حكومة وحدة إسرائيلية والقائمة العربية المشتركة وذكرى يوم الأرض
بقلم : د. ابراهيم أبراش
في ذكرى يوم الأرض نستحضر تاريخ نضال فلسطينيي الخط الأخضر من المواجهات الدموية دفاعا عن الأرض في الثلاثين من مارس 1976 إلى تشكيل القائمة العربية المشتركة والنضال من داخل النظام السياسي الإسرائيلي ومؤسسته البرلمانية ،وعلاقة التحول في نهج نضال فلسطيني الداخل بالتحول الذي طرأ على مسار الحركة الوطنية الفلسطينية بشكل عام ،والتحولات داخل المجتمع الإسرائيلي وخصوصا هيمنة اليمين الصهيوني وتراجع قوى السلام واليسار اليهودية .
فبعد حرب شرسة شنها تحالف أبيض أزرق بزعامة بيني غانتس على نتنياهو ،حرب لم يتورع فيها غانتس مدعوماً بالقائمة العربية المشتركة وقوى إسرائيلية أخرى من استعمال كل الوسائل للإطاحة بنتنياهو وحزبه وخوض ثلاث جولات انتخابية ... يتحالف غانتس مع نتنياهو ويتوافقا على تشكيل حكومة طوارئ أو حكومة وحدة وطنية يتم تقاسم المناصب فيها بين الطرفين والتناوب عليها والبداية لنتنياهو مع رئاسة غانتس للكنيست مع استبعاد القائمة العربية .
القائمة العربية المشتركة كانت أول من ندد بموقف غانتس الانتهازي وغير الأخلاقي من وجهة نظرها ، ويدعمها في ذلك بعض الجمهور اليهودي حتى من داخل تحالف أبيض أزرق الذي يتزعمه غانتس والذي تفكك بعد انسحاب حزبين من التحالف . ولكن ، هل أخطأ غانتس عندما مد نتنياهو بمصل الحياة السياسية لوقت إضافي ؟ أم الخلل في المبالغة في المراهنة على غانتس وحزبه لدرجة الاعتقاد بأنه يمكن أن يشكل حكومة ائتلافية مع القائمة العربية المشتركة ؟.
إن كان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أو الطوارئ جاء تحت عنوان مواجهة خطر الكورونا إلا أن هذه الحكومة في ظل حكم نتنياهو ستكون أخطر حكومة فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين وفي مجمل السياسة الخارجية لإسرائيل ،حيث سيقوم نتنياهو بتنفيذ كل وعوده ومخططاته الاستيطانية والعدوانية مدعوماً بمباركة الغالبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي وغالبية القوى السياسية دون أية معارضة سياسية ذات قيمة إلا من القائمة العربية المشتركة التي ستكون معارضتها شكلية وغير فاعلة بسبب عنصرية الدولة والجمهور اليهودي ،كما لا يمكن للقائمة العربية إلا أن تكون معارضة لا حظوظ لها بأن تدخل في تحالف حكومي ما دام غالبية المكون اليهودي في الدولة يمينياً عنصرياً يؤمن بيهودية الدولة.
قد يهوِّن البعض من الأمر بالزعم أن فترة مكوث نتنياهو في حكومة الوحدة الوطنية سنة ونصف فقط ثم سيتولى غانتس الحكومة وسينفذ سياساته ،وفي اعتقادي أن هذا وهمٌ كبيرٌ لأن غانتس وبعد أن يتولى الحكومة خلفاً لنتنياهو لن يستطيع التراجع عن أي قرارات أو خطوات سيتخذها نتنياهو فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين واستكمال تنفيذ صفقة ترامب بل سيبني على ما تم إنجازه في عهد نتنياهو .
مع تفهمنا لموقف القائمة العربية مما آلت إليه الأمور في إسرائيل من تشكيل حكومة وحدة وطنية واتهام غانتس بالخيانة والتنكر لوعوده ومبادئه والانحياز لمصالحه الخاصة ومصلحة حزبه أو جزءاً من حزبه ، إلا أن هذا الموقف للقائمة العربية ينطلق من أرضية المعارضة السياسية لكتلة برلمانية ليس فقط تمثل أقلية سكانية وبرلمانية بل تنظر لها الدولة وغالبية المجتمع اليهودي بأنها معادية لدولة إسرائيل وعقيدتها الصهيونية وسياساتها الاحتلالية والعنصرية .
المقاربة الموضوعية المؤسسة على الواقعية السياسية تقول بأن ما أقّدَم عليه بيني غانتس ليس بالأمر المستغرب إن تم وضعه في سياق الفهم العقلاني والواقعي للنظام السياسي الإسرائيلي الذي لا يمكنه أن ينسلخ أو يبتعد عن الدولة العميقة الملتزمة بالفكر والعقيدة الصهيونية التي تعتبر أن الحفاظ على دولة وشعب إسرائيل وحمايتهما له الأولوية على أي صراعات أو انتماءات حزبية ،وأن الديمقراطية التي تتيح للعرب المشاركة في الانتخابات وفي النظام السياسي ما هي إلا أداة ووسيلة لخدمة هذه العقيدة ،وعندما تتعارض الاستحقاقات الديمقراطية مع العقيدة والمصلحة اليهودية الصهيونية فالأولوية للأخيرة ،وبالتالي فإن تصرف غانتس كان من وجهة النظر اليهودية الصهيونية عملاً وطنياً بامتياز كما أن تصرفه ينسجم مع تاريخه العسكري والسياسي .
مع تفهمنا لسوء نتنياهو وحكومته وأهمية نهج أية طريقة لتقليل فرص نجاحه في الانتخابات ،إلا أنه تمت المبالغة في المراهنة على غانتس ليس فقط من القائمة العربية بل أيضا من جهات في السلطة الفلسطينية ، ومع ذلك وبعد ما جرى نتمنى لو أن الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية تتعلم من الحالة الصهيونية في تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية ،وتشكيل حكومة وحدة وطنية إسرائيلية وجائحة الكورونا تشكلان فرصة لتقريب المواقف والعودة لطاولة الحوارات للبحث في مواجهة هذين الخطرين وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أو توسيع صلاحيات حكومة محمد اشتيه لتشمل الضفة وغزة .
وبالعودة للقائمة العربية المشتركة ،فمنذ تأسيسها وجدت ممانعة ومعارضة ليس فقط من اليمين الصهيوني العنصري بل أيضاً من قوى سياسية في الداخل الفلسطيني "الحركة الإسلامية -الشق الشمالي" برئاسة الشيخ رائد صلاح، وحركة "أبناء البلد" ،وقد برزت بشكل أوضح هذه الممانعة والخلافات في الجولة الأخيرة من الانتخابات حيث اعتبر نتنياهو القائمة العربية طابور خامس وتهديد لدولة إسرائيل فيما طالبت قوى فلسطينية بمقاطعة الانتخابات مما يعني عدم التصويت للقائمة العربية ،ومع ذلك حققت القائمة العربية المشتركة إنجازاً تاريخياً بحصولها على 15 مقعداً في الكنيست وتموقعت كثالث كتلة برلمانية ،ولكن ماذا بعد هذا الإنجاز البرلماني؟.
لم يكن قادة القائمة العربية المشتركة بجاهلين لطبيعة الدولة التي ارتضوا أن يكونوا جزءاً من نظامها السياسي وملتزمين بقواعد اللعبة الديمقراطية التي تضع قواعدها الدولة العميقة التي تتحكم بها الحركة الصهيونية واليهودية العالمية ، وفي ظني أنهم تفهموا الأمر بحيث وضعوا لأنفسهم أهدافا ًمحددة وواضحة وهي الاندماج في المجتمع الإسرائيلي وبالحياة السياسية دفاعاً عن حقهم بالمساواة مع اليهود ووقف سياسة التمييز العنصري ومصادرة الأراضي .
بالرغم من ذلك فإن صعوبات كبيرة ستعترض الطريق أمام تحقيق هذه الأهداف إن اقتصر الأمر على التواجد في البرلمان دون أي فرصة بالمشاركة في الائتلافات الحكومية ،وما يبهظ الأمر على القائمة العربية أنها تضطر لتكون في موقف المفاضلة ما بين يمين صهيوني كغانتس والأكثر يمينية كنتنياهو ،بالإضافة إلى معارضة قطاعات من فلسطينيي الداخل للقائمة ولمبدأ مشاركتها في الانتخابات .
إن الحال الذي وصل إليه أهلنا في الداخل من حيث المأزق والتحدي السياسي في التعامل مع الكيان الصهيوني ووجود خلافات بينهم حول نهج التعامل مع الدولة الصهيونية شبيه بالمأزق والتحدي الذي تواجهه منظمة التحرير في التعامل مع إسرائيل بعد الاعتراف بها وعلى قاعدة الالتزام بالتسوية السياسية ونبذ العنف .
واليوم وفي ذكرى يوم الأرض الذي يوافق الثلاثون من مارس لعام 1976 نلمس التحول في مسار النضال الفلسطيني بشكل عام ، والفرق الكبير بين زمن السبعينيات وزمن اليوم ،وكيف أن شكل وأسلوب نضال فلسطينيي الداخل يتأثر بالحالة النضالية الفلسطينية العامة ،الأمر الذي يتطلب وقفة مراجعة استراتيجية تشمل كل أماكن تواجد الشعب في الضفة وغزة وداخل الخط الأخضر وفي الشتات