فلسطينيون يسردون مأساة رحلة نزوحهم لجنوب غزة: الاحتلال جرد شباباً من ملابسهم وأطلق النار على أقدامنا
عربي بوست

قالت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير نشرته يوم الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إن مشاهد الكلاب التي تنهش جثة إنسان، ومشاهد امرأة منهكة، حامل في أيامها الأخيرة، تحمل طفلاً صغيراً على ظهرها، وما يشبه جثة هامدة تُدفَع على عربة؛ لا تزال عالقة بأذهان من مروا عبر طريق صلاح الدين، الطريق السريع الرئيسي الذي يمر كالعمود الفقري في غزة.


قالت نهلة من بيت لاهيا شمال غزة: "ما عشناه لا يمكن رؤيته حتى في أفلام الرعب". وبرغم الحصار على قطاع غزة والجوع والعطش والقوات الإسرائيلية التي تطوّقهم، ظلت عائلتها مصممة على البقاء في منازلهم. لكن في إحدى الليالي، أدت حملة القصف الإسرائيلي المكثفة إلى تدمير منزلهم. وقالت: "لقد نجونا من الموت بأعجوبة ولجأنا إلى منزل جيراننا". وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، بدأت نهلة وأطفالها الأربعة بالسير ببطء نحو الجنوب.

إسرائيل غزة قطر الاحتلال

نزوح عائلات فلسطينية من شمال قطاع غزة باتجاه الجنوب/الأناضول


الحرب على غزة قسمت القطاع لقسمين

قسّمت الحرب الإسرائيلية القطاع الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة إلى قسمين، وطلب الجيش من الفلسطينيين الانتقال إلى ما وراء نهر غزة إلى ما يطلق عليه "المناطق الآمنة". ومع ذلك، واصلت قصف القطاع بأكمله؛ مما أدى إلى القضاء على عائلات بأكملها، والذين تصفهم إسرائيل بأنهم ضحايا غير مقصودين في استهدافها للمسلحين.


ولدفع الناس على الرحيل من الشمال، كثيراً ما أعلن الجيش الإسرائيلي عمّا يسميه "ممرات إنسانية" على طول طريق صلاح الدين لمدة أربع ساعات يومياً، ويقول إنَّ الهدف من ذلك هو مساعدة المدنيين على الفرار. ومع ذلك، يحذّر خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من أنَّ مطالبة المدنيين بالمغادرة أثناء تعرضهم للقصف، ودون ضمان العودة الآمنة، ترقى إلى مستوى التهجير القسري للسكان، وهو ما يعد جريمة ضد الإنسانية.


وفي حديثها من مخيم المغازي بوسط قطاع غزة، وصفت نهلة سير الفلسطينيين أمام جنود إسرائيليين، وهم يرفعون قطعاً من الملابس البيضاء -كما أمرت إسرائيل- على أمل عدم إطلاق النار عليهم. وقالت: "كنا آلاف الأشخاص، أطفال يبكون، ونساء يصرخون، والعديد من المعوقين الذين لا يستطيعون المشي".



نزوح عائلات فلسطينية من شمال قطاع غزة باتجاه الجنوب/الأناضول


وقالت إحدى بناتها، يارا، البالغة من العمر 16 عاماً، إنَّ الجنود كانوا يوجهون أسلحتهم نحوهن مباشرة. وطلب الجنود من الناس أن يرفعوا أيديهم ويرفعوا وثائق هويتهم، التي ستُفحَص عند نقطة التفتيش.


وفي إحدى اللحظات، سقطت بطاقة هوية يارا من يدها. وتروي: "انحنيت لالتقاطها، لكن سرعان ما أطلق الجنود الإسرائيليون النار على قدمي. وقالوا لي إننا ممنوعون من التقاط أي شيء على الأرض".


الاحتلال يجرد شباناً فلسطينيين من ملابسهم

كان الجنود الإسرائيليون ينتقون الشباب الفلسطينيين من بين الحشود، وطلبوا منهم الاصطفاف جانباً، ثم احتجزوهم وجرّدوهم من ملابسهم.


وتعيش الأسرة الصغيرة الآن في مدرسة مهجورة، وبسبب اشتداد البرد وهطول الأمطار مع حلول فصل الشتاء، انتقلوا من خيمة في ساحة المدرسة إلى الممرات بين الفصول. وقالت نهلة: "لا يوجد مكان لنا في الصفوف الدراسية. وابنتاي يارا وأسماء يرتجفان من الخوف حتى يومنا هذا".


وفي المبنى نفسه، تجلس سجى البالغة من العمر 15 عاماً بجانب والدتها المصابة على مرتبة متهالكة. وقد خاضتا الرحلة إلى الجنوب بعد التعرض للقصف مرتين في شمال غزة.


كانت الأسرة المكونة من ستة أفراد، تعيش في مخيم جباليا للاجئين طوال العقدين الماضيين. وقالت سجى: "نحن عائلة محبة للسلام ونقدس الحياة".


وتروي سجى: "عندما قررنا الإخلاء انضممنا إلى مئات الفلسطينيين… تحركنا في مجموعات، بينما ندفع الكرسيين المتحركين اللذين يحملان أمي وأختي. ولم نستطع سوى حمل الحد الأدنى من المواد الغذائية المعلبة ووثائق الهوية الخاصة بنا".


وقالت: "وعند وصولنا إلى شارع صلاح الدين، واجهنا الدبابات وجنود الاحتلال الذين صرخوا علينا. حتى إنَّ البعض كانوا يضحكون".

غزة الاحتلال شمال غزة


وأضافت: "لم يكن مسموحاً لنا بأن نحيد عن المسار المحدد، وكان علينا حمل هوياتنا بأيدينا اليمنى باستمرار. وأثناء مرورنا بجوار جندي، تحركنا ببطء بسبب حالة والدتي وأختي الحرجة. فصرخ علينا الجندي: اركضوا بسرعة".


وبجانب سجى، جلست والدتها مها، وساقها ملفوفة وتبرز منها قطعة معدنية، وتحدثت بصوت ضعيف: "هنا، لا توجد ضروريات الحياة: لا طعام، ولا علاج، ولا رعاية صحية، ولا شيء إنسانياً… الحياة هنا تشبه العيش في الغابة، حيث نقاتل حتى من أجل الماء".



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023