رؤية استراتيجية لنجاح المصالحة الفلسطينية
منذ سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في حزيران (2007م)، والمصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، تتراوح صعودًا وهبوطًا حسب الانسجام وفق مجموعة من المعايير لها علاقة، بالمستفيدين من استمرار مكونات الانقسام، وأطماعهم، ومصالح بعض العواصم العربية وحتى الإقليمية الراعية، التي وظفت جهودها؛ لخدمة مصالحها الخاصة، بالإضافة إلى ما تُحيكه إسرائيل من عثرات، وما تقدمة من (مكافآت) لتعزيز الانقسام، وإطالة عمره لأطول فترة ممكنة.
لقد مرت المصالحة الفلسطينية بمحاولات متعثرة، بدءً من القاهرة، ومرورًا بكل من مكة المكرمة، ورام الله ، والدوحة، وموسكو، وصنعاء، وبيروت، وغزة، مما أفقد المواطن الفلسطيني، والعربي الثقة في نجاح الجهود الحثيثة لإتمام المصالحة.
وعلى الرغم من حالة فقدان الثقة في تحقيق المصالحة بين طرفي الانقسام، إلا أن المشهد يتكرر في محاولة جديدة من قبل اللواء جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، والسيد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من خلال اللقاء المشترك عبر تقنية الفيديو كونغرس في 2 يوليو/ 2020م، نتج عنه إعلان الطرفين الوحدة على أرض المعركة لمواجهة خطة الضم، وفتح صفحة جديدة، لم تظهر ملامحها بعد، إلا أنها أظهرت مجموعة من القواسم المشتركة بين حركتي فتح وحماس، أهمها:
أولًا/ الفصيلين هما الأقرب ايدلوجيًا، وفكريًا، ونضاليًا، خصوصًا بعد أن أعلنت حركة حماس عن ميثاقها المعدّل، والذي تضمن موقفها السياسي المؤيد لحل الدولتين على أساس حدود عام (1967م)، ما يعني أنها توافق على ما تتطلع له حركة فتح.
ثانيًا/ الغايات، والأهداف تكاد تكون متقاربة بين الطرفين، من حيث سعى كل منهما إلى تحقيق نفس الغايات والأهداف، المتمثلة بالدرجة الأولى في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام (1967م)، ودحر الاحتلال الإسرائيلي عنها.
ثالثًا/ ينظر الشارع الفلسطيني إلى حركتي فتح، وحماس على أنهما أكبر التنظيمات الموجودة على الساحة الفلسطينية، ولا يُخفى على أحد محاولة كل منهما إقصاء الآخر، لكى يكون بديلًا عنه، إلا أنهما فشلا في ذلك.
عطفًا على ما سبق، واستكمالًا للجهود المبذولة مؤخرا من قبل أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حول ملف المصالحة الفلسطينية، فقد توصل الباحث إلى بعض الأفكار التي من الممكن أن تُساعد على نجاح الجهود المبذولة لإتمام المصالحة، ووضعها بشكل توصيات تحت تصرف صانع القرار السياسي الفلسطيني، وهى كالآتي:
1- المصالحة الفلسطينية تحتاج قيادة قوية مقبولة في الشارع الفلسطيني، أو -على الأقل داخل صفوف تنظيمها-، وفى هذا السياق، فإن اللواء جبريل الرجوب شخصية رياضية، رغم وجوده فى اللجنة المركزية لحركة فتح، ليس له حضور في ملف المصالحة منذ بدء الانقسام، كما أنّ السيد صالح العاروري شخصية عسكرية مطلوبة دوليًا، وإسرائيليًا، ولم يكن له حضور في ملف الانقسام منذ أن خرج من سجون الاحتلال الإسرائيلية، بالإضافة لأن كليهما إقليميًا من الضفة الغربية، ومسقط رأس الانقسام قطاع غزة، لذلك الأمر يحتاج إلى إشراك قيادات قطاع غزة في الجهود المبذولة لإتمام المصالحة، على مبدأ (أهل مكة أدرى بشعابها).
2- يجب استغلال المساحة المشتركة الواسعة بين الفصيلين، والتي قد أسلفت ذكرها.
3- العمل على الخروج من مربع التخوين، والتكفير، إلى الاشتباك السلمي، والشعبي مع الاحتلال الإسرائيلي، على قاعدة البعد الوطني والانتماء لفلسطين.
4- بلورة برنامج سياسي موحد، لأنه يشكل أحد أهم العقبات التي تواجه إتمام المصالحة.
5- بناء رؤية استراتيجية واضحة، لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
6- العمل على نشر ثقافة الشراكة الوطنية، على قاعدة أن الوطن يتسع للجميع، ونبذ فكرة إقصاء الأخر، والإحلال كبديل عنه، لأن تجربة الفصيلين فشلت فى ذلك، بالإضافة لإعادة الثقة إلى الشارع الفلسطيني المفقودة في الطرفين.
7- تأليف إطار قيادي موحد، من خلال إدخال كافة القوة السياسية الفلسطينية بما فيها حركة حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
8- العمل على إعادة الثقة للشارع الفلسطيني، خصوصًا فيما يتعلق بملف المصالحة، وذلك من خلال طرح ما يدور في الكواليس إلى عامة الشعب بوضوح، لكى يفهم، ويدرك ما يدور، بالإضافة لنشر ثقافة العفو، والتسامح، والبعد عن لغة المطالبة بالمحاسبة، والاعتذار، رغم أن الجرح عميق. إلا أن الوطن يستحق التضحية.
ختامًا، وفى هذا السياق، سيكون من المفيد للجانب الفلسطيني التوقف عن التعويل المبالغ فيه على المجتمع الدولي، في ظل حالة الضعف والشرذمة الداخلية، واللجوء عوضًّا عن ذلك إلى مصادر القوة الفلسطينية الداخلية المتمثلة في إعادة توحيد الجهود الفلسطينية، والتوصل إلى تسوية تنهي الانقسام الفلسطيني الداخلي، لتواجه بذلك التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية برمتها.