المنتدى الاستخباري العربي قراءة في الموقف والمآلات

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

عبد الله أمين

03 02 2021

انعقد بالأمس المنتدى الاستخباري العربي في دورته الثانية ــ انعقدت دورته الأولى في فبراير 2020 ــ في العاصمة المصرية القاهرة التي تقرر أن تكون هي دولة المقر له، حيث افتتح الرئيس المصري السيسي هذا المنتدى عبر تقنية الفيديو كونفرنس، مخاطباً الحضور الذين يمثلون الدول العربية كافة ما عدى سوريا التي لم تتمثل فيه، كما حضره ممثل عن الجامعة العربية .

وقد أدار رئيس المخابرات المصرية فعاليات هذا اللقاء الذي لم يرشح إلى الآن عما دار في كواليسه أي شيء ذو قيمة يمكن البناء عليه، مشيرين هنا إلى أن هذا الملتقى ينعقد وعلى أجندته ــ إقرأ ساتر ـــ  عمله تحقيق مجموعة من الأهداف التي تسر الناظرين ولا يختلف عليها اثنان ولا تنتطح على أهميتها عنزان، ومن أهدافه: مواجهة التهديدات ومخططات التفكيك والتقسيم على أساس عرقي التي تهدد المنطقة، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والجريمة المنظمة؛ الأمر الذي دعانا لكتابة هذه المقالة التي تقوم على فرضية أن ما ذكر من أهداف؛ إنما هو ساتر لمثل هذا المنتدى وأمثاله من التجمعات واللقاءات التي تخفي خلفها ما تضمره الدول الفاعلة والمحركة التي تقف خلفها. 

فما هي الأهداف التي تضمرها الدول الفاعلة في هذا الملتقى؟ وكيف يمكن تصور ما دار في كواليسه وعلى هامشه من لقاءات ثنائية وثلاثية بين بعض الدول؛ هي في نفسها أهم من الملتقى كله؟ وقبل أن نخوض في هذا الأمر لا بد من التعريج بالذكر على مجموعة نقاط حاكمة تُعد نقاط مرجع لبناء هذه المقالة وفهم هذا الموقف والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: 

  1. لا تعد كل الدول المشاركة في اللقاء، دول فاعلة في هذه المسألة، وإنما تمت دعوتها من باب تكثير السواد ولزوم الديكور. 
  2. نعتقد أن الدول الفاعلية في هذا الملتقي والتي يقع على عاتقها تنفيذ ما سنذكره من برامج عمل متصورة لمثل هذه اللقاءات هي: مصر، الأردن، الإمارات، السعودية، المغرب، أما باقي الدول فهي كما ذكرنا تم جلبها من باب تكثير السواد لا أكثر ولا أقل. 
  3. ليس هناك تعريف واحد، لا على المستوى الدولي ولا الإقليمي، فضلاً على أن يكون بين تلك الدول لمصطلح الإرهاب أو التطرف، فكل يفسره بما يخدم مصالحه ويلبي رغباته.
  4. بين بعض هذه الدول من المشاكل والأزمات وسوء الظن؛ ما يمكن أن تسطر فيه كتب وتسوّد فيه صفحات ويسال فيه حبر لا ينقطع، فبين المغرب وموريتانيا بسبب مسألة الصحراء الغربية ما صنع الحداد، والسعودية عينها على الكويت، والإمارات لا تُجمع مع حكومة هادي في اليمن إلا على عداء حكومة صنعاء، ومصر في نظر السودان محتلة لمثلث حلايب؛ فكيف اجتمعت هذه المتناقضات؟ هل تسامح القوم فيما بينهم فغدت العلاقات سمناً على عسل ؟ فلا حرج في الاجتماع في مثل هذه الملتقيات ولو كثرت المتناقضات !!

إن ما ذكر أعلاه يشي بأن خلف الأكمة ما خلفها، وما جمع هؤلاء القوم لا يمكن أن يكون ما قيل في الترويج لملتقاهم ولقائهم ، فلو كان كذلك فلا أقل أن تُحل مشاكلهم الثنائية والثلاثية أولاً، ومن ثم التفرغ لتحقيق ما قالوه في التعريف لملتقاهم! وعليه وأمام هذا الموقف فإننا نعتقد أن ما جمع هذه المتناقضات إنما هو التفكير والتخطيط لمواجهة حركات المعارضة الداخلية التي تواجه أنظمة حكمهم والترتيب من أجل أن لا يتدخل بعضهم في مسائل الآخر الداخلية، هذا للمجموع، أما للدول الفاعلة والمحركة لهذا الملتقى فإننا نكاد نجزم أن جزءاً مهماً من اتفاقاتهم لا تعدو أن تكون قائمة على نقطة الاشتراك الرئيسية بينهم وهي التآمر على حركات المقاومة في المنطقة وداعميهم من شعوب وأنظمة ومؤسسات، يتجلى هذا التآمر في بناء تحالف تخادمي يعضد بعضه بعضاً ويكمل أحدهم الآخر لضمان تحقيق الأهداف الآتية، آخذين بعين الاعتبار أن هذه الأجهزة تعمل وتفكر وتدير مسائلها وملفاتها بعقل جمعي؛ يكمل بعضهم عمل بعض ويسند أحدهم الآخر، وما يعجز عنه أحدهم يقومه به الآخر، وما لا يطيقه طرف يسرع للقيام به من هو في وسعه، أما عن الأهداف التي يجتمعون عليها في سياق التآمر المشار له فنعتقد أنها ستكون على النحو الآتي: 

  1. تبادل المعلومات والتقديرات: إن من أهم ما يمكن أن يجتمع عليه هؤلاء هو؛ تبادل المعلومات والمشاركة في وضع التقديرات، ففي عالم الأمن والاستخبارات؛ المعلومة قوة وحسن التقدير يقي من سوء المصير، والطبق الرئيسي في لقاءات ضباط الأمن والمخابرات؛ ما هو إلا طبق المعلومات وصحن التقديرات، فإن كنا نحن القاسم المشترك الذي جمعهم؛ فنحن المادة التي تملأ أوعيتهم وأطباقهم، فإن اجتمع اثنان منهم فنحن ــ حركات المقاومة وداعميها ــ ثالثهم، وإن اجتمع أربعة منهم فالخامس؛ حكماً،نحن.
  2. التخطيط المشترك للعمليات الأمنية والنفسية: لا يقتصر لقاء هؤلاء القوم على تبادل المعلومات والتقديرات، فيما فيها ــ التقديرات والمعلومات ـــ لا يعدو أن يكون حبراً على وريقات؛ ما لم يتحول إلى خطط عمل وإجراءات تنفيذ، والتي تتبلور في عمليات أمنية بشتى صنوفها وأنواعها، وكذا العمليات النفسية بمختلف أهدافها ومراماتها، والتي أصل الهدف فيها؛ ضرب نقاط قوة المقاومة والفتّ في عضدها، وحرمانها من حواضنها الشعبية وتلويث بيئتها الاجتماعية. 
  3. الإسناد الميداني للعمليات الأمنية: والتقدير الذي يتبعه التخطيط لابد له من أدوات فعل، لا يقدر عليها البعض منفرداً، ويتطلب تنفيذها إسناد ومواكبة ميدانية من أطراف أخرى، الأمر الذي تأتي اللقاءات الثنائية في مثل هذه الملتقيات من أجل ترتيب القيام به وتحضير متطلباته وسبل نجاحه، وقد يكون هذا الإسناد بشكل مباشر ممن يُطلب منه، وقد يكون بشكل غير مباشر من خلال التنسيق عبر ما يملكه البعض من علاقات وصلات مع جهات لا يملكها صاحب العمل والإجراء الميداني. 
  4. تبادل المعارف والخبرات: كما يتم في مثل هذه الملتقيات ترتيب عمليات تبادل الخبرات والمعارف في جميع المجالات الأمنية خاصة، المتعلقة في القاسم المشترك الذي التقوا عليه ــ حركات المقاومة والمعارضة المحلية ــ ، ففي تبادل هذه المعارف  وتلك الخبرات؛ سبيل لتقليص الموارد وترشيد النفقات، وضمان حسن وتوحيد الفهم للتعاطي مع مثل هذه الـــ ( تهديدات ). 
  5. تقاسم الأدوار والعمل بالوكالة في الملف الواحد: فقد يعتقل أحدهم، ويسلم الآخر، ويحقق الثالث، في القضية والملف الواحد، وقد يلعب أحدهم دور الضابط الحسن في الوقت الذي يعلب الآخر دور الضابط السيء، والهدف واحد والمقصد مشترك، وضابط الإيقاع معروف. 

التقدير والتوصية:

أما هذا التوصيف للموقف، ما هو التقدير وما هي التوصيات: 

أما عن التقدير؛  فنقول أن الدول الفاعلة في هذا الملتقى والتي جئنا على ذكرها سابقاً، إنما اجتمعت لهدف غير المعلن وغاية غير التي صرح عنها، وما جمعهم إلا اشتراكهم في العداء لحركات المقاومة والعمل ضدها، الأمر الذي لا يطيقه كل منهم بذاته فقط، لذلك اقتضى التهديد المشترك لهم، لم شملهم واجتماع كلمتهم. 

أما عن التوصيات فنرى أنه: 

  1. لا بد من النظر إلى هذه الأجهزة على أنها تعمل بنسق واحد ويسند بعضها بعضاً، ويسد أحدها عجز الآخر وينوب عنه حيث لا يقدر الحضور. 
  2. هذه أجهزة تعمل كجسم واحد بعقل واحد في عمل جمعي يقوي بعضه بعضاً، لذلك لا يمكن مواجهتها إلا بعقل جمعي وتفكير مشترك. 
  3. إن هذا الموقف يستدعي ويتطلب من قوى المقاومة والقوة الحرة في المنطقة التي تقف على النقيض من مشاريع الاحتلال والاستبداد، أن تقف صفاً واحداً وتتعاطى مع ما يواجهها من تهديدات وعقبات بشكل جمعي؛ تفكيراً وتقديراً وتحضيراً وتنفيذاً ووحدة مصير . 

في غير هذه الصورة فإن هؤلاء القوم سوف يستفردون بهذه القوى كل على حدا، خاطبين ود أحدهم إلى حين انتهائهم من الآخر، فلا نتآزر عليهم كتكالبهم علينا؛ فنخسر ويكسبون، ونهزم وينتصرون، مع أننا بالوحدة والتآلف والتكاتف مأمورون. 



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023