لِم لا يتطعم العرب؟

هآرتس - بروفيسور نهايه داوود
ترجمة حضارات

لِم لا يتطعم العرب؟


ما زالت نسبة تطعيمات الكورونا في المجتمع العربي منخفضة نسبيا، حيث وصلت نسبة متلقي لقاح كورونا في صفوف من بلغوا الـ60 فما فوق الـ %50 فيما بلغت نسبتها الـ %75 في الوسط اليهودي. 
لكن من المتوقع، أن ترتفع هذه النسبة في الأسابيع القريبة. مبدئيا، لا يعارض العرب التطعيمات، حيث تصل نسبة التطعيم في صفوف الأطفال العرب الـ %90، وهي نسبة مرتفعة جدا إذا ما قورنت بالمجتمع اليهودي.

وعليه يُطرح السؤال، لماذا لا يسارع العرب بالتطعم ضد فيروس كورونا؟ يلعب الشكّ والخوف من التطعيم دورا رئيسيا هنا، فهناك نوع من التخوف والشك تجاه التكنولوجيا الحديثة التي طورتها شركات الدواء الخاصة التي تسعى لتحقيق أرباح طائلة على حساب المرضى. 
تسود حالة عامة من انعدام الثقة التي ترتفع باضطراد، بين المجتمع العربي جهاز الصحة. أنوه هنا أن الشكّ والخوف يلعبان دورا رئيسيا أيضا بكل ما يتعلق بنسب التطعيمات المتدنية حتى في أوروبا والولايات المتحدة. وعليه فالمجتمع العربي ليس استثناء داخل المشهد الدولي، مقارنة بالمجتمع اليهودي الذي يسارع للتطعم.

تراجعت ثقة المجتمع العربي بقدرة الجهاز الصحي الإسرائيلي على التعامل مع أزمة كورونا، وذلك جرّاء تعامله الخاطئ مع انتشار العدوى في البلدات العربية. كان المجتمع العربي خلال الموجة الأولى، مثالا يُحتذى بالتعامل مع أزمة كورونا. حيث، لم تتعد نسبة المرض في البلدات العربية - من مجموع كل الحالات في "إسرائيل" - الـ%5، لكنها ارتفعت في أكتوبر 2020. تعود أسباب هذا الارتفاع للتجمهر والمناسبات الاجتماعية المختلفة كالأعراس.
 لكن كان بمقدور وزارة الصحة الحد من هذا الارتفاع، لو قامت باتخاذ التدابير اللازمة وأعني هنا تطبيق الحظر والتقييدات وهو أمر يحتاج الكثير من الموارد.

تعاني السلطات المحلية من الإهمال الحكومي المتواصل، يتمثل هذا الاهمال بنقص مزمن بالميزانيات وبانعدام البنى التحتية التي توفّر أسلوب حياة طبيعي. كما وهناك نقص بالأيدي العاملة المتوفرة في البلدات العربية، ونقص بالبنى التحتية وبالميزانيات في كافة المجالات كالتربية، الصحة، البيئة، الشرطة، الرفاه الإجتماعي والعمل. 
لكن ورغم هذه الضائقة، نجحت هذه البلدات بالحد من انتشار العدوى خلال الموجة الأولى، من خلال تجنيد وحشد الجهات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني لهذا النضال. لكن نفذت وخلال شهر أكتوبر كلّ الموارد التي كانت بحوزتها، وفي ظلّ انعدام الدعم الحكومي خرج الوضع عن كلّ سيطرة ممكنة. 

أشدد أيضا، على أن معايير تلقي لقاح كورونا لمن بلغوا سن الـ 60 فما فوق بالمجتمع العربي، لا تبدو ملائمة لتركيبة أجياله. فالمجتمع العربي مجتمع شاب نسبيا، حيث تصل نسبة الشريحة العمرية التي بلغت الـ 60 فما فوق الـ %8 فقط. وعليه فإن تعاون هذه الفئة مع مجهود التطعيم مقارنة بالشباب منخفض جدا. كذلك لا تشكّل هذه الفئة العمرية - وأعني هنا من بلغوا الـ60 فما فوق - نسبة عاملي سوق العمل الكبرى وعليه فدافعيتهم للتطعم منخفضة نسبيا. أشير أيضا، إلى أن نسبة التنوّر الرقميّ، في المجتمع العربيّ منخفضة بصفة خاصة في صفوف البالغين، كما ولم تُبذل الجهود اللازمة لاقناع هذه الفئة بتلقي لقاح كورونا أو نقلها لمقرّات التطعيم.


تخلت الدولة وخلال العقود الأخيرة، عن مسؤوليتها تجاه اللكثير من المنظومات المدنية، وعليه دفعنا كمواطنين خلال الأزمة ثمن إخفاقات هذه السياسة. لم ندفع الثمن الماديّ والاقتصادي فحسب، بل دفعنا الثمن النفسي والاجتماعي كذلك. لكن وكما هو معروف لم تتعامل المجتمعات المختلفة في البلاد مع الأزمة وأبعادها بشكل مشابه. 
يعيش المجتمع العربي وضعا خطيرا بسبب تكالب ظاهرة المرض المزمن والفقر المدقع عليه. وعليه فلا حاجة أن تحمل لقب خبير في مجال التمييز الصحيّ، لتعي أنّ أزمة هذا المجتمع تتضاعف في ظلّ انعام البنى التحتية، الاكتظاظ السكاني والفجوات المتراكمة. لكن ومع الأسف، لم تتحول أزمة كورونا لسبب كافٍ يدفع المسؤولين إلى تغيير سياستهم وتوجههم حيال هذه الفجوات، الأمر الذي خلق فجوات إضافية.


لا تلائم الجهود المبذولة والمتعلقة بتطبيق التعليمات، الإعلام، سياسة الحجر الصحي في البلدات العربية والفحوصات الوبائية واقع البلدات العربية المركب والمكتظ. كما ولم تُتخذ الإجراءات اللازمة فيما يتعلق "بالأخبار الكاذبة" التي تُنسب للمجتمع العربي. ورغم أنّ الأطباء، الممرضين والممرضات العرب يعملون في صفوف مواجهة فيروس كورونا الأولى أعني في المستشفيات، لكنهم لم يكونوا شركاء بعملية اتخاذ قرارات مواجهة وباء كورونا في بلداتهم. 
استنادا لكل ما جاء أعلاه على الدولة دعم وتشجيع الجمهور العربي على تلقي لقاح كورونا، من خلال اتاحة اللقاح، إنشاء جهاز إعلام مهني يوفر تعليمات واضحة ويحارب الأخبار الكاذبة. كما وعليها، زيادة عدد مراكز التطعيم – حاليا عددها في البلدات العربية قليل نسبيا خفض سنّ التطعيم لـ40 عام

 نقل كبار السنّ وذوي الإعاقات لمراكز التطعيمات وغيرها. لكن والأهم من ذلك كله، محاربة وباء كورونا، مسؤوليتنا أيضا. يجب محاربة التمييز ضد المجتمع العربي كأنّ الكورونا انتهت، ويجب محاربة الكورونا كأن التمييز انتهى. سيمكننا هذا النهج من تطعيم كل سكان البلاد.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023