ماهر بيطار والانتخابات الأيديولوجية الإسرائيلية

ماهر بيطار والانتخابات الأيديولوجية الإسرائيلية

يسرائيل هيوم - كارولين غليك
ترجمة حضارات

تعيين الرئيس الأمريكي بايدن لناشط سياسي مناهض لإسرائيل كمدير للاستخبارات في مجلس الأمن القومي الأمريكي قد يضع إسرائيل في موقف حرج



تحاول وسائل الإعلام وخصوم نتنياهو إقناعنا بأنه لا يوجد صراع أيديولوجي ويتم تقديم انتخابات 23 آذار / مارس الإسرائيلية على أنها استفتاء بسيط على حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. 

لكن هذا غير صحيح، فالانتخابات القادمة أيديولوجية في المقام الأول، ولفهم السبب وراء ذلك، لا نحتاج إلاّ أن نراقب تعيينات الرئيس جو بايدن.

فقد أعلن البيت الأبيض هذا الأسبوع عن تعيين ماهر بيطار في منصب مدير المخابرات في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وهذا المنصب هو واحد من أقوى المناصب في مجتمع المخابرات الأمريكية، فالمدير الأول هو نقطة الوصل التي تتدفق إليها جميع المعلومات الاستخبارية من جميع الوكالات ليمرر ما يجب مشاركته إلى الرئيس، ثم يحدد باسم الرئيس أولويات عمليات الاستخبارات وجمعها.

ويحدد مدير المخابرات أيضًا المعلومات التي ستشاركها أجهزة الاستخبارات الأمريكية مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وبالمثل، يقرر كيفية الارتباط بالمعلومات التي تشاركها وكالات الاستخبارات الأجنبية مع الأمريكيين.

وعادةً ما يكون المنصب الحساس هذا مخصصًا لضابط وكالة المخابرات المركزية الذي لديه مسبقا تفاصيل عن المجلس الأمن القومي، لكن بيطار ليس متخصصا في المخابرات بل هو ناشط سياسي مناهض لإسرائيل.

فقد كان بيطار أثناء دراسته الجامعية قائدًا لمنظمة "الطلاب من أجل العدالة في فلسطين" المعادية للسامية والمتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، كما نظم حملة لـ BDS-المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل وأنصارها - في حرم جامعته.

بعد حصوله على إجازة في القانون من جامعة جورج تاون، حصل بيطار على درجة الماجستير من جامعة أكسفورد في موضوع "الهجرة القسرية"، وكتب أطروحة حول "النكبة"، أو كارثة تأسيس إسرائيل.

انتقل من أكسفورد إلى القدس حيث عمل في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأثناء رئاسة أوباما، في عام 2016، لعب بيطار دورًا رئيسيًا بصفته سفيرًا للأمم المتحدة، في إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي وصف الأحياء الإسرائيلية في القدس الموحدة والبلدات والمدن الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي".



ربما يسلط الان تعيين بيطار الضوء على المعضلة المركزية التي تواجه القيادة الوطنية الإسرائيلية الآن وهي: كيف ينبغي لإسرائيل أن تتعامل مع ما يمكن أن يكون أكثر إدارة أمريكية عدائية على الإطلاق؟

هذا ليس مجرد سؤال سياسي، بل هي قضية أيديولوجية، وليس أمام إسرائيل سوى خيارين للتعامل مع هذه الإدارة؛ يمكنها الدفاع عن مصالحها وحقوقها حتى على حساب المواجهة مع الإدارة، أو يمكن أن تُرضي بيطار وزملائه للحفاظ على مظهر الأعمال كالمعتاد، وبالتالي المخاطرة بمصالحها الوطنية.

وبالرجوع لسنوات حكم نتنياهو لرئاسة الوزراء في إسرائيل، طيلة إحدى عشرة سنة، نجد أنها اختارت دومًا الخيار الأول، وذلك عندما اضطر نتنياهو والمعسكر القومي الذي يقوده إلى التعامل مع إدارة أوباما العدائية، حيث تضمنت سياسة إسرائيل التعاون حيثما أمكن، وإيجاد طرق للعمل بشكل مستقل أو مع شركاء جدد في تحد لإدارة أوباما عند الضرورة، ولذلك فمنذ إعلان فوز بايدن في انتخابات نوفمبر، بدأ نتنياهو يتعامل مع فريق بايدن باستخدام النموذج الذي طوره خلال إدارة أوباما.

لكن هناك من يعارض نتنياهو حاليا وهم معسكرين متحالفين، المعسكر الأول متمثل بتجمع قانوني من محامو الحكومة الإسرائيلية حيث يخوضون حربا أيديولوجية مفتوحة ضد نتنياهو والمعسكر الوطني، بدعم من وسائل الإعلام والنخب القانونية غير الحكومية القوية والوطنية، وقد كرسوا حياتهم المهنية للإطاحة بنتنياهو وعرقلة تنفيذ السياسات القومية في جميع المجالات.



حيث أجبر هؤلاء وزراء الحكومة على تنفيذ سياسات يسارية متطرفة، كمناقشة حقوق الملكية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإنفاذ قوانين الهجرة الإسرائيلية لإبعاد الأجانب غير الشرعيين من البلاد، أو ممارسة شعائر اليهود في الساحة العامة، واستخدام النيابة العامة والمحكمة العليا لترسيخ قوة سلطتهم على الحكومة لقبول المواقف الراديكالية الملخصة بمصطلح (ما بعد الصهيونية) التي يعارضها الجمهور، وهو مصطلح يشير إلى دخول التجمُّع الصهيوني عصر ما بعد الأيديولوجيات وانحسار الصهيونية.

وهؤلاء لا ينظرون إلى الانتخابات على أنها استفتاء على نتنياهو في حد ذاتها، بل على أنها استفتاء على استمرار سلطتهم في الاستيلاء على السلطات الحكومية والتشريعية؛ لدفع أجندتهم الراديكالية، ولطالما استمد التجمع القانوني هذا إلهامهم من الحقوقيين الناشطين في أوروبا والولايات المتحدة، ونظراً لتطرفها الأيديولوجي، فإنها تجذب استرضاء أعداء إسرائيل لدفاعهم القوي عن المصلحة الوطنية.



المعسكر الثاني ضد نتنياهو يتكون من خصومه السياسيين، مثل زعيم حزب العمل ميراف ميخائيلي ووزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي وزعيم المعارضة يائير لابيد، وهؤلاء على عكس اليساريين المنفتحين لا يكشفون عن بطاقاتهم الأيديولوجية ليراها الجميع؛ بل يتحدثون فقط عن كره نتنياهو.

لكن تصريحاتهم وأفعالهم توضح أنهم لن يقفوا في وجه إدارة بايدن للدفاع عن حقوق إسرائيل ومصالحها في الضفة الغربية ولن يقفوا ضدها لمنعها من إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران والذي يضمن أن تصبح إيران قوة نووية، بل يتفاخرون بعلاقاتهم الحميمة مع إدارة بايدن، ويبدون استعدادهم للمضي قدمًا من أجل التوافق والتعاون معها، بغض النظر عما يعنيه ذلك بالنسبة للموقف والمصالح الاستراتيجية للبلاد.

هناك حزبان يمينيان ظاهريًا – يسرائيل بيتنا وأمل جديد - انضموا إلى اليسار في عدائهم المشترك ضد نتنياهو، ولسوء الحظ، على الرغم من إنكارهم لذلك، فهم أيضًا أعضاء في معسكر استرضاء إدارة بايدن، وقد أثبت ذلك زعيم حزب يسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، من خلال رفضه الانضمام إلى حكومة بقيادة نتنياهو، وبالتالي منع تشكيل ائتلاف يميني بعد ثلاث انتخابات متتالية في عامي 2019 و2020.

أما بالنسبة لزعيم الأمل الجديد جدعون ساعر، فإن ميول استرضائه تنكشف من خلال مواقفه وتصرفاته السياسية ومواقف زملائه.

فقد قدم ساعر دعمًا شاملاً للتجمع القانوني وأضفى الشرعية على الجهود الجارية لنيابة الدولة والنائب العام والمحكمة العليا للاستيلاء على ما تبقى من السلطات التنفيذية للحكومة لتحديد السياسة الوطنية والصلاحيات التشريعية للكنيست لتمرير القوانين.

وفي الأسبوع الماضي، أوضح القنصل العام السابق في نيويورك داني دايان، الذي خدم في نيويورك من 2016 إلى 2020، في مقابلة مع صحيفة ماكور ريشون أن حكومة ساعر ستسعد بالتنازل عن المصالح الوطنية لإسرائيل من أجل علاقات جيدة مع إدارة بايدن، بل وتفاخر بأنه تعمد تجاهل التعليمات التي تلقاها من نتنياهو، الذي عينه في منصبه، في عدد من القضايا المركزية التي كانت تحت السلطة المباشرة للقنصل العام، كتعليمات نتنياهو المتعلقة بتعاملاته مع اليهود الأمريكيين والسياسيين الديمقراطيين.

ففي خلال فترة ولاية دايان، تعرض المشرعون الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل لهزيمة ساحقة في الانتخابات التمهيدية، ومن ثم تولى النشطاء اليهود المتطرفون المناهضون لإسرائيل أدوارًا قيادية في المنظمات المجتمعية الرئيسية، وكل ذلك تحت بصر دايان الذي لم يحرك ساكنا، بل يمكن أن نفهم من كلامه أنه من أجل إقامة علاقات جيدة مع الديمقراطيين واليهود التقدميين،  يجب التخلي عن مصلحة إسرائيل في محاربة حركة المقاطعة التي تسعى إلى تقويض الدعم الأمريكي لإسرائيل، والآن كما يقول، يجب على الإسرائيليين أن يثقوا به وبساعر في تقوية علاقات إسرائيل مع إدارة بايدن لأنه بفضل جهوده في نيويورك، على عكس نتنياهو، لديهم علاقات حميمة مع الديمقراطيين واليهود التقدميين.



بيطار ليس الناشط الوحيد في حركة المقاطعة BDS الذي يشغل الآن منصبًا رفيعًا في إدارة بايدن، بل هناك صعود مستمر لهؤلاء المتطرفين المناهضين لإسرائيل إلى مناصب في السلطة، وهذه شهادة على الموقف الرسمي الأمريكي الحالي الذي يكره إسرائيل في الحزب الديمقراطي اليوم.



عندما انتشرت الأخبار عن تعيين بيطار، تساءل المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي في عهد ترامب وضابط وكالة المخابرات المركزية فريد فليتز، عما إذا كان بايدن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان قد وافقوا على التعيين أم أنهم غير مدركين لما يجري في إدارتهم"

لكن من الواضح أن بيطار لم يتم تعيينه؛ بسبب دعمه الواضح لزوال إسرائيل، ولكن تم الموافقة على تعيينه إبرازا لوجهة النظر هذه.

العداء المتأصل لإدارة بايدن يوضح أن انتخابات مارس ستكون حدثًا أيديولوجيًا محوريًا على عكس المعلن في الإعلام، بمعنى آخر سيقرر الإسرائيليون ما إذا كانت إسرائيل ستدافع عن الصهيونية أم ستحتضن حراك "ما بعد الصهيونية"، وما إذا كانت إسرائيل ستحارب من أجل سيادتها ومصالحها أو ستتنازل عن كليهما لصالح العلاقات الجيدة مع كارهي إسرائيل في أمريكا.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023