الوحشي لشعبه فقط إلى زيادة غضب وشدة ردة فعل المواطنين تجاه النظام، بل تسبب - وبحسب الخبراء في وزارة الدفاع – في فهم بقية القادة في الشرق الأوسط أنهم إذا لم يتصرفوا بحكمة في احتجاجات شعوبهم الذين يطالبون بالعدالة الكاملة والحرية والازدهار الاقتصادي، فسيجدون أنفسهم فوق النار.
كما رأينا احتجاجات كبيرة وعنيفة في الجزائر والأردن والمغرب، لكن الأنظمة عرفت كيفية احتوائها بحكمة كبيرة. ثم جاءت موجات احتجاجات أصغر بكثير في السعودية والكويت ولبنان. هذا لا يعني أن الوضع هناك أفضل، لكن الأنظمة، عرفت كيفية إدخال إصلاحات لتحويل وامالة الرأي العام بمساعدة وسائل الإعلام، وعندما قرروا استخدام القوة والقمع، بما في ذلك التعذيب في غرف التحقيق، كان ذلك بعيداً عن أعين الكاميرات ووسائل التواصل الاجتماعي. تماشياً مع التطورات التكنولوجية بعيدة المدى، أصبحت أدوات المراقبة الخاصة بالمجتمع أكثر توغلاً مما كانت عليه في الماضي، بينما تنتهك حقوق الإنسان بشكل صارخ.
وقود للاحتجاجات العنيفة القادمة
لدى مجتمع الاستخبارات جميع أنواع الأساليب عندما يتعلق الأمر بتحليل العقد الماضي في الشرق الأوسط، لكن معظم الخبراء متفقون تقريبًا على أن الربيع العربي لم يتوقف. لقد تغير شكله، وخمد، وقد ينفجر مرة أخرى بشكل غير متوقع. من المحتمل جدًا أن يكون أكثر قوة في المستقبل، طالما أن الجمهور في مختلف البلدان غير راضٍ عن الوضع.
اختار مصدر خبير في مجتمع الاستخبارات- طُلب منه وصف خطوط عريضة للربيع العربي- الإجابة بطريقة ذكية. لقد أخبر عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الذي التقى سرًا في الصين عام 1971 برئيس الوزراء الصيني الشيوعي تشو أنلاي، الذي كان أيضًا وزيرًا للخارجية في ذلك الوقت. وسأله عن رأيه في الثورة الفرنسية التي حدثت قبل 180 سنة، فأجاب إنلاي: "من السابق لأوانه التحديد".
يفضلون في وزارة الدفاع، في ظل الواقع الناشئ في المنطقة، السماح لأنفسهم بهامش واسع للتقييم الاستخباراتي. ووفقًا لذلك، يُقال أنه في الاحداث التاريخية من هذا النوع قد تأتي موجات أخرى. لذلك من الصحيح أن نذكر أن هذه موجات ارتدادية التي قد تجر خلفها
الاضطرابات الإقليمية. قد يجادل آخرون بأن الديمقراطيات في أوروبا قد استغرقت أيضًا قرونًا للبناء والتشكل، ولأن القضية الثقافية في الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا، فسوف تستغرق وقتًا أطول. أوضحت مصادر في الجيش الإسرائيلي أن لكل دولة ظروفها الخاصة، وبالتالي فإن التعميمات في كل ما يتعلق بالربيع العربي ستكون مائعة.
الوقود المقبل
يشير المصدر نفسه في مجتمع الاستخبارات إلى اتجاهين أساسيين في الشرق الأوسط، يتم الحفاظ عليهما وتعريفهما على أنهما مشاكل يمكن أن تكون بمثابة وقود للاحتجاجات العنيفة التالية: التركيبة السكانية، التي لا تتوقف وتضغط على البنى التحتية القديمة جدًا وغير الخاضعة للصيانة، مثل الكهرباء، مصادر المياه وحتى الطرق والمؤسسات التعليمية والطبية، وفي نفس الوقت إيقاع الإصلاحات الاقتصادية، أو بلغة الشارع القدرة على ضمان سبل العيش والغذاء والتعليم للجمهور بأكمله.
طالما لم يحصل الجمهور على ما يريده من السلطات، فقد يتكرر الانفجار مثلما حصل في ميدان التحرير. إذا كان هناك أمل حقيقي في التغيير في عدد غير قليل من البلدان في المنطقة - فقد جاء فيروس كورونا، وأحدث تغييرًا بالفعل، لكنه مختلف عن أي شيء يمكن توقعه. الأهم من ذلك كله، أن كورونا أثبت وجود فجوات في العالم العربي - بين رأس الدولة وبقية الشعب.
أثبت الربيع العربي أنه قد حدث تغيير، وأن نقطة تحول قد حدثت في جميع أنحاء العالم. الجنرال الأمريكي المتقاعد وصاحب الكثير من الأوسمة جيمس ماتييس، الذي كان قائد الفرقة مشاة البحرية الأولى في حرب العراق ووزير دفاع الولايات المتحدة في إدارة ترامب، كتب في كتابه، فوضى علامة النداء: تعلم القيادة (call sign chaos: learning to lead) حول الربيع العربي من منظور سياسي وعسكري رفيع المستوى. في رأيه، أثبتت الشبكات الاجتماعية أن الشخص لا يجب أن يكون عضوًا في منظمة ليتم تنظيمه وتوجيهه بشكل فعال. طريقة أخرى لوصف تطور الإنترنت والشبكات الاجتماعية هي حسب العبارة التي طالب بها البروفيسور مارشال ماكلولين، "الوسيلة هي الرسالة".
اكتشف ديكتاتوريو الشرق الأوسط، الذين تشبثوا بالسلطة لفترة طويلة، فجأة أن أمامهم قوة هائلة كانت تُنظم بسرعة دون سابق إنذار، ودون أن تتمكن المخابرات من الإشارة إلى بؤرتها المركزية. لقد تعلمت الأنظمة المختلفة جيدًا من متاعب الآخرين، وطورت أدوات للتعامل مع الظواهر التكنولوجية والاجتماعية. قال مسؤول كبير في وزراة الدفاع الشهر الماضي إن الربيع العربي لم يجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط ولا إصلاحات بعيدة المدى، ولكنه ببساطة جعل القادة أكثر تطوراً ووحشية.
لقد أظهر الواقع في الشرق الأوسط مرارًا وتكرارًا أنه لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث غدًا. واعترف مصدر أمني إسرائيلي بأنه متأكد من أنه لحظة دخول انتحاري إلى المجمع الأقرب للرئيس السوري الأسد وانفجاره، كانت ستبدو وكأنها نهاية الدكتاتور طبيب العيون من دمشق. نفس الإرهابي الذي تغلب على جميع الدوائر الأمنية، أثار بصيص أمل بين رؤساء دول المنطقة، بمن فيهم رؤساء دول في الغرب، أن موت الأسد بات قريباً، وسوف ينجحون في المرة القادمة - لكن هذه اللحظة لم تأت.
حاول الجنرالات الأمريكيون تشكيل جسر بين رجال الدولة وثقافة الشرق الأوسط، والتي لا تتوافق بالضرورة مع قيم الديمقراطية، لكنهم فشلوا مرارًا وتكرارًا. هذا ما اعتقده باراك أوباما فعلاً، مبرراً جائزة نوبل التي حصل عليها قبل دخوله البيت الأبيض، بمطالبة مبارك باحترام إرادة الشعب والنزول عن المنصة. لكن هذه كانت وجهة نظر سياسية أمريكية غير مرتبطة بالواقع.
لمحاكاة ما قد يحدث، كان هناك جنرالات أشاروا إلى الطريقة التي استخدم فيها المتحدث باسم القاعدة وقائدها أنور العولقي جنسيته الأمريكية لاختراق جدران الديمقراطية. والذي اغتيل في عام 2011 من قبل الولايات المتحدة، بأمر مباشر من أوباما، في خطوة أقامت عليه منظمات حقوق الإنسان، لأنه كان أولاً وقبل كل شيء مواطنًا أمريكيًا قُتل بطائرة بدون طيار، وليس إرهابياً رئيسياً ارتكب فظائع وساعد في جمع رأس المال لقتل المدنيين الأبرياء. بعد أسابيع قليلة، اغتيل ابن العولقي البالغ من العمر 16 عامًا بطريقة مماثلة أثناء جلوسه في مقهى في اليمن.
عَرَفَ ماتيس كيف يخبرنا عن الفظائع التي ارتكبها الديكتاتوريون ضد شعوبهم، وكيف سار كجنرال بين خيام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين حاولوا الفرار بحياتهم من الأسلحة الكيماوية التي ألقاها عليهم الأسد. المعادلة التي كتب عنها: "التخويف ضد عدونا وإلهام صديقنا" لا يبدو أنها موجودة في الحالة السورية. حارب الأسد شعبه بلا هوادة ووقف الغرب متفرجًا.
جنرال آخر قام بتحليل الربيع العربي كان رئيس أركان الجيش البريطاني، الجنرال ديفيد ريتشاردز، الذي كان أيضًا قائد قوات الناتو في أفغانستان وأول بريطاني يقود القوات الأمريكية، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. في عام 2011، قام بزيارة لبضعة أيام بدعوة من رئيس
الأركان آنذاك، بني غانتس، من أجل معرفة مدى جدية إسرائيل بشأن التهديد بشن هجوم على إيران.
كتب ريتشاردز في كتاب سيرته الذاتية أنه يعتقد أن إسرائيل تنوي مهاجمة إيران حتى لو لم تنضم إليها الولايات المتحدة. وانتقد الحكومات الغربية لعدم دعمها بالضرورة للأشخاص المناسبين خلال الربيع العربي، لكنه امتنع عن تحليل مصالح بريطانيا في القضية الليبية، حتى سقوط الحاكم معمر القذافي. كما أنه لم يخفِ حقيقة أن بريطانيا كانت تتبع إلى حد كبير مصالح الولايات المتحدة.
على الرغم من أنه لم يكن يعتقد أن ذلك ممكن، فقد خطرت في ذهنه فكرة مساعدة الأسد الابن في محاربة الجهاديين العالميين، لمنع الأزمة الإنسانية الضخمة التي سببتها الحرب الأهلية السورية. كما كتب عن محاولات تسليح قوات المعارضة السورية مع قائد القوات المشتركة الأمريكي مارتن ديمبسي. الواقع على الأرض، صفع العديد من زعماء المنطقة والغرب على وجوههم، ولم يكتف بإثارة قوة العناصر الإرهابية العالمية، بل خلق نوعًا من الفوضى التي تهدد العالم الحر.
الحرية تغذي الإحباط
قال مسؤول أمني كبير هذا الأسبوع إن الربيع العربي هو صيغة تتم تغذيها طالما المواطنون في العراق وسوريا والأردن والسودان ومصر يقومون بمتابعة صفحات الشبكات الاجتماعية على أجهزتهم المحمولة ويرون ما سيقدمه ويقترحه العالم الحر. القيم والأفكار والاقتصاد والثقافة الغربية وهذا يقوي الارادة من ناحية، ولكن إلى حد كبير أيضًا الإحباط الكبير.
عن الاحتجاج الذي يتكدس من جديد وعلى مراحل في شوارع الشرق الأوسط يشهدون المتظاهرين الذين يرتدون أقنعة "الجوكر" من الفيلم الأمريكي بطولة خواكين فينيكس. يقدم الفيلم زاوية حادة ومؤثرة عن المجتمع البشري، الذي يمنع الشخص المصاب بإعاقة ذهنية من أن يكون جزءًا منه حتى نهايته المريرة. وتشير ظاهرة "الجوكر" بشكل خاص، والربيع العربي بشكل عام، بحسب مصادر في مجتمع المخابرات، إلى تقوية الهوية الذاتية والتآكل الجماعي، حيث يقوم المجتمع العربي على العشيرة والقبيلة.
على الرغم من ذلك، لا يزال الدين الإسلامي يشكل جزءًا أساسيًا من حياة مواطني الدول العربية. ولا يوجد تضاد بينهما. الجمهور يطالب الأنظمة بحقوق أكثر وفساد أقل، وبكلمات بسيطة يطالب المواطن "بنصيب أكبر من الكعكة". المتظاهرون يرفضون المشاركة في قواعد اللعبة.
قال مسؤول أمني حلل ديناميكيات الشرق الأوسط خلال العقد الماضي: "في الماضي، كان هناك ادعاء في الثقافة السياسية في الشرق الأوسط تفيد بأن الديكتاتورية أفضل من الفوضى". وأضاف أنهم "اليوم لم يعودوا يقبلون ذلك بهذه السهولة. هنا يبدأ التصادم. الأنظمة تفشل في تلبية احتياجات الجمهور الذي يطالب بالمزيد. إنه توتر دائم".
ووفقًا للمصدر، فإن هذا هو السبب في أنهم يتحدثون عن الازدهار الاقتصادي من أجل التلويح بالجزرة لشعبهم، لكنهم دائمًا ما يتبنون سياسة العصى حتى لو سراً. نظام آية الله في إيران الذي عانى من موجة الاحتجاجات ضده منذ عام 2009، قبل عامين من اندلاع الربيع العربي، كان يتحدث كثيرًا عن الازدهار الاقتصادي على الرغم من العقوبات الأمريكية، لكنه في الوقت نفسه يطور أدوات القمع العنيفة التي يستخدمها ويتقنها.
بعد عقد من الزمان، لا تعارض إسرائيل الدول التي تتعامل مع المشاكل الداخلية بشكل يحرمها من الكثير من الاهتمام والطاقة، لكنها لا تفضل سقوط الأنظمة والحروب الأهلية من حولها، بل الأنظمة المستقرة. حتى لو كانوا ديكتاتوريين. بالنسبة لإسرائيل، هناك حاجة إلى عنوان واحد واضح لإيصال الرسائل والتفاوض.
لا يزال الشرق الأوسط يحمل سنام الجهاد العالمي في سوريا وسيناء والعراق والظواهر التي اندلعت واختفت في هذه المرحلة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية وفي الضفة. لم تكن داعش بالتأكيد ما كانت في أوج فكرة الدولة الإسلامية في 2016-2015، لكنها لم تختف تمامًا أيضًا. بالتأكيد ليست الفكرة الجهادية حول العالم. ووفقًا لتقديرات مجتمع المخابرات الإسرائيلي، سيظل تنظيم القاعدة أو داعش يتخذ شكلاً مختلفًا وسيظهر بقناع جديد.
العلاقة الإيرانية
كانت إحدى القضايا البارزة للغاية خلال الربيع العربي هي تقدم إيران لإذكاء وقود الصرعات في الشرق الأوسط، وتزويدها بالأسلحة، من خلال فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني، بطريقة من شأنها تقويض الأنظمة في المنطقة، وفقًا لمصالحها. صرح مسؤولون في وزارة الدفاع أنه بعد عقد من الزمان، عززت إيران بالتأكيد قوتها وتمكنت من الدخول الى المساحات التي وجدت.
تحدث وزير الدفاع بني غانتس عن الموضوع في محادثات مغلقة وقال إن فكرة إيران عن التموضع في سوريا توقفت لكنها لم تختف. لقد تعاظمت الجهود الكبيرة التي يبذلها الإيرانيون لاستغلال ضعف الأسد ونقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية تحت قيادة إيرانية مباشرة في منتصف العقد الماضي، لكن المطرقة التي ألقاها عليهم غانتس خلال فترة توليه منصب رئيس الأركان واستمر غادي إزنكوت وأفيف كوخافي بها
بعد ذلك قد آتت أُكلها. وهذا سبب آخر يجعل إسرائيل تفضل الاستقرار على الفوضى بين جيرانها.
لكن إسرائيل ليست وحدها في هذه القصة. ويرى العراق أيضًا أن إيران تشكل تهديدًا حقيقيًا لوجوده، وقد فشل منذ فترة طويلة في التحرر من قبضتها. حتى الشيعة في جنوب العراق، الذين يتوقون إلى الاستقلال ويعترفون بالدافع الإيراني للسيطرة على البلاد، يحرقون صور آية الله علي خامنئي في المظاهرات. وهذا عداء واضح على مرئى من الجميع. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، نجح الإيرانيون، بحسب منشوراتٍ أجنبية، في ترويج وإنشاء ميليشيات شيعية، ليس فقط تحت قيادة إيرانية مباشرة، بل بواسطة صواريخ تهدد الشرق الأوسط بأكمله. وهذا تطور يثير قلق أجهزة المخابرات حول العالم بما في ذلك الموساد وشعبة الاستخبارت.
الدول الأخرى التي ترى في الربيع العربي وتداعياته تهديدًا دائمًا، وفي إيران خطرًا على حكمها، قطعت خطوة أخرى إلى الأمام من خلال اتفاقيات السلام مع إسرائيل والمحادثات حول تطبيع العلاقات. إن الانفراج في المحادثات بين رجال الدولة لا يمكن فصله عن جو الدفء التدريجي في الشرق الأوسط. لذلك، فإن مجرد التفكير في قدرة إسرائيل على تشجيع الاقتصادات، يشجع الدول العربية على بدء عمليات سياسية مع إسرائيل. لا يزال البعض يفعل ذلك في هذه المرحلة خلف الكواليس.
ربيع التطبيع
أصر مسؤولون في وزارة الدفاع على الإشارة إلى الإمارات كحالة اختبار ليس فقط لتعزيز الحماية ضد الغازي الإيراني، ولكن أيضًا لرغبتها في تطوير العلاقات الاقتصادية مع دولة مثل إسرائيل وتعزيزها لضمان مستقبل مستقر.
ليس عبثاً كتب الجنرال ديفيد ريتشاردز في كتابه أن هذه احتجاجات متعددة الأبعاد: على سبيل المثال، في السنوات التي سبقت الاحتجاج في تونس، لم تكن البلاد تعاني من مشكلة اقتصادية حادة، وكان الاحتجاج الرئيسي حول حرية التعبير والفساد في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، والذي استمر 23 عامًا متواصلاً.
في ليبيا الغنية بالنفط سئم الجمهور من البنية السياسية وتوزيع السلطة بين القبائل، ولكن أيضًا من فساد نظام القذافي الديكتاتوري الذي استمر أكثر من أربعين عامًا. تنفس العالم الحر في البداية الصعداء بعد اغتيال القذافي على يد المتمردين، ولكن بعد فترة وجيزة أججت مخازن أسلحة الجيش الليبي الصراعات والمعارك العسكرية.
ترتبط الأحداث ارتباطا مباشرا بعلامات الاستفهام التي طرحها الجنرال ريتشاردز حول تورط بريطانيا والولايات المتحدة في الشؤون الليبية، مما أدى إلى سقوط القذافي. ضوء أحمر لمن يحاول الإسراع بالتدخل المباشر وغير مكتفي بالتأثير الخارجي على شؤون السلطة الفلسطينية أو حماس في قطاع غزة.
لم يكتف الربيع العربي بتسليط الضوء على رغبة المواطن في الحقوق الأساسية والمعيشة الكريمة، بل أكد على نمو اللاعب غير الحكومي وتطوره على أيديولوجية سامة ومتطرفة، والقتال بدون سلاح في الدول والأنظمة، واستغلال قوانين الديمقراطية وحرية التنقل بما في ذلك التقنيات المتقدمة لتهديد العالم.
اختتم الجنرال ريتشاردز كتابه مع فكرة أن السلاح ضد هؤلاء اللاعبين هو تضامن الشعوب والأمم. خَلَّفَت المجزرة في سوريا جرحا نازفا لم يندمل بعد. يمكن لدولة إسرائيل أن تعزي نفسها كونها أنشأت مستشفى ميداني على الحدود السورية للمواطنين السوريين، بل إنها فتحت محورًا إنسانيًا من مناطق المعارك القاتلة في سوريا إلى غرف العمليات وأسرة المستشفيات في جميع أنحاء البلاد. من الممكن أن يؤتي هذا التضامن ثماره في المستقبل.