إقصاء شركات أمنية إسرائيلية من معارض في أوروبا يشكّل، إلى جانب الأضرار التجارية المحتملة، فشلا إداريا حكوميا على جميع مستوياته.
في خطوة غير مسبوقة – لكنها متوقعة إلى حدّ ما – قررت حكومة حزب العمال البريطاني منع مشاركة ممثلي وزارة الجيش الإسرائيلية في المعرض الأمني المرموق DSEI الذي يُفتتح هذه الأيام في لندن. وقد زعم المتحدث باسم الحكومة أنّ القرار صيغ كردّ على نية إسرائيل توسيع الحرب في غزة، واشترط مشاركة مسؤولين حكوميين إسرائيليين بالتزام الجيش الإسرائيلي بتعليمات القانون الدولي. لا تزال الشركات الأمنية الإسرائيلية قادرة على المشاركة في المعرض، لكن من الواضح أنّ إقصاء وزارة الجيش سيثقل كاهل بعضها، خاصة تلك التي تعتمد على دعم حكومي، وبالتالي فإن الحضور الإسرائيلي سيكون محدودا، ومن المتوقع أن تتضرر الصناعات الإسرائيلية.
هذه الخطوة الاستفزازية والماكرة للبريطانيين – استثناء وزارة الجيش فقط من المعرض – تهدف إلى الالتفاف على الادعاءات بشأن منع المنافسة بين كبريات الشركات الأمنية الإسرائيلية (مثل رافائيل، الصناعات الجوية وإلبيت سيستمز) وبين نظرائها الأوروبيين، وذلك في أعقاب الانتقادات الشديدة التي وُجهت للرئيس الفرنسي ماكرون بعد إقصاء الصناعات الإسرائيلية من "المعرض الجوي" في باريس في وقت سابق من هذا العام. مثل هذه المعارض الكبرى تُعد منصة مركزية للشركات الأمنية لعرض تكنولوجيا جديدة، والتسويق، وجذب عملاء، كما تتيح فرصا للتواصل مع صناع القرار، والعثور على شراكات، والفوز بعطاءات استراتيجية. إضافة إلى ذلك، فهي تساعد في رصد المنافسين واتجاهات السوق في الوقت الفعلي.
إنّ الواقع الاستثنائي بحد ذاته – أن تُضطر إسرائيل فعليا لإقصاء نفسها عن معرضين أمنيين مركزيين في أوروبا في نفس العام (إلى جانب مقاطعة وشيكة في معرض آخر في هولندا) – يضيء إشارات حمراء خطيرة. صحيح أن الأوروبيين يتدثرون بنفاقهم المعهود ويتجنبون نقاشا نقديا ومعمقا في مسألة الحرب في قطاع غزة، وبذلك يضرون بالاقتصاد الإسرائيلي من دون التعمق في أسئلة جوهرية تتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بعد 7 أكتوبر. بروح مماثلة، فإن القرار البريطاني البائس يوجّه رسالة سياسية واضحة، تضر بصورة الصناعة العسكرية الإسرائيلية وقدرتها على الوصول إلى أسواق مركزية. والمعنى العملي يشمل أضرارا محتملة في الصفقات، وفرص التعاون، والتعرّض لتكنولوجيات منافسة. علاوة على ذلك، فإنّ الأمر يشكل إشارة جيوسياسية قد تنعكس على العلاقات الاقتصادية والأمنية الأوسع بين إسرائيل وأوروبا.
لكن المسؤولية لا تتوقف عند لندن وباريس، بل تمتد بخط مباشر إلى تل أبيب. إنّ إقصاء الشركات الأمنية الإسرائيلية من المعارض الأوروبية يمثّل، إلى جانب الأضرار التجارية المحتملة، فشلاً إداريا حكوميا على جميع مستوياته: رئيس الحكومة نتنياهو الذي يواصل بوقاحة تجاهل الأضرار الجسيمة المتراكمة على الاقتصاد المحلي، والصناعات، والعلاقات الخارجية بسبب تعميق المعركة في مدينة غزة؛ ووزارة الخارجية برئاسة الوزير جدعون ساعر، المنشغلة بتوبيخ حكومة أستراليا بشكل متكرر، لكنها تعجز عن الارتقاء فوق الشؤون اليومية والتعامل مع المزاج النقدي الدولي المتصاعد ضد إسرائيل – الذي يتحول إلى تسونامي اقتصادي وسياسي مدمر؛ ووزارة الاقتصاد برئاسة الوزير نير بركات، التي تظهر عجزا في الحفاظ على أسواق حيوية لنمو الاقتصاد الإسرائيلي وغير ذلك. مرة بعد أخرى: إيرادات أقل للدولة، ضرائب أقل – ومزيد من الضرر للمواطن الذي يئن تحت وطأة غلاء المعيشة المتصاعد.
لا قوة تدوم إلى الأبد: يتمتع القطاع الأمني بسمعة واسعة. الأداء المذهل للجيش الإسرائيلي في ساحة المعركة، من قريب وبعيد (بما في ذلك في المواجهة مع إيران)، الذي يستند إلى حدّ كبير على منتجات محلية "زرقاء-بيضاء"، يزيد فقط من الشهية لشراء سلاح محلي، كما ينعكس أيضًا في تقرير الصادرات الأمنية. النمو السريع لقطاع "ديفنس-تك" المحلي، البارز في الابتكار والحلول السريعة والخبرة العملياتية المثبتة – من المفترض أن يضمن أن تبقى الصناعة الأمنية الإسرائيلية في طليعة الساحة العالمية. بخلاف عادتها، من الأفضل للحكومة أن تفعل كل ما بوسعها كي لا تعيق ازدهار هذه الصناعات – والطريق إلى ذلك يمرّ، ضمن أمور أخرى، عبر إعادة جميع الأسرى وإنهاء الحرب، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل.