الأردن: الشريك الهادئ

مركز القدس للاستراتيجية والأمن
الجنرال في الاحتياط د. عيران ليرمان
ترجمة حضارات

لا ينبغي أن تنسينا "الاتفاقيات الإبراهيمية" و الانفراجة مع السودان والمغرب والتوجه الإيجابي في العلاقات مع مصر الأهمية الاستراتيجية للمملكة الأردنية.
 في الوقت نفسه، يمكن في القنوات غير العامة إثارة مطالب من الحكومة الأردنية، خاصة لتغيير الأجواء العدائية في الجمهور الأردني.

التغيرات السياسية في الأردن

في أكتوبر 2020، أطاح الملك عبد الله الثاني برئيس الوزراء عمر الرزاز، وسط حالة يرثى لها في مكافحة وباء كورونا وتزايد الاضطرابات العامة، وعين مكانه الدكتور بشار الخصاونة، الذي يعتبر أقرب مستشار له. السيد الخصاونة حاصل على درجة الدكتوراه في القانون من كلية لندن للاقتصاد (LSE)، وهو سفير سابق في مصر وعدد من الدول الأخرى.
تظهر حكومة الخصاونة بوادر اقترابها من النظام الاستراتيجي العربي بقيادة دول الخليج، إلى جانب توثيق العلاقات على المحور العراقي الأردني المصري. 

تفتح هذه السياسة في المنظومة الإقليمية، على الأقل من الناحية النظرية، فرصة لتحسين العلاقات بين إسرائيل والأردن، بعد فترة متوترة اتسمت بقرار الملك بعدم تجديد عقد إيجار الأراضي التي تم نقلها إلى السيادة الأردنية بموجب اتفاق السلام عام 1994.

اتسع نطاق المناورات السياسية للحكومة الجديدة، إلى حد ما، بسبب نتائج الانتخابات النيابية (10 تشرين الثاني / نوفمبر 2020). من 115 مقعدًا منتخبة في مختلف الدوائر، باستثناء 15 مقعدًا في مجلس النواب المخصصة للنساء، يمثل العُشر فقط الإطار السياسي للإخوان المسلمين، "جبهة العمل الإسلامية"، التي يُسمح بنشاطها السياسي، على العكس من الإخوان المسلمين. 
وخرجت هذه الجبهة في هذه الانتخابات ضمن "الائتلاف الوطني الإصلاحي"، لكنها فازت فقط بنحو نصف عدد نواب الجبهة في الانتخابات السابقة. "الحركة المدنية" التي حاول مروان المعشر، وزير الخارجية السابق ونائب رئيس الوزراء تشكيلها، والذي كان أول سفير للأردن في إسرائيل، فشلت بدورها، وانهارت حتى قبل الانتخابات.

معظم النواب في البرلمان الجديد لهم انتماءات قبلية وليست حزبية، ومن المتوقع أن يسهل ذلك الأمر على الحكومة التي تتمتع بصلاحيات واسعة ولا تحتاج إلى موافقة برلمانية على أي حال. 

نسبة الإقبال في الأردن منخفضة وهذه المرة وصلت إلى مستوى منخفض جديد، حوالي 30٪ فقط؛ بسبب مخاوف من التصويت عبر صناديق الاقتراع أثناء الوباء، وبسبب الدعوات لمقاطعة الانتخابات.
لذلك هناك علامات استفهام حول شرعية النتائج، والاضطرابات مستمرة بين فئات الجمهور الأردني التي تضررت من الإغلاق المحكم والإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة في أزمة كورونا. غير أن الوضع السياسي الجديد الذي أعقب تعيين مجلس النواب الجديد من قبل الملك يخفف القيود على الحكومة، سواء في التعامل مع الأزمة الطبية الحادة أو في إعادة تشكيل السياسة الخارجية.

الفرص أمام "إسرائيل" 

في ظل التطورات الدراماتيكية في علاقات إسرائيل مع أجزاء مهمة من العالم العربي ،"اتفاقيات إبراهيم" مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والتقدم نحو السودان والانفراج مع المغرب، ومع دول أخرى مستقبلاً، وربما السعودية نفسها - يجب الحرص على عدم التقليل من أهمية العلاقات مع الأردن. 

وزنها الاقتصادي بالنسبة "لإسرائيل ليس كبيرًا، على الرغم من أن كلا البلدين، وكذلك تركيا، لهما مصلحة في استخدام ميناء حيفا لنقل جزء كبير من التجارة إلى الأردن ومن هناك إلى المنطقة العربية، لكن أهميتها الاستراتيجية كبيرة جدا.

يساهم التعاون الأمني والاستخباراتي بين الجيش الإسرائيلي ومجتمع المخابرات الإسرائيلي والأنظمة الموازية في الأردن مساهمة حيوية في الأمن والسلام، والتي لم تنتهك منذ سنوات، بالرغم من انها أطول حدود لإسرائيل. إن مستوى هذه المنظومات في الأردن مرتفع، وقد صمدت فعاليتها وإيجابيتها مرارًا وتكرارًا أمام اختبارات صعبة، بما في ذلك التطبيق الأخير لإغلاق كورونا.
إن حقيقة عدم وجود إرهاب من الأردن، على الرغم من أن جزءًا كبيرًا جدًا من سكانه فلسطينيون، ويضم حاليًا حوالي مليون لاجئ سوري لم يكن توجههم العقائدي معروفًا مسبقًا قبل الاستقرار عبر الحدود، هو شهادة احترام لـ فاعلية المؤسسة الأمنية الأردنية.

علاوة على ذلك، ستستفيد "إسرائيل" من الاندماج المناسب للأردن في القوة الإقليمية الناشئة، والتي تشمل الإمارات العربية المتحدة ومصر و"إسرائيل" واليونان وربما حتى فرنسا. الأردن عضو في "منتدى غاز شرق المتوسط"، EMGF، وأطر متوسطية أخرى، بحكم وصولها إلى الموانئ الإسرائيلية. 
من المهم إبعادها عن دائرة النفوذ التركي، وربما استخدام موقعها الاستراتيجي كجسر بين الخليج والبحر الأبيض المتوسط وبين مصر والعراق، لتعزيز المصالح المشتركة، بما في ذلك إمكانية ارتباط بري مستقبلي بين "إسرائيل" ودول الخليج.

فيما يتعلق بمسألة القدس، هناك مصلحة مشت


ركة لإسرائيل والأردن في الحفاظ على الوضع الراهن، بينما يعني ذلك عمليًا استمرار السيادة الإسرائيلية في المدينة، إلى جانب مكانة الوقف الأردني في الحرم القدسي الشريف. حتى لو كان للمغرب والسعودية تطلعات للتأثير في القدس (ملك المغرب هو رئيس "لجنة القدس" في منظمة الدول الإسلامية O.I.C)، وملك المملكة العربية السعودية يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، ويسعده ان يضم الى مكة والمدينة القدس أيضًا)، سيكون من الخطأ الاستجابة لتوقعاتهم على حساب الأردن.

مع تنصيب الإدارة الأمريكية الجديدة، سيكون من المفيد" لإسرائيل" والأردن أن يقدما لها وللكونغرس رؤية للحوار المفتوح والتعاون، بما في ذلك في المجالات القريبة من قلوب الديمقراطيين. تشمل هذه المجالات مجال الطاقات المتجددة ومجال البيئة والحفاظ على/ أو ترميم الأصول الطبيعية الفريدة مثل البحر الميت. 
سيكون الاجتماع على المستوى السياسي الأعلى فرصة أيضًا لإقامة علاقات أفضل مع الحكومة الجديدة في الأردن، كما ذكرنا، بعد فترة طويلة نسبيًا من التوتر.

 سيكون الاجتماع على المستوى السياسي الأعلى فرصة أيضًا لإقامة علاقات أفضل مع الحكومة الجديدة في الأردن، كما ذكرنا، بعد فترة طويلة نسبيًا من التوتر.

ماذا يجب على إسرائيل أن تطلب؟

في الوقت نفسه، تسمح التغييرات الدراماتيكية في المناخ الإقليمي، وحتى في التعليم العام في بعض البلدان، لإسرائيل بإثارة قضايا حساسة تم قمعها في الماضي. هذا ليس كشرط لتحسين العلاقات والدعم الإسرائيلي لمواقف الأردن في واشنطن وتجاه دول الخليج، ولكن كنتيجة واضحة ستخدم في نهاية المطاف المصلحة الوطنية الأردنية واحتياجات المملكة وقائدها. 
بشكل عام، يدور الحديث عن حاجة لتغيير الجو العام في الأردن. أظهرت الدراسات الاستقصائية التي أجرتها معاهد الأبحاث، بيو وآخرون، مرارًا وتكرارًا أنه على الرغم من علاقات السلام الرسمية، هناك عداء عميق لإسرائيل، وحتى لليهود. 
شهادة شخصية: نسخة من كتاب "كفاحي"، لهتلر، كانت متوفرة للشراء في مكتبة المطار في عمان .

 ينعكس ذلك في مجلس النواب والإعلام والخطاب العام. ليس من الممكن وضع حد لهذا الأمر بضربة واحدة، لكن هناك طرقًا يمكن للنظام من خلالها منع الظواهر المتطرفة تدريجياً وبث أصوات أخرى في الخطاب العام ونظام التعليم أيضًا.
و على العكس من مصر، لم ترحب الاردن بعد بالاتفاقيات بين إسرائيل ودول الخليج والسودان والمغرب بشكل علني، وقد يكون التحرك في هذا الاتجاه ذا أهمية رمزية.

من الممكن أن يتجسد التعبير المناسب عن التغيير المطلوب في زيارة رئيس الوزراء للأردن بعد الانتخابات، أو في مشاركة الأردن في قمة إقليمية ربما كجزء من جهود لاستئناف مبادرة سياسية. 

نقطة أخرى ستساهم في تغيير الأجواء قد تكون قرار أردني، استجابة لمطلب أُثير أيضًا في الولايات المتحدة، بتسليم أو على الأقل ابعاد الأسيرة المحررة أحلام التميمي، التي كانت مسؤولة عن هجوم سوبارو ولم يتم التعبير من قبلها أبدًا عن الندم على مقتل ثمانية أطفال. مكانتها في الإعلام الأردني ظاهرة خطيرة تثير الاستياء في كل من واشنطن واسرائيل.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023